kayhan.ir

رمز الخبر: 149147
تأريخ النشر : 2022April16 - 20:42

الإمام الحسن المجتبى (ع ) رجُل الثورة الصامتة

فاضل عباس

 

حين نستعرض السيرة الجهادية النيّرة لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، فإنّ القلم يعجز عن التعبير عن تضحياتهم العظيمة في سبيل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى ، ودأبهم على نشر الدين المحمّدي الأصيل ؛ إذ إنّنا نقف أمام مدرسة عظيمة تنوّعت أدوار كلّ فرد من أفرادها ومواقفه ، إلاّ أنّ هدفها واحد ، وهو إقامة حكومة العدل الإلهي وتطبيق السُنّة المحمّدية ، مثل هذا المشروع الإلهي العظيم ، يتطلّب التضحية والفداء بالدم والروح والنفس والأهل ـ أحياناً ـ كما هي كربلاء الحسين ( عليه السلام ) ، وأحياناً أخرى بالكلمة ، والموقف ، والصبر ، والثبات ، كما هي السيرة الجهادية للإمام الحسن ( عليه السلام ) .

والأدوار التي قام بها أهل البيت ( عليهم السلام ) رغم اختلافها الظاهري ـ للوَهلة الأُولى ـ إلاّ أنّها في الحقيقة وحدة متكاملة ومنهجية متناسقة ؛ حيث كلّ عنصر فيها قام بإكمال دَور العنصر الآخر ، وبالتالي هي سلسلة محمدية واحدة تعمل على تحقيق الهدف المنشود ، أَلا وهو إقامة حكومة العدل الإلهي على يدَي صاحب العصر والزمان الإمام الحجّة المهدي ( عجّل الله تعالى فرَجه الشريف ) في آخِر الزمان .

فاختلاف الأدوار في السيرة الجهادية العطرة لأهل البيت (عليهم السلام ) ، لا يعني ـ على سبيل المثال ـ أنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) رجل ثورة وقتال فقط ، بينما الإمام الحسن ( عليه السلام ) رجل مهادنـة وسلـم ، بل الواقع غير ذلك ، فالسيرة الحسينية الجهادية غلَب عليها طابع الصلح مع العدوّ لأسباب وظروف اقتضت ذلك ، بينما السيرة الحسينية غلب عليها طابع الثورة والجهاد لأسباب وظروف أخرى مختلفة ، وخير دليل على ذلك عند استعراضنا الحياة الجهادية للإمام الحسن ( عليه السلام ) ، فهي تارة مليئة بالمواقـف ، والبطـولات ، والتضحيات ، وتارة تستلزم الصلح والمسالمة ، ولكن في كلتي الحالتين يبقى الهدف واحد وهو : مصلحة الإسلام العليا .

( ... وقد يعتقد البعض بأنّ الحسن ( عليه السلام ) صاحب الصلح والمهادنة ، والإمام الحسين ( عليه السلام ) له الثورة والتمرّد ، إلاّ أنّه لو عكسنا الشخصين لقام كلٌّ منهما بنفس الدَور ، أي الظروف هي التي حكمت بأنّ كلّ منهما يتبع نهجاً ما ، أي الظروف هي تحكم بالحرب أو السِلم ، بينما الدافع والهدف هو واحد ، هو فقط المصلحة العامّة لا غير )(.

وعلى هذا الأساس نلاحظ بأنّه عند الحديث عن سيرة الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، فإنّه يتبادر مباشرة للذهن صُلحه مع معاوية ، وكأنّ حياته ( عليه السلام ) كلّها تُختزل في هذا الصلح ـ وذلك بغضّ النظر عن أهمّيتها ـ وبالتالي هو بعيد كلّ البُعد عن ساحات القتال والمواجهة ، لكن سيرته سلام الله عليه تحدّثنا بغير ذلك .

تحدّثنا بأنّه أعَدّ الجيوش والمقاتلين لقتال معاوية عندما سمحت له الظروف بذلك ، لكن عامل المفاجأة الذي برز في صفوف جيشه ( عليه السلام ) ـ كبروز حالات الخيانة والغدر ـ دفعه نحو الصُلح مع معاوية ، أليس هو القائل ( عليه السلام ) مجيباً أحد أصحابه العاتبين عليه بالصلح : ( والله لو وجدت أنصاراً لقاتلت معاوية ليلي ونهاري ) ؟.

وفي موقع آخر يردّ ( عليه السلام ) على أحد أعدائه ، وهو (عبد الله بن الزبير ) ، الذي كان يُعلن مناوئته لآل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فكان ممّا أجابه به قوله ( عليه السلام ) : ( وتزعم أنّي سلّمت الأمر ، وكيف يكون وويحك كذلك ؟ ، وأنا ابن أشجع العرب ، وقد ولدتني فاطمة سيدة نساء العالمين ، لم أفعل ذلك ويحك جُبناً ولا ضعفاً ، ولكنّه باغٍ مثلك ... ) (

ومع كلّ هذا وبعد وقوع الصلح مع معاوية ، استمرّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) في مسيرته الجهادية ضده ، بل عمل على تمهيد الأرضية المناسبة للثورة الحسينية الكربلائية ، وشهادته ( عليه السلام ) ، وقتله مسموماً خيرُ دليل على ذلك ، وإلاّ لماذا قُتل الحسن ( عليه السلام ) لو كان رجل مسالمة وصُلح مع العدوّ ؟! فأيّ تأثير له على نظام معاوية ما دام كذلك ؟! .

فالجواب : واضح وبديهي ، هو أنّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) هو رجل ثورة ضد الظلم بكلّ ما للكلمة من معنى ، سواء كان ذلك الجهاد بالكلمة أو بالسيف ؛ ولهذا أصبح استمرار جهاد الإمام الحسن ( عليه السلام ) ضد معاوية ونظامه المتغطرس عامل خوف ورعب عليهم ، بل شكّل خطراً يهدّد كيان النظام الأموي ، ما دفع معاوية لوضع حدٍّ له ، فكانت الشهادة المباركة .

وبناءً على ذلك ، هو أنّ الكثير من البحوث والدراسات ، يلاحظ بأنّ غالبيّتها تتناول الجانب الفكري والأخلاقي لأئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، بينما الجانب الجهادي والقتالي يبقى غامضاً في كثير من الأحيان ، ومثال على ذلك سيرة الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، حيث أغلَب الدراسات والبحوث التي تناولت حياته المباركة ، تحمِل عنوان ( صلح الإمام الحسن ( عليه السلام ) ـ وذلك بغضّ النظر عن أهمية تلك الدراسات ـ ممّا يوحي بأنّ الحسن ( عليه السلام ) رجل صلح ومهادنة فقط .

ولكن واقع وحقيقة سيرته الجهادية أعظم وأشمل من ذلك ، بل هو كما عند بقية الأئمة ( عليهم السلام ) ، كسيرة الإمامين السجّاد والصادق ( عليهما السلام ) ؛ حيث برزت التكتّلات والتشكيلات السرّية تحت إشرافهم وتوجيهاتهم ، رغم أنّ عصر الإمام السجاد ( عليه السلام ) تميّز بنشر الفكر الأخلاقي والعبادي لمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وتميّز عصر الإمام الصادق ( عليه السلام ) بنشر فقه وعلوم أهل البيت (عليهم السلام ) .

 ويشير إلى تلك الحقيقة سماحة السيد القائد الخامنئي ( دام ظلّه الوارف ) بقوله : إنّ غُربة الأئمة ( عليهم السلام ) لم تقتصر على الفترة الزمنية التي عاشوها في حياتهم ، ولكنّها استمرّت ولعصور متمادية من بعدهم ؛ والسبب في ذلك يرجع إلى إهمال الجوانب المهمّة ، بل والأساسية من حياتهم .

يجب علينا أن ننظر إلى حياة الأئمة ( عليهم السلام ) كأسوة وقدوة نقتدي بهم في حياتنا ، لا كمجرّد ذكريات قيّمة وعظيمة حدثت على التاريخ ، وهذا لا يتحقّق إلاّ بالاهتمام والتركيز على المنهج والأسلوب السياسي من سيرة هؤلاء العظماء (عليهم السلام ) ...

 إنّ مواجهة الأئمة ( عليهم السلام ) كانت واجهة ذات هدف سياسي ، فما هو هذا الهدف ؟ إذن الهدف هو عبارة عن تشكيل حكومة إسلامية ، ولا نستطيع أن نقول إنّه كلّ إمام كان بصدد تأسيس حكومة في زمانه وعصره ، ولكن هدف كلّ إمام كان يتضمّن تأسيس حكومة إسلامية مستقبلية ، وقد يكون المستقبل البعيد أو القريـب .

 

الملامح الشخصية للإمام الحسن ( عليه السلام ) :

وُلد الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب ثاني أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وأَوّل السبطين ، في المدينة المنورة ، ليلة النصف من شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة للهجرة .

وأُمّه هي سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بنت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .

وُلد ونشأ ( عليه السلام ) في كنف جدّه النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وفي رعاية أبيه علي ، وأُمّه فاطمة ، وهو أَوّل ولَد يولد من سلالة الرسالة ؛ ليحفظ الله به وبأخيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) نموّ تلك الشجرة الطيبة ، التي أصلها ثابت ، وفرعها في السماء .

 ورعاه جدّه العظيم ، بعينه وقلبه ، فهو قطعة من وجوده ، وومضة من روحه ، وصورة تحكيه ، أَورثه هيبته وسؤدده ، حتى فَرِقَ منه أعداؤه ، وأعظمه مخلصوه وأحبّاؤه ، وأَعظِم بإنسانٍ جدّه محمد ، وأبوه علي ، وأُمّه فاطمة ، وأيّ فخر بعد هذا المفتخر ، وأيّ مجدٍ بعده لإنسان .

فلهذا كان المقام المقدّس الذي حظيَ به الإمام الحسن ( عليه السلام ) على لسان جدّه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، والذي يدفعنا لمزيد مِن التأمّل في سيرته المباركة ، بكلّ ما تحتويه من جوانب عظيمة وكمال ذاته وحِكمته ، وسدادٍ رساليّ ، والذي نراه ينسجم تماماً مع وصف رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) له وموضعه منه ، فيما ورد عنه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في حقّه ( عليه السلام ) منها :

عن زينب بنت أبي رافع عن أُمّها قالت : قالت فاطمة (عليها السلام ) يا رسول الله ، هذان ابناك فانحلْهما ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أمّا الحسن فنحلتُه هيبتي وسؤددي ، وأمّا الحسين فنحلتُه سخائي وشجاعتي ) (

ويقول الرسول الأعظم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أيضاً في حقّه ( عليه السلام ) : ( لو كان العقل رجلاً لكان الحسن (عليه السلام) ) (

وقد نصّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على إمامة الحسن المجتبى ( عليه السلام ) بقوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( يا علي أنا وأنت وابناك الحسن والحسين ، وتسعة مِن وُلد الحسين أركان الدين ودعائم الإسلام ، مَن تبِعنا نجا ، ومَن تخلّف عنّا فإلى النار ) (.

ومَن ينظر في شخصية الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، وسيرته العملية سواء في عصر أبيه أو في حكمه ، يرى فيه قوّة الشخصية ، والعزيمة الراسخة وسرعة التحرّك لحسم المواقف ، ولكنّ الظروف الموضوعية التي ألمّت بالإمام (عليه السلام ) أحرجَت موقفه بشكلٍ يندر نظيره في التاريخ .

 

 

نبارك للامة الاسلامية جمعاء مولد صاحب الثورة الصامتة ضد الظلم الاموي الامام الحسن بن علي بن ابي طالب (ع)