باكستان توجّه صفعة للسياسة الأميركيّة فكيف سيكون الردّ…؟
العميد د. أمين محمد حطيط
بعد أن سقط نواز شريف رجل أميركا في باكستان وتقدّم عمران خان القياديّ الواعد لحكم البلاد حكماً يعمل لاحترام استقلالها وصيانة حقوقها، أظهرت أميركا امتعاضاً من التحوّل، لكنها سلّمت به مؤمّلة احتواء التغيير والعودة بالأمور في العلاقة بباكستان الى «وضعها التقليدي التاريخي» الموسوم بعلاقة أميركية ذات خصوصية مميّزة، خاصة أنّ عنصر الثقل النوعي الاستراتيجي في البلاد أيّ الجيش يتمسك بتلك العلاقة لاعتبارات شتى، وأنه الجيش نفذ أكثر من انقلاب عسكري استجابة لتوجيهات أميركا او عملاً بتمنيات أو رغبات أميركية.
بيد أنّ عمران خان قاد سياسة بلاده بما يؤمّن لها فعلياً استقلاليتها ويصون حقوقها فعلاً لا لفظاً، وحارب الفساد الذي نشره ومارسه سلفه الذي نُفي خارج باكستان، ووضع سياسة تقشف بدأ بتطبيقها على نفسه من حيث عدم الاستفادة من مزايا المنصب منزلاً وخدماً وراتباً وأسلوب حياة، أما الأهمّ والأخطر بالنسبة لأميركا فقد كان في قراراته تجاه مسائل دولية كبرى تعتبرها أميركا مواطن التأثير الدولي الأساسي لسياساتها. وفي هذا سجلت لعمران خان المواقف الهامة التي أغضبت أميركا على الوجه التالي:
ـ قضية فلسطين: جاهر عمران خان في دعمه للشعب الفلسطيني ورفضه مسار التطبيع مع «إسرائيل»، ولم يوافق على الدخول في اتفاقات إبراهام التي ترجمت اتفاقيات تطبيع ثنائية بين «إسرائيل» وأكثر من دولة عربية. وقد كان لهذا الرفض تأثيره السلبي على مسار التطبيع برمته خاصة أنّ باكستان هي الدولة الإسلامية الثانية والدولة الإسلامية النووية الوحيدة في العالم.
ـ الموقف من العدوان السعودي على اليمن. رفض عمران خان الدخول في التحالف المسمّى «تحالفاً عربياً» بقيادة سعودية وإشراف وتوجيه وإملاء أميركي للعدوان على اليمن. واعتبر أنّ حرباً من هذا القبيل تزعزع العلاقة بين الدول الإسلامية ولا تحقق الأمن والسلام لأحد ورفض تقديم أيّ نوع من أنواع المساعدات الى هذا التحالف، ودعا الى وقف الحرب والدخول في حوار لتسوية الخلافات سلمياً، موقف يعاكس ما تريده أميركا من سيطرة عبر السعودية والإمارات على اليمن.
ـ العلاقة مع إيران… في ظلّ سياسة الضغوط الأميركية القصوى وسلسلة التدابير الاقتصادية الإجرامية التي تتخذها أميركا بحق إيران تحت عنوان تسمّيه زوراً وتجاوزاً «العقوبات» اتجه عمران خان نحو طهران وعقد معها علاقات صداقة وتعاون وتبادل تجاريّ وأعاد العمل بخط سكة الحديد بين البلدين ووضع أكثر من مشروع لتفعيل التعاون الاقتصادي بينهما بما في ذلك الأسواق الحدودية والتعاون في أكثر من مجال، وهو تعاون من شأنه أن يحدث خرقاً وثغرات في الحصار الأميركي على إيران ويمسّ باستراتيجية أميركا حيالها، وامتنع عن تشكيل أيّ تهديد أو فعل عداء او استفزاز لإيران ملتزماً بقواعد الاخوة الإسلامية وحسن الجوار معها.
ـ العلاقة مع الصين… لم يتهيّب عمران خان مسألة العلاقة مع الصين وفقاً لما تريد أميركا، ولم يمنعه ما آل إليه مصير عادل عبد المهدي رئيس الحكومة في العراق بعد توقيعه الاتفاقات الاقتصادية الاستراتيجية مع الصين ما تسبّب بالإطاحة به بقرار أميركي، بل اتجه الى الصين واثق الخطى ووقع معها اتفاقية تتجاوز في صيغتها الأولى الـ ٦٠ مليار دولار، واتخذ كلّ ما يلزم من إجراءات للانضمام الى المشروع الصيني الدولي الضخم والمسمّى «الحزام والطريق» مع إبداء كامل الاستعداد لتطوير العلاقة معها في شتى المجالات… وكلها تدابير رأت فيها أميركا تحوّلاً باكستانياً من الغرب الى الشرق وخطوات عملية لخروج باكستان من المظلة الأميركية.
ـ الموقف من روسيا وعمليتها الخاصة في أوكرانيا. قد تكون هذه المسألة بالذات الشعرة التي قصمت ظهر البعير الأميركي ودفعته للاستعجال بمحاولة الإطاحة بعمران خان رئيس الوزراء الباكستاني الذي أيّد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وذهب إلى موسكو في الأيام الأولى لبدء العملية ورغم علمه بالحرب الغربية الأطلسية الأميركية الشاملة ضدّ روسيا (باستثناء زجّ الجيوش في الميدان وفتح الجبهات) فقد أكد عمران خان استقلاليته ودعمه لروسيا وتمسكه بالاتفاق معها في موضوع الغاز والسير قدُماً في أنبوب استجراره، فاتحاً بذلك ثغرة واسعة في جدار الحصار الغربي بقيادة أميركيّة.
قرأت أميركا كلّ ذلك وعطفته على مواقف باكستانية سابقة ذات طبيعة عسكرية وأمنية تمثلت في طلبات أميركية سابقة رفضها عمران خان وتتصل بصورة خاصة بالموقف الباكستاني من تنظيم طالبان في أفغانستان ورفضه إقامة قواعد عسكرية أميركية أو مراكز تجسّس ومتابعة وتعقب تديرها «سي أي آي» الأميركية على حدود الصين وحدود إيران، واستخلصت أنّ عودة العلاقة الأميركية الباكستانية الى ما كانت عليه قبل عمران خان أمر بات ميؤوساً منه، فسارعت الى الطلب من المعارضة النيابية الباكستانية بالعمل لإسقاط الحكومة في البرلمان والتخلص من عمران خان، كما تخلصت من عادل عبد المهدي في العراق، فاستجابت المعارضة وباشرت فيه للتنفيذ.
بيد أنّ شجاعة عمران خان وذكاءه قطعا الطريق على المحاولة او الخطة الأميركية من حيث مبادرته لطلب حلّ البرلمان والاستقالة ومنع سقوط حكومته فيه وتوجهه الى الدعوة لانتخابات مبكرة خلال الـ ٩٠ يوماً المقبلة، فترة ستكون حافلة بالتهديدات وتوقعات العبث الأميركي وسيكون الشعب الباكستاني أمام اختبار استقلاليّ هام حيث سيقترع في الانتخابات المقبلة ليس لإعادة تكوين السلطة فحسب، بل سيقترع لاستقلال باكستان وسيادتها وتأكيد خروجها من المظلة الأميركيّة دون أن تتحوّل طبعاً إلى عدو لأميركا.
نعم سيقترع للدخول في التكتل الشرقي الاستراتيجي الواعد والمُشكًل حتى الآن من الصين وروسيا وإيران وهي الدول التي استفزت العلاقة الباكستانية معها أميركا ودفعتها الى هذا الموقف العدائي من عمران خان.
أما التهديدات التي قد تشكلها أميركا رداً على ما تقدّم، فهي على نوعين أمني وعسكري، وكلا الأمرين تحترف أميركا ممارستهما حيث يُخشى أمنياً من الإقدام على الاغتيالات التي تطال عمران خان او أركانه او إحداث اضطرابات داخلية تذكّر بما حصل في العراق بوجه عادل عبد المهدي، او كما حدث في دول أخرى أسقطت فيها الحكومات بالثورات الملوّنة، أما الخشية الثانية فإنها تتمثل بموقف الجيش الذي يعقد تاريخياً أوثق العلاقات مع أميركا وأجهزتها العسكرية والاستخبارية، ولذا يُخشى من انقلاب عسكري يقطع الطريق على العملية السياسية ويمنع التحوّل الاستراتيجي الباكستاني ذا الطبيعة الاستقلالية والذي يقوده عمران خان.
وحتى الآن نعتبر أنّ أميركا فشلت في باكستان وأنّ الأخيرة وجهت لها بيد عمران خان صفعة تبعد عن باكستان التبعية والانقياد الأعمى لأميركا او تستعمل أداة للأضرار بالآخرين عامة، وبالجوار خاصة، وإذا تمسك الشعب الباكستاني بعمران خان مجدداً وأعاد انتخابه وثبّته في موقع رئاسة الحكومة يكون قد أكد على الصفعة لأميركا وكتب صفحة مشرقة في كتاب التخلص من التبعية والاستعمار الأميركي الزائل لا محالة مع انهيار النظام العالمي الأحادي القطبية، وباكستان لها من جغرافيتها السياسية ما يؤهّلها لأن تكون قطباً في النظام العالميّ المتعدّد الأقطاب… وعمران خان قادر على حجز هذا المقعد.