الى أين تتجه العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا؟
شارل ابي نادر
"سوف نحقق أهدافنا من العملية، إما بالمفاوضات وإما بالحرب".
قد يكون الجواب على عنوان الموضوع واضحًا من هذه العبارة التي قالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، ولغيره أيضًا، وذلك في معرض التواصل الأخير بين الرئيسين، والذي لم يتوقف رغم انخراط فرنسا بشكل شبه كامل في استراتيجية واشنطن ودول الـ"ناتو" والاتحاد الأوروبي ضد روسيا.
هذه الأهداف التي وضعها الروس كعنوان لعمليتهم الخاصة في أوكرانيا، تتلخص بنقاط محددة وواضحة:
أولًا: اعتراف أوكرانيا بكل من شبه جزيرة القرم وبجمهوريتي إقليم دونباس: لوغانسك ودونيتسك.
ثانيًا: التزام واضح وثابت ونهائي بعدم انخراط أوكرانيا في الـ"ناتو".
ثالثًا: نزع البنية العسكرية الأوكرانية التقليدية ذات المستوى الاستراتيجي، وغير التقليدية من أسلحة دمار شامل.
تضاف الى هذه الأهداف بعض النقاط المرتبطة بها بطريقة مباشرة و هي: إبعاد رجال السلطة الحالية في أوكرانيا وتفكيك المجموعات النازية المتشددة والمسؤولة عن سلسلة كبيرة من المجازر بحق أبناء القرم والدونباس منذ العام ٢٠١٤ وما قبله وحتى انطلاق العملية العسكرية الروسية الحالية.
في الواقع، يتساءل الكثير من المتابعين أو المعنيين اليوم، اذا كانت هذه الأهداف الروسية من العملية، توازي أو تعادل أو توازن، كل ما يمكن أن تصل إليه الأمور في أوكرانيا وأوروبا الشرقية وروسيا وربما في العالم كله من دمار، جراء التداعيات الكارثية المحتملة بقوة من وراء العملية، والتي قد يكون أولها حربا عالمية ثالثة، عنوانها أقرب لما قال الروس بكل وضوح: حرب نووية مدمرة.
ويبدو أن الروس يعتبرون أن عدم تحقيق هذه النقاط "الأهداف"، يوازي بالنسبة لهم حربًا عالمية مدمرة، ولذلك اتخذوا هذا القرار الجريء والحساس والخطير والغريب، فما صحة ذلك؟ وما هي تداعيات عدم تحقق هذه الأهداف عليهم؟
لناحية عدم اعتراف أوكرانيا بالقرم وبالدونباس: سيكون بالنسبة لهم ضربة للأمن القومي ولتاريخ وثقافة ووجدان الشعب الروسي الذي يعيش في هذه المناطق، ولن يسمحوا بحصول ذلك، بسبب زمرة سياسية أوكرانية حاقدة، نصبتها واشنطن عام ٢٠١٤ في كييف مستهدفة من ورائها روسيا بشكل مباشر.
لناحية عدم التزام الـ"ناتو" وأوكرانيا بعد انخراط الأخيرة في الحلف المذكور: هذا الأمر أيضًا، رأت فيه موسكو تعبيرًا واضحًا وأكيدًا عن نوايا سيئة مبيتة ضدها، وأن الأميركيين يخططون لجعل أوكرانيا نقطة ارتكاز أساسية لاستهداف روسيا لاحقًا، خاصة مع ما توفره جغرافية أوكرانيا من تأثيرات هائلة على روسيا في كافة المجالات.
لناحية نزع البنية العسكرية الأوكرانية التقليدية ذات المستوى الاستراتيجي وغير التقليدية من أسلحة دمار شامل: هذا الموضوع تراه روسيا أساسيًا لخطورته، خاصة لارتباطه المباشر في انخراط أو عدم انخراط أوكرانيا في الـ"ناتو"، وتأثيرات وجود هذه القدرات من أسلحة الدمار الشامل على حدودها، باشراف ورعاية وادارة أميركية مباشرة، وبوجود سلطة معادية لها وبنفس الوقت مرتهنة بالكامل لواشنطن.
من هنا، وأمام جدية وخطورة تأثيرات هذه الملفات على روسيا، فيما لو فشلت في معالجتها كما تراه مناسبا لأمنها القومي والاستراتيجي، كان قرارها بإطلاق هذه العملية الاستثنائية والخاصة. ولكن عمليًا على الأرض، هل يمكن القول إنها نجحت حتى الآن في فرض المسار الذي يوصلها الى تحقيق هذه الأهداف، أم أنها فشلت في ذلك؟ وكيف يمكن أن تتطور الأمور؟ والى أين تتجه هذه العملية؟
مبدئيًا، بدأ يتبلور الوضع في الساعات الأخيرة لناحية المستوى الذي وصلت إليه العملية من الناحيتين العسكرية والميدانية، وبعد أن كانت الأمور توحي ببعض التعثر للوحدات الروسية، كل المؤشرات الميدانية اليوم، تُظهر أن هذه الوحدات بدأت تفرض ايقاعها في العمق الأوكراني، وبمعزل عن وضع المدن الكبرى التي ما زالت محاصرة، مثل كييف وخاركوف وماريوبل وأوديسا، فإن ما سيطرت عليه الوحدات الروسية في شرق أوكرانيا، بين الدونباس وخاركوف وازمير وبالاكليا، أو في غربها بين ميكولايف واوديسا وجنوب كييف، أو على الواجهة البحرية الجنوبية على بحري أزوف والأسود، كل ذلك يؤشر الى أن هذه الوحدات وضعت الخطوط الرئيسة لمحاور الهجوم الواسع في أغلب اتجاهات العمق الاوكراني، وهي تتحضر كما يبدو لإطلاق تحركها في كافة هذه المحاور، بعد أن استطاعت تحييد أغلب وسائل الدفاع الجوي الأوكراني، وأغلب القواعد الجوية والقاذفات الأوكرانية.
من جهة أخرى، أصبح واضحًا أن قدرة الـ"ناتو" والأميركيين خاصة، في محاولة عرقلة أو منع سلوك هذه العملية، هي قدرة محدودة، بالرغم مما تدخله هذه الأطراف من أسلحة فتاكة ومن مقاتلين ومتطوعين الى الداخل الاوكراني، خاصة أنهم صرحوا أيضًا وبكل وضوح، بعدم وجود قرار بتدخلهم العسكري المباشر بمواجهة الروس في أوكرانيا، أو في غيرها، والواضح أيضًا في هذا المجال لناحية عجزهم عن عرقلة العملية الروسية، أن سلاح العقوبات على روسيا، ارتدّ معاكسًا عليهم، في أوروبا وفي أميركا خاصة، ارتفاعًا جنونيًا بأسعار الطاقة والقمح.
انطلاقًا من كل ما ذُكر أعلاه، وخاصة لناحية عجز الـ"ناتو" عن عرقلة العملية الروسية، أو لناحية ما فرضته الوحدات الروسية عبر إمساكها بمفاصل السيطرة في الداخل الاوكراني، يمكن القول إن العملية العسكرية الروسية على الطريق لتحقيق أهدافها، وحتى لو تأخرت قليلًا هذه الأهداف، فهي قادمة حتمًا، ويمكن أن نلمس ذلك بكل وضوح، من الثقة التي تظهر لدى الرئيس الروسي، ولدى معاونيه، وخاصة لدى وزيري الدفاع والخارجية.