kayhan.ir

رمز الخبر: 146403
تأريخ النشر : 2022February12 - 21:01
هل جاء قصف الحوثيين لمطار أبها السعودي مُجَدَّدًا نتيجة اتّفاق هدنة “غير مُعلن” مع الإمارات بوساطةٍ إيرانيّة انعكس تهدئةً في جبهة مأرب؟

وما هي الاستراتيجيّة الجديدة التي اعتمدتها حركة “أنصار الله”؟ وما علاقة “حرب اليمن” بأزمتيّ أوكرانيا وتايوان؟

عبد الباري عطوان

كان لافتًا تصريح العميد يحيى سريع المُتحدّث باسم القوّات المسلّحة اليمنيّة (حُكومة صنعاء) الذي قال فيه “إن سلاح الجو المُسيّر تمكّن من استهداف موقع عسكري هام في مطار أبها بمُسيّرة مُلغّمة” مؤكدًا أن الإصابة كانت دقيقة، واعترف نظيره السعودي العقيد  تركي المالكي بهذا الهُجوم، وإسقاط الدفاعات الجويّة لهذه المُسيّرة، وأن شظاياها المُتناثرة أدّت إلى إصابة 12 شخصًا كانوا في المطار.

عودة المُسيّرات، وربّما الصّواريخ لاحقًا، لضرب أهداف استراتيجيّة في العُمق السعودي مُجَدَّدًا، وبعد انشِغال استمرّ لحواليّ الشّهر تقريبًا بضرب الإمارات العربيّة المتحدة، يُوحي بأنّ “تسوية ما” جرى التوصّل إليها بين الجانبين، أيّ حركة “أنصار الله” الحوثيّة، والقيادة الإماراتيّة، وما يُعزّز هذه الفرضيّة، أن تصعيد ألوية العمالقة والقوّات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من أبو ظبي، ماليًّا وتسليحيًّا، في معارك جبهة مأرب وشبوة “تراجع” بشَكلٍ ملموس في الأيّام القليلة الماضية.

مصدر يمني موثوق أكّد لنا أن هذا “الهُدوء” على هذه الجبهة، جاء نتيجة “صفقة” جرى التوصّل إليها في الاتّصال الهاتفي الذي جرى بين وزير الخارجيّة الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، ونظيره الإيراني أمير عبد اللهيان قبل أسبوعين، ورسائل “سريّة” مُتبادلة حملها “وسطاء” بين الجانبين الإماراتي واليمني الحوثي.

دولة الإمارات لا تستطيع “التعايش” مع وصول الصّواريخ والطّائرات المُسيّرة إلى أجوائها، سواءً من اليمن، أو من العِراق الأكثر قُربًا (إعلان منظمة مجهولة تحمل اسم وعد الحق إرسال خمس مُسيّرات لضرب أبو ظبي) حتى لو عزّزت قُدراتها الدفاعيّة الجويّة بمنظوماتٍ أمريكيّة أو حتى إسرائيليّة مُتطوّرة، وبما يُؤهّلها لاعتراض هذه الصّواريخ والمُسيّرات، لأنّ اقتِصادها الاستِثماري والسّياحي “المُزدهر” سيكون الضحيّة الأكبر لحالة الخوف والقلق وعدم الاستِقرار النّاجم عن هذا القصف، في ظِل مُؤشّرات عن انسِحاب شركات أجنبيّة وإن كان ذلك بأعدادٍ محدودة.

عودة المُسيّرات لقصف الأهداف الاستراتيجيّة السعوديّة في الجنوب ربّما يعني “تجميد” حركة “أنصار الله” لقصفها للإمارات، مُقابل انسِحاب حُلفائها من جبهة مأرب، ولو مُؤقتًا، الأمر الذي قد ينعكس سلبًا على العلاقات بين الإمارات والمملكة العربيّة السعوديّة الشّريكين في التحالف الذي يخوض حرب اليمن مُنذ سبع سنوات، ولوحظ أن الرياض كانت آخر دولة تُصدر بيان تضامن مع الإمارات بعد القصف الصّاروخي الذي تعرّضت له.

حركة “أنصار الله” تعتبر المملكة العربيّة السعوديّة العدوّ الرئيسي، ومصدر الخطر الأكبر، ولهذا ظلّت طِوال السّنوات الثلاث الماضية، ومُنذ انسِحاب الإمارات من حرب اليمن عام 2019 تحديدًا، تتجنّب أيّ مُواجهة معها، والتركيز على الجبهة السعودية، واتبعت استراتيجيّة قتاليّة من شقّين: الأوّل، يتمثّل في ضرب أهداف اقتصاديّة نفطيّة، ومطارات وموانئ سعوديّة (جرى استِثناء محطّات الكهرباء والماء ومعامل التّحلية حتّى الآن)، والثاني، التوغّل بريًّا في الأراضي السعوديّة المُحاذية لليمن، و”تحرير” أكبر مساحة مُمكنة منها (جازان، نجران، وعسير)، لإرباك السّلطات السعوديّة، وخلق حالة من الهلع في أوساط السكّان، لدفعهم إلى الهجرة شمالًا، وخاصَّةً إلى مدينة جدة.

تعبير “تحرير” الأراضي على الحُدود الجنوبيّة السعوديّة، ورد في بيانات حركة “أنصار الله” أيّ ليس من عنديّاتنا، والهدف منه تذكير السّلطات السعوديّة، والشّعب اليمني،  بأنّ هذه المناطق يمنيّة، وجرى تأجيرها للمملكة العربيّة السعوديّة لمئة عام بمُقتضى مُعاهدة الطائف.

التطوّر الأبرز الذي طرأ على هذه الحرب ومُجرياتها في الأسابيع القليلة الماضية هو ارتفاع مُعدّل الإصابات في أوساط المدنيين العاملين في المُنشآت السعوديّة، فقد اعترفت البيانات السعوديّة حول الهُجوم الأخير على مطار أبها بإصابة 12 شخصًا بينهما سعوديّان والباقي من الهند وباكستان، وكذلك تعطيل المِلاحة الجويّة لعدّة ساعات، أيّ أن هذه الحرب التي ظلّت وقائعها محصورةً في الأراضي اليمنيّة فقط لعدّة سنوات بدأت تتمدّد ألسنة لهبها إلى الأراضي السعوديّة والرأي العام السعودي بالتّالي، وبشَكلٍ مُكثّف ومُتسارع.

حرب اليمن مُرشّحة للتصعيد على مُختلف جبهاتها في الأسابيع والأشهر المُقبلة، لأنها باتت جُزءًا محوريًّا من الاستراتيجيّة الروسيّة الصينيّة الإيرانيّة لكسْر سياسات الاحتِكار والاحتواء الأمريكيّة في منطقة الشّرق الأوسط والعالم، وكرَدٍّ مُباشر وقويّ على استراتيجيّة أمريكيّة تُريد استِخدام جنوب اليمن المُتحكّم بباب المندب والقرن الإفريقي كقاعدة للسّيطرة على هذا المضيق أوّلًا، وإغلاق طريق الحرير الصيني ومنع وصوله إلى القارة الإفريقيّة بسُهولةٍ ويُسْر.

أمريكا هي التي طلبت من الإمارات التي تتحكّم حاليًّا بباب المندب الدّفع بقوّات حُلفائها لمنع الحوثيين من السّيطرة على مأرب وشبوة والاحتِياطات النفطيّة والغازيّة الهائلة فيهما، والتخلّي عن قرارها بالانسِحاب من حرب اليمن بالتّالي في إطار المُخطّط المذكور آنفًا بشَأن باب المندب.

في ظِل تصاعد التوتّر بين أمريكا وحلف الناتو من ناحية، والمحور الرّباعي الصيني الروسي الإيراني الكوري الشّمالي من ناحيةٍ ثانية في مناطق ساخنة مثل تايوان شرق آسيا، وأوكرانيا وسط أوروبا، وتواتر أنباء حول احتِمال انهِيار مفاوضات فيينا النوويّة، الحرب اليمنيّة ستكون أحد أبرز بُؤر التوتّر في منطقة الشّرق الأوسط، وربّما أيّ حرب بين القِوى العُظمى لاحقًا، وفي جميع الأحوال ليس لليمن ما يُمكن أن يخسره، أمّا خُصومه الذين أشعلوا فتيل هذه الحرب، فهذه مَسألةٌ أُخرى.