هل فشلت المحاولة الخليجيّة في تحقيق أهدافها في لبنان؟
العميد د. أمين محمد حطيط
لا اعتقد بأنّ الذي وضع ورقة الشروط الكويتية المحرّرة باسم الدول الخليجية والموسومة بأنها عربية دولية، أنه ومهما كان ساذجاً وبسيطاً، كان يظنّ أنّ هذه الورقة بما تحمل من طلبات تعجيزية هي ورقة قابلة للتنفيذ، وبالتالي ومع هذا اليقين بعدم القابلية للتنفيذ يكون هناك هدف آخر من الورقة فما هو وهل تحقق؟
لا نعتقد انّ من صاغ الورقة ونمّق بنودها مهتمّ كثيراً بإنقاذ لبنان وتعويم وضعه الإداري والمالي والسياسي وبناء دولة العدالة والمساواة فيه، ولو كان هذا الأمر يهمّه لكان طبّقه في بلاده أولاً، ولكان أحجم عن قرارات كبرى خاطئة اتخذها فأوْدت بالأوضاع لديه الى الدرك الأسفل من التردّي، ثم انّ لبنان بكلّ أطيافه وأقول بكلّ أطيافه لا يضيره أن يلتزم بتنفيذ تلك البنود، رغم ان التنفيذ لن يكون في صالح من تولى او سيتولى الحكم وجلّهم من أرباب أو صنّاع الفساد الذي أذهبَ الدولة ووضعها على شفير الزوال.
لكننا نعتقد انّ ما يهمّ كتاب الورقة هو أمر محدّد بعينه مضمونه سلاح المقاومة ودور هذا السلاح في الصراع الإقليمي القائم وتأثيره على تحديد موقع لبنان في خريطة الصراع هذا. فكتاب الورقة يعتقدون بانّ سلاح حزب الله أقام في لبنان بعد التحرير في العام ٢٠٠٠ وبعد منع العدو من العودة في العام ٢٠٠٦، أقام معادلة ردع استراتيجي فاعل غلّ يد «إسرائيل» ومنعها من ضمّ لبنان الى فضائها الحيوي الاستراتيجي رغم وجود كمّ لا بأس به في الداخل اللبناني من العملاء والأذناب الذين يتحركون ضدّ المقاومة مدّعين انهم يريدون تحرير لبنان من احتلال غير موجود ويسمّونه «الاحتلال الإيراني».
وفضلاً عن ذلك كان لسلاح المقاومة في انخراطه في الحرب الدفاعية ضدّ الحرب الإرهابية الكونية التي شنّت على سورية والعراق وكادت تطال لبنان في عمقه بعد أن اقتحم الإرهابيون حدوده الشرقية، كان لهذا السلاح دور فاعل في منع الإرهاب من بلوغ أهدافه التي عمل من أجلها بعض ممن كتب الورقة ـ الإنذار وبالتالي يكون حزب الله قد ساهم بسلاحه ومواقفه في إفشال عدوان قام به بعض هؤلاء وجعلهم يخرجون من الميدان بخفي حنين.
ثم انّ بعض كتاب الورقة الذين شنّوا او ساهموا في العدوان على اليمن يعتقدون بأنّ حزب الله اللبناني قدّم المعونة المتعددة العناوين للقوى الوطنية اليمنية التي تجنّدت وتحشدت وقادت حرب الدفاع عن اليمن في وجه تحالف أُسميَ عربياً بقيادة السعودية والإمارات، وانّ هذه المعونة والمساعدة أدتا حسب ظنهم الى منع العدوان من تحقيق أهدافه أولاً ثم تطوّرت الى حدّ تمكّن فيه أحرار اليمن بقيادة أنصار الله من دكّ العمق في السعودية والإمارات في سياق عمل هجوميّ يمارس في معرض الدفاع طلباً لفكّ الحصار عن اليمن ووقف العدوان عليه.
لكلّ ذلك، فإنّ المهزومين هؤلاء وجدوا في القرار ١٥٥٩ الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في العام ٢٠٠٤ بمسعى فرنسي أميركي وتضمّن في بنده الثالث نصاً يفرض نزع سلاح الميليشيات، وجدوا فيه ضالتهم باعتبار المقاومة وفقاً لتوصيفهم ميليشيا ويصفونها أيضاً بالإرهابية، وعليه فإنّ تطبيق القرار يعني تجريدها من سلاحها، يريدون ذلك ولكنهم يعلمون انّ هذه المهمة عجز عن القيام بها مَن هو أشدّ وأذكى وأقوى منهم، حيث لم ينل القرار هذا منذ صدوره من سلاح المقاومة لعدة أسباب نذكر منها:
ـ انّ اتفاق الطائف وقبله ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي العام تقرّ بحق الدول والشعوب التي تقع تحت الاحتلال كلياً او جزئياً بأن تلجأ الى كلّ الوسائل المتاحة بما في ذلك المقاومة الشعبية غير الخاضعة للدولة لتحرير أرضها، وبالتالي ومع وجود احتلال «إسرائيلي» لأرض لبنان في مزارع شبعا والغجر و١٣ منطقة حدودية أخرى على مشارف فلسطين المحتلة، مع وجود هذا الاحتلال تكون مشروعة مقاومته ويكون مشروعاً حمل السلاح من أجل ممارستها ولا قيد على ذلك، ولا تكون بحاجة الى من يشرعها بقرار او موقف ولا يحقّ لأحد إنكار هذا الحق بما في ذلك الدولة ذاتها.
ـ انّ القرار ١٥٥٩ نص على الميليشيات ولم يقارب المقاومة لأن ليس من صلاحية او بمقدور أحد ان يمنع المقاومة كما سبق وذكرنا أعلاه، كبيراً كان ام صغيراً، محلياً كان أم خارجياً، والذي تزعجه المقاومة عليه ان يعمل على انتفاء سببها فتنتفي… والسبب هنا كان ولا يزال الاحتلال، وأضيف اليه الآن التهديد بخرق السيادة والاعتداء على الثروة، ثم أضيف إليه التهديد الإرهابي الذي مثلته وتمثله داعش وأخواتها الصنائع الأميركية للعدوان على الدول والشعوب التي تناهض اميركا.
ـ انّ محاولات متعددة تمّت من أجل نزع سلاح المقاومة وفشلت بدءاً بمسرحية تلفيق الاتهام بقتل الحريري، ثم العدوان «الإسرائيلي» في العام ٢٠٠٦، ثم فتنة تعطيل سلاح الإشارة في المقاومة في العام ٢٠٠٨… وكلها فشلت فليس من المعقول التصوّر بانّ وُريقة تهديد بشيء نفذ جله حتى الآن، من عزل وقطيعة وحصار، سينجح في المهمة التي لا تخدم أحداً بمقدار ما تخدم «إسرائيل».
لكلّ ذلك نقول إنّ إنذار الخليج للبنان لن يؤدّي الي تحقيق الهدف فسلاح المقاومة مشروع وباقٍ ويتعزز، لا توجد قوة ميدانية متاحة لأحد من أعدائه وخصومه قادرة على النيل منه. ولهذا نقول إنّ الإنذار الخليجي عاجز عن النيل المباشر من هذا السلاح، لكنه في الوقت ذاته يرمي الى تحقيق هدف آخر ضدّ السلاح وبشكل غير مباشر. فما هو؟
نعتقد انّ من كتب الإنذار وقبله من وجه إليه، كان يقصد منه فتنة في لبنان عبر تحقيق انقسام لبناني وتصدّع في الموقف الرسمي يلاقيه انقسام في الشارع يقود الى صراع يلبّي او يستجيب الى المرحلة الرابعة من خطة بومبيو التي تحقق منها حتى الآن الانهيار المالي والاقتصادي وكانت أحدثت الفراغ السياسي الذي تمّت معالجته بحكومة ميقاتي الحالية التي يريدون زعزعتها، ثم تفجير الوضع الأمني بعد ذلك، وما تلفظ أحد الإعلاميين المنضوي والناطق باسم القوات اللبنانية بكلام مسيء لعقيده أهل المقاومة الا محاولة استدراج الى الفتنة التي يرمي اليها الإنذار.
انّ إنذار أهل الخليج الي لبنان يرمي إذن الى الفتنة وإغراق لبنان بالدم لتغرق المقاومة فيه. وسفك الدم بات مهنة خليجية بشكل عام، وسعودية بشكل خاص، من سورية الى العراق الى اليمن واليوم يحضرون أدواتهم للانتقال بخطط سفك الدم الى لبنان ولكن…؟
ولكن عرف لبنان الرسمي حتى الآن وأتقن لبنان المقاوم التعامل مع الإنذار والاستفزاز، فكانت زيارة رئيس الجمهورية الي دار الفتوى، ثم كان الردّ اللبناني المدروس والتبريدي الذي سلّم الى وزراء خارجية العرب في الكويت عبر الدعوة للحوار وتجنّب الإثارة بالرفض القاسي للإنذار، وطبعاً تجنب الالتزام القطعيّ بما طلب وهو يدرك أنه غير ممكن التنفيذ، ثم كان تجاهل المقاومة للرسالة ـ الإنذار والاستنكاف عن التعامل معها باعتبارها موجهة للدولة وهي غير معنية بتوصيف ميليشيا وليس من الحكمة التدخل بأمر لا يعنيها او إعارتها الاهتمام. ثم كان الردّ المضبوط على تصريحات ومواقف الفتنة التي تطلقها «القوات اللبنانية» المتخذة رأس حربة في الفتنة التي يُخطط لها، كلّ ذلك وجه رسالة قاطعة مفادها القول إننا لن ننزلق الى فتنة ولن تكون حرب أهلية ولكن….؟ اذا فشلت كلّ محاولات الاحتواء وأصرّ الآخر على الفتنة عندها يكون العلاج بما يفرضه الموقف لمنع الحرب وبكلّ السبل المتاحة… وهو احتمال يبقى مطروحاً لا يمكن إغفاله، ولكن حتى الآن نقول فشلت محاولات…