الماراثون المعقد لتشكيل الحكومة في العراق.. خيارات رئاسة الجمهورية والوزراء
بعد انتخابات مثيرة للجدل في العراق بنتائج مريبة ومشكوك فيها، انتخب "محمد الحلبوسي" أخيرًا رئيسًا لمجلس النواب العراقي للمرة الثانية بأغلبية 200 صوت. بعد إعادة انتخاب الحلبوسي رئيساً لمجلس النواب العراقي، وفي ضوء سجله في الدورة السابقة، أثير عدد من التساؤلات حول مصير الحكومة العراقية، فضلاً عن قضايا حساسة مثل إخراج القوات الأجنبية.
بمجرد تعيين رئيس البرلمان، تبدأ فرصة لمدة 15 يومًا في العراق لتسمية المرشحين للرئاسة. وفقا للمادة 70 من الدستور العراقي، يجب أن يحصل المرشح الرئاسي على أغلبية ثلثي الأصوات.
وهذا الشرط يجبر المجاميع الفائزة على محاولة تشكيل فصيل بـ 200 مقعد من أصل 329 مقعدا في البرلمان. تجري الأحزاب والفصائل السياسية العراقية محادثات للرئاسة، ووفقًا للمحادثات، من المرجح أن يترشح أربعة أشخاص لمنصب الرئاسة. يتمتع الرئيس العراقي الحالي برهم صالح بفرصة أفضل لاستعادة المنصب وهو مدعوم من الاتحاد الوطني لكردستان العراق.
لكن ترشيحه سيواجه فيتو من الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي وبعض الأحزاب الشيعية. كما تم اختيار عدنان المفتي، أحد قادة الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي، كواحد من أبرز المرشحين لهذا المنصب. كما اختارت الدوائر الكردية العراقية المقربة من الحزب الديمقراطي هوشيار زيباري، أحد قادة الحزب، كمرشح محتمل، وهو سياسي مخضرم شغل عدة مناصب في حكومات سابقة، منها وزير المالية ووزير خارجية العراق. رئيس إقليم كردستان العراق ، نيجرفان بارزاني، مرشح محتمل للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي.
هل لدى الكاظمي فرصة للبقاء في رئاسة الوزراء؟
عند انتخاب رئيس الجمهورية في العراق يقوم بتكليف مرشح أكبر فصيل برلماني بتشكيل الحكومة خلال 15 يوماً، وعلى رئيس الوزراء أن يقدم حكومته إلى مجلس النواب خلال 30 يوماً وإلا يتم تعيين رئيس وزراء آخر. لم يتم الإفصاح عن أي معلومات حتى الآن حول الخيارات المحتملة لرئيس الوزراء العراقي المقبل، لكن المؤشرات تشير إلى أن رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي يحاول البقاء في منصبه. لكن نظرا لاستياء عدد كبير من الأطراف والشعب العراقي من نهج الكاظمي، وخاصة استمرار صمته في مواجهة العدوان الأمريكي على الأراضي العراقية، فإنه سيواجه تحديات كثيرة، حتى لو أعيد انتخابه رئيسا للوزراء. ووفقًا لقانون غير مكتوب، قام القادة السياسيون العراقيون بتقسيم المناصب الرئيسية في البلاد، بما في ذلك رئيس الوزراء والرئيس ورئيس البرلمان، بين المكونات الرئيسية في البلاد، حيث يكون رئيس وزراء للشيعة، ورئاسة الجمهورية كردية، ورئيس البرلمان سنياً.
ما مدى إمكانية تشكيل حكومة أغلبية في العراق؟
منذ إعلان نتائج الانتخابات العراقية، رُسمت عدة سيناريوهات لتشكيل حكومة في هذا البلد، وهو ما يعتبر اتفاقا شاملا من قبل الفصائل الكبرى على تشكيل الحكومة، وهو سيناريو متفائل. لكن التطورات على الأرض في العراق تظهر أنه حتى أحكام الدستور العراقي في انتخاب محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان لم يتم تنفيذها بشكل صحيح. في مثل هذه الظروف، يسعى التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر إلى تشكيل حكومة أغلبية. على الرغم من أن مقتدى الصدر قد التقى مرتين بقادة الشيعة في الماضي.
وأفادت مصادر عراقية بلقاء بين قادة الجماعة ومقتدى الصدر، إلا أن مقتدى قد نأى بنفسه عن غالبية التيارات السياسية الشيعية ويحاول انشاء الحكومة الجديدة وحده وهو واثق بمساعدة الأكراد والسنة. كل أدلة وتصريحات الصدريين تشير إلى أن الحكومة ليست شراكة وطنية وأن الهدف النهائي لمقتدى الصدر سيكون تشكيل حكومة أغلبية.
وزعم موقع "عرب 21" الإخباري قبل أيام، نقلاً عن مصادر لم يسمها، أنه تم الاتفاق بين التيار الصدري والإطار التنسيقي لانتخاب رئيس مجلس النواب ونوابه ورئيس الوزراء. وزعمت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن اتفاقًا بين التيار الصدري ومجموعات الإطار التنسيقي، وخاصة تحالف فتح بزعامة هادي العامري، سيعزل نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون من الحكومة القادمة.
كما سيكون انتخاب رئيس الوزراء بالاتفاق بين المجموعات الشيعية المتوافقة، بشرط أن يسمي الصدر خمسة مرشحين للمنصب وأن يكون للإطار التنسيقي حق النقض على رفض أو الموافقة على بعض هذه الترشيحات حتى يتفق الطرفان على إحداها.
إلا أن العديد من الخبراء يرون أن الوضع السياسي في العراق لا يفضي إلى تشكيل حكومة أغلبية، وأن الضرورة تقضي بتشكيل حكومة توافقية في البلاد، وخاصة بعد تصاعد الخلافات بين الأحزاب والفصائل البرلمانية. ويشير محللون إلى أن التوترات في الجلسة الأولى للبرلمان أدت إلى تفاقم محنة محمود المشهداني أحد المرشحين البرلمانيين في العراق. كما نشرت قناة صابرين الإخبارية مقطع فيديو يظهر تدهور حالة المشهداني، زاعمة أن أعضاء من فصيل الصدر هاجموا المشهداني (أكبر أعضاء مجلس النواب سناً)، وأن ذلك أدى إلى تفاقم حالته.
البرلمان العراقي الجديد ومصير التدخل الامريكي
في ظل هذه الظروف، يبدو أن البرلمان العراقي يمر بأوقات مضطربة حتى تقديم رئيس جديد ورئيس وزراء. لكن الأهم، كما يشير المراقبون، هو دور البرلمان في إدارة بعض الشؤون قبل تشكيل الحكومة. الأول يتعلق بالتدخل الأمريكي المستمر في العملية السياسية العراقية، وما إذا كان البرلمان قادرًا على إلغاء سلطات وامتيازات الولايات المتحدة تحت غطاء المدنية في العراق.
يشعر كثير من الأطراف والشعب العراقي بالقلق من تكرار السيناريوهات السابقة والتدخل الأمريكي في تشكيل الحكومة العراقية وانتخاب رئيس الوزراء العراقي على غرار ما حدث في الفترة السابقة. حيث دخل الكاظمي في النهاية الحكومة العراقية بدعم من أميركي. احتج العراقيون مرارًا وتكرارًا على تصرفات مصطفى الكاظمي ضد الإجراءات الأمريكية التي تنتهك فعليًا السيادة العراقية.
مصطفى الكاظمي، الذي انتخب رئيسا لوزراء العراق بعد وقت قصير من الهجوم الإرهابي على استشهاد الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في يناير 2020، لم يتمكن من اتخاذ موقف حازم ضد غزو واشنطن للعراق. الأعمال العدائية ضدها. حكومة الكاظمي فشلت في استكمال القضايا الحساسة مثل اغتيال الجنرال سليماني والمهندس وإخراج القوات الأجنبية من العراق. ورغم إعلان العراق رسمياً انتهاء المهمة القتالية للتحالف الأمريكي على الأراضي العراقية؛ لكن مجرد وجود هذه القوات بذريعة مهمة تدريبية واستخباراتية على الأراضي العراقية يثير العديد من التحذيرات من مؤامرة امريكية جديدة لترسيخ احتلالها للأراضي العراقية.
في المقابل يشير البعض إلى الدور المشبوه لمحمد الحلبوسي كرئيس لمجلس النواب العراقي في الدورة السابقة. الكرابلة هم قبيلة عراقية كبيرة، يعيش فرع منها في المملكة العربية السعودية وترتبط ارتباطا وثيقا ببعضها البعض. يعتقد العديد من الخبراء أن لدى الحلبوسي الكثير من التعاون مع السعودية في العراق.
ثامر السبهان، السفير السعودي السابق في العراق ووزير الشؤون العربية في مجلس التعاون الخليجي، والذي يشرف أيضًا على العراق، تربطه علاقات وثيقة بالحلبوسي. سبهان هو الذي وصفته وزارة الخارجية العراقية بأنه عنصر غير مرغوب فيه بسبب تدخلاته الطائفية وجهوده لإخلال الأمن في العراق، وطلبت من الرياض استدعائه ففعلت، وغادر بغداد وعاد سفيرا. لهذا السبب، هناك مخاوف لدى بعض الأطراف العراقية المحلية من استمرار تدخل جهات أجنبية فاعلة في عملية تشكيل الحكومة العراقية وخلق أزمة فيها، ولا يمكنهم التفاؤل بمقاربة الحلبوسي.
وفي هذا الصدد، حذر أبو علي العسكري، رئيس أمن حزب الله في العراق، في بيان صحفي من أن أيامًا صعبة ومؤلمة تنتظر البلاد. لقد حذرنا مراراً من خطورة مصادرة الأغلبية والتحرّك وراء الدول الأجنبية ومطالبها، خصوصاً بريطانيا والإمارات.
لقد أثبتت تجربة الأحداث السياسية وتشكيل الحكومة في العراق مرات عديدة أن هذه العملية لا يمكن فصلها عن التدخلات الإقليمية والدولية، وخاصة التدخلات الغربية بقيادة الولايات المتحدة، وكذلك الأمر في الفترة الحالية. كما حذرت جماعات المقاومة مرارًا من هذا الخطر. لذلك، إذا كانت الأحزاب والفصائل العراقية تفضل فعلاً المصالح الوطنية على مصالحها الشخصية، فعليها أن تسعى إلى تشكيل حكومة "عراقية" توافقية بحتة بعيداً عن أي نفوذ وتدخل خارجي.
يتصاعد التحذير عندما نرى أن المنطقة الآن على لوحة ساخنة، وهناك أيضًا مؤشرات على جهد أمريكي متجدد لإحياء داعش في العراق وسوريا وحتى لبنان. كما تظهر التجربة، أن الفراغ السياسي والاختلافات في العراق كان دائمًا منصة جيدة للإرهابيين لزعزعة استقرار البلاد والإخلال بأمنها .