هل وصلت إيران إلى “العتبة النوويّة” مثلما يتنبّأ دينيس روس.. أم أنها تجاوزتها
وماذا يعني ذلك؟ وما هي فُرص استِماع إدارة بايدن لنصائحه بالعودة إلى الخِيار العسكريّ ضدّ طِهران؟
وما هو تفنيدنا لنظريّته الجديدة؟ ودور “السيّد” في قلب الموازين؟
عبد الباري عطوان
القاعدة الذهبيّة التي تقول بأنّه إذا أردت معرفة الموقف الإسرائيلي تُجاه أيّ قضيّة فإنّ عليك إلا أن ترصد “تسريبات” الأعضاء البارزين في اللوبي اليهودي الإسرائيلي في واشنطن، وخاصَّةً معهد واشنطن لسياسة الشّرق الأدنى القُوّة الفكريّة والسياسيّة الضّاربة لهذا اللوبي في الولايات المتحدة.
دينيس روس المبعوث الأمريكي الأسبق لشُؤون الشّرق الأوسط، وأحد أبرز الباحثين في هذا المعهد، نشر مقالة اليوم في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكيّة يُحرّض فيه الولايات لضرب إيران، ويقول “إنّ التّهديد بالحرب هو السّبيل الوحيد للسّلام مع إيران، وعودتها إلى الاتّفاق النووي”.
ما يُقلِق روس، ودولة الاحتِلال الإسرائيلي، هو ارتفاع نسب تخصيب اليورانيوم الإيراني إلى ما يَقرُب من 60 بالمئة، ورفضها، أيّ إيران، السّماح لمُفتّشي وكالة الطاقة الذريّة بالوصول إلى المعلومات حول هذه الأنشطة، ممّا يعني أنّ إيران في رأيه وصلت إلى “العتبة النوويّة” تمامًا مِثل اليابان، وأنّ علماءها يستطيعون القفز بسُرعةٍ، وإنتاج سلاح نووي في فترةٍ زمنيّةٍ محدودةٍ جدًّا.
الرئيس الأمريكي جو بايدن سَمِعَ مثل هذه المعلومات التحريضيّة طِوال الأشهر العشرة الأُولى من عُمر ولايته، وقاوم كُلّ الضّغوط الإسرائيليّة للجوء إلى الخِيار العسكريّ ضدّ إيران، ليس كَرَمًا، وإنسانيّةً، ورأفةً من جانبه بالشعب الإيراني، وإنّما لأنّه يُدرك أنّ مِثل هذا الخِيار ستكون له عواقب وخيمة، على القواعد الأمريكيّة في الشّرق الأوسط والمُحيط الهندي، وعلى إسرائيل نفسها أيضًا التي أصبحت أكبر، وأسمن، وأغلى رهينة في يد صانع القرار الإيراني.
سياسة اغتِيال العُلماء الإيرانيين البهلوانيّة، وأعمال التّخريب الاستعراضيّة لبعض المُنشآت الإيرانيّة النوويّة التي مارستها أجهزة الاستِخبارات الإسرائيليّة في الأعوام الأربعة الماضية، أعطت نتائج عكسيّة تمامًا، لأنّها أطلقت يد إيران وعُقولها، للتخلّي عن جميع التِزاماتها المَنصوص عليها في الاتّفاق النووي، والمُضِي قُدُمًا في رفع مُعدّلات التّخصيب، وزيادة أعداد أجهزة التّخصيب المركزيّة وتطوير قُدراتها، والأهم من كُل ذلك إنتاج معدن اليورانيوم، العُنصر الأساسي اللّازم لتصنيع قنابل نوويّة.
الإسرائيليّون، واللّوبي التّابع لهم في واشنطن، وعلى رأسهم دينيس روس، ومارتن إنديك، وحاييم سابان، وبتَوجيهٍ من نِتنياهو وتابعه جاريد كوشنر، هم الذين حرّضوا الرئيس دونالد ترامب على الانسِحاب من الاتّفاق النووي، واستِخدام سِلاح العُقوبات لتركيع إيران، وجرّها زاحفةً مُستَجديةً إلى بيت الطّاعة الأمريكي الإسرائيلي، ولكن ما حدث هو العكس تمامًا، وباتوا يَعُضّون أصابع النّدم.
صُقور النّخبة السياسيّة الإسرائيليّة الحاكمة تعترف الآن بأنّ إخراج إيران من الاتّفاق النووي خطوة كارثيّة، وأنّ العُقوبات الاقتصاديّة الأمريكيّة قوّت إيران ولم تُضعِفها، من حيث بناء عضلاتها العسكريّة ذاتيّة الصُّنع، خاصَّةً في ميادين صناعة الصّواريخ والمُسيّرات، وباتوا الآن يتحدّثون عن التّخطيط لشنّ هُجومٍ عسكريٍّ على البُنية التحتيّة النوويّة الإيرانيّة كخِيارٍ وحيد لمُواجهة هذا الخطر الوجودي الإيراني.
المستر روس يقف في الخندق الإسرائيلي في هذا المِضمار، ويذهب إلى ما هو أبعد من ذلك من حيث تقديم النّصح للقِيادة الإسرائيليّة باستِئجار عدد من القاذفات الأمريكيّة العِملاقة “B2” وتزويدها “بأم القنابل” الأمريكيّة العملاقة (30 ألف رطل) وقصف مُنشأة “فوردو” النوويّة الإيرانيّة المُقامة في قلبِ جبلٍ عِملاق، علاوةً على المُنشآت النوويّة الأُخرى.
ما لا يعرفه المستر روس أنّ استِئجار إسرائيل هذا النّوع من القاذفات، هو إعلان حرب، وأنّ هذا النّوع من الطّائرات قد يتم إساقطه قبل الوصول إلى هدفه، تمامًا مثلما حدث لطائرة “غلوبال هوك” الأمريكيّة المُسيّرة التي أسقطها صاروخ إيراني فوق مضيق هرمز من على ارتفاع 20 كيلومترًا، فمثلما كان هذا الإسقاط مُفاجأةً لأمريكا، قد يكون إسقاط طائرة “B2” مُفاجأةً أكبر، “فأفغانستان شيء.. وإيران شيءٌ آخَر”، وحتى لو يتم إسقاط هذا النّوع من القاذفات، فإنّ “حزب الله” وحده سيُطلِق آلاف الصواريخ الدّقيقة لتدمير جميع المطارات ومحطّات الكهرباء والمياه، ومخازن أمونيا حيفا، قبل أن تعود الطّائرات الإسرائيليّة المُغيرة على إيران ومُنشآتها النوويّة، وهذا ليس كلامنا، وإنّما كلام المستر روس في المقالة نفسها.
معلومات روس والتّحليلات التي تعتمد عليها باتت قديمةً ومُنتهية الصلاحيّة، ومنطقة الشّرق تتغيّر بسُرعةٍ، وإسرائيل اليوم ليست مِثل إسرائيل التي كانت عندما كان مبعوثًا دوليًّا لبلاده في الشّرق الأوسط، ولا نستبعد أن تكون إيران لم تصل إلى العتبة النوويّة فقط، بل ربّما تجاوزتها بمراحل، وكُلّ الاحتِمالات واردة، ولا نقول أكثر من ذلك.. والأيّام بيننا.