لماذا مأرب؟
بتول قصير
قتالٌ مستميت تشهده محافظة مأرب اليمنية، حيث تقترب أنصار الله واللجان الشعبية اليمنية من تحرير الثروة النفطية والغازية التي تستغلها السعودية ومعها مرتزقة التحالف العربي بمساندة قوات عبد ربه منصور هادي، ومنع حرمان الشعب اليمني منها. وتربط "أنصار الله" انفراج الأزمة المعيشية التي يعاني منها ثلثا الشعب اليمني في المنطقة الخاضعة لسيطرتها بموارد محافظة مأرب، وبالتالي انهيار أحلام الرياض وحكومة هادي في السيطرة على شمالي اليمن انطلاقاً من مأرب. فماذا يعني تحرير مأرب؟
بنظرة على طبيعة الموقع الجغرافي لمأرب، هي تقع إلى الشمال الشرقي من العاصمة صنعاء، إذ تبعد عنها بحدود 173 كلم، وتكتسب أهمية عسكرية وسياسية واقتصادية، إضافةً إلى غناها بالمحاصيل الزراعية، وعدد لا يستهان به من المواقع الأثرية، وبرمزيتها التاريخية والسياسية، الأمر الّذي دفع بحكومة منصور هادي لاعتبارها كنزاً ثميناً يجب الحفاظ عليه كونها آخر معاقل حكومته في شمالي اليمن.
ويظهر التقدم الكبير الّذي حققته المقاومة اليمنية في المحافظة واقترابها من تحرير مأرب أنه سيغير قواعد اللعبة في الصراع اليمني، مما رفع منسوب القلق الغربي على نحوٍ غير مسبوق لما لسيطرة انصار الله من تداعيات ونتائج على مختلف الأصعدة بما يهدد مصالح السياسية الامريكية والسعودية لأسبابٍ عدة:
- محاذاة مأرب جغرافياً للمملكة العربية السعودية، وهذا ما يحفز السعودية على الاستمرار في العدوان، محاولةً التهويل ودق ناقوس الخطر بالقول إن سيطرة قوات انصار الله واللجان الشعبية على مدينة مأرب يعني سقوط خط الدفاع الأول.
- تحرير مأرب هو سقوط آخر معاقل السعودية وحكومة هادي التابعة لها.
- السيطرة على الثروة النفطية والغازية، إضافة الى الغاز المسال الّذي يعتمد عليه اليمنيون في مختلف أرجاء البلاد، حيث كان يتم تصديره قبيل الحرب، والذي يشكل نحو 90 % من الثروة.
ومن يتأمل خريطة انتشار القوات الأمريكية والبريطانية والسعودية والإماراتية في مأرب وشبوة والساحل الغربي، يدرك تماماً مدى عمق الأهداف الجيوسياسية لرباعية العدوان ألا وهو السيطرة الكاملة على ثروات اليمن من النفط والغاز، إذ يجمع اقتصاديون إلى جانب الشركات التي دخلت إلى اليمن على أن ثمة مخزوناً هائلاً من الثروة النفطية في اليمن تقدر قيمتها وفق مصادر رسمية بـ 11.950 مليار برميل، مما يضع البلد في الترتيب الـ29 في تصنيف احتياطيات النفط، لأنه لم يستخرج منها حتى الآن سوى 20%، فيما لا يزال أكثر من 80% من الأحواض الرسوبية والمناطق الواعدة والمؤهلة لتكوين نظام بترولي غير مكتشف، وتحديداً في حوض جزع قمر وحوض الربع الخالي بين المهرة وحضرموت ومأرب والجوف، والتي يصفها خبراء النفط والجيولوجيا بـ"سيبيريا اليمن"، ناهيك عن الأحواض المغمورة، مثل حوض سقطرى وحوض البحر الأحمر. هذه الثروات تسمى بالخامات النفطية اليمنية، وخامات النفط اليمني يقصد بها الحصة الحكومية اليمنية في قطاعات نفطية منتجة، وهذه الحصة وفقاً لاتفاقات المشاركة بالانتاج تشمل:
خام نفط مأرب
خام نفط شبوة
خام نفط سقطرى
وتؤكد مصادر مطلعة أن أكبر حقل نفطي في العالم تم اكتشافه في شمال اليمن في محافظة الجوف ويعتبر من أكبر المخازن النفطية التي تم اكتشافها في القرن الواحد والعشرين ويعادل مخزونه مخزون النفط المتواجد في المكامن النفطية الخليجية ومنها المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة والكويت.
إضافةً إلى الثروات النفطية، فإن الموانئ اليمنية تعتبر من أهم الموانئ العالمية من حيث الموقع الجغرافي والاستراتيجي وتتواجد في جنوب وغرب اليمن وكذلك شمالها، إلا أن هذه الموانئ غير مستغلة بشكلٍ صحيح، ولو صح استخدامها واستغلال ايراداتها فسوف يصبح اليمن من أفضل الدول المتحكمة بالموانئ العالمية وذا ثروة ممتازة، ومن أهمها:
- ميناء عدن والذي يتواجد جنوب اليمن ومتحكم استراتيجيًا بالتجارات المحلية والعالمية، لذلك هناك أطماع لدى بعض الدول لاستغلاله للسيطرة على الثروة التي قد تجنى من عائداته.
- ميناء الحديدة والصليف: يقع غربي اليمن في محافظة الحديدة ويشرف على السفن التجارية العالمية ومردوده السنوي يصل الى اكثر من 30 مليار دولار.
- مضيق باب المندب: يعد من أهم المواقع الاستراتيجية العالمية وهو في محافظة تعز ويتحكم بالملاحة البحرية العالمية والسفن التجارية واذا تم استغلاله من قبل الحكومة حسب الدراسات التي أجريت فإن مردود مضيق باب المندب السنوي حوالي أكثر من 200 مليار دولار.
هذه الثروات الهائلة التي تزخر بها الأراضي اليمنية توضح الى حد ما خلفيات العدوان الرباعي الوحشي عليها والأطماع الدولية بالتوازي مع أطماع الدول المجاورة. وهنا يُطرح سؤال جوهري عن دور الأمم المتحدة عرابة السلام حسب ادعاءاتها على الاراضي اليمنية.
أظهرت الإحصاءات تسجيل 5000 رحلة لطيران الأمم المتحدة إلى مطار صنعاء الخالي والمغلق إلا من موظفي وطائرات الأمم المتحدة. في ظل الظروف الاقتصادية والإنسانية المأساوية التي يعيشها الشعب اليمني، يظهر موظفو الأمم المتحدة بين الحين والآخر ليساووا بين الضحية والجلاد، لا بل يطالبون الضحية بالاستسلام للجلاد وتنفيذ أجندته، وفق ما جاء على لسان كل من الأمين العام والمبعوث الأممي الى صنعاء الذي ألقى الكرة في ملعب الضحية، محملاً اياها مسؤوليَّة استمرار العدوان والحصار، من خلال مناشدته "الحوثيين أن يدركوا أنَّ الكل يجب أن يقوموا بكل شيء معاً، بغضّ النظر عن المراحل التي تجري فيها الخطوات".
أخيراً، على ما يبدو فإن الأمم المتحدة تميل للمجرم والقاتل على حساب الانسان والانسانية وتمنح المعتدي صك براءة عن انتهاكاته وتعدياته، وبينما يفترض بها أن تكون وسيطاً وعلى مسافة واحدة بين الاطراف، تستثمر في دماء اليمنيين عن طريق إطالة أمد الحرب الشعواء ضد الشعب المعذب والمظلوم، حسب مصالحها، ناهيك عن حجم النفقات للرحلات العبثية ومصاريف التنقلات والمرتبات الهائلة والقائمة تطول، وكله من ثروات الشعب اليمني وأموال المانحين والهبات والمساعدات التي ترد باسم الانسانية. والأهم أنها تلعب دور محامي الشيطان بمقاربتها غير المنطقية للحرب والانحياز للجلاد ضد الضحية.