كمين الطيونة يكشف النفاق: سقوط 7 أكاذيب
غسان سعود
في الكتب الدينية، يحتلّ "المنافقون" مكانة متقدّمة جداً في ترتيب الأشخاص الأكثر سوءاً. وفي المعاجم، يتراوح معنى المنافق بين "من يظهر خِلافَ ما يبطن" و"من يُضْمِر العداوةَ ويظهر الصَّداقة". أما لدينا، فللمنافقين سلطات متنوّعة وأحزاب وجمعيات ووسائل إعلام ومصانع شعارات، وهم لا يتمتعون بأيِّ حياء، ولا يتوقَّفون أبداً عن العمل.
ومع ذلك، إنَّ فضح هؤلاء ضروري. ومن الضروري أيضاً ملاحقتهم بفضائحهم، ليس لثنيهم أو ردعهم (فهم لا يرتدعون ما دام النفاق مهنتهم ومصدر رزقهم)، إنما للفت نظر من يمكن أن يصدقهم. وقد أتى كمين الطيونة في هذا السياق، ليفضح جبالاً شاهقة من النفاق.
ومع تسارع الأحداث، لا بدّ من أن تحفظ الذاكرة من كمين الطيونة 7 ملاحظات لتستحضر في كلِّ استحقاق مقبل.
-1 كان المنافقون يقيمون القيامة وأكثر كلّما أضاء التيار الوطني الحر صليباً على إحدى القمم أو صرح أحد مسؤوليه بإحدى التفاهات المذهبية، وإذا بهم لا يفتحون فمهم أو يسيلون حبر أقلامهم حين علا صوت القوات اللبنانية والكتائب بالتهويل المذهبي مع تهديد ووعيد، واشتدّ قرع طبول الخطر الطائفيّ على الأبواب، وارتفعت صلبان القوات، لا بل إنَّ بعض الذين كانوا يقرعون مع القوات طبول التحريض والتخويف هم أنفسهم من كانوا يكتبون وينظّرون ويحاضرون ضدّ "خزعبلات" التيار الوطني الحرّ المذهبيّة، معتبرين أنَّ الناس تجاوزوا هذا كلّه، ولا يجب إعادتهم إلى "زمن المسلم – المسيحيّ".
وبالتالي، إن المنافقين يصبحون علمانيين و"مودرن" ووطنيين وغير طائفيين وتقدميين حين يقول العوني إنَّ بلدة الحدت للمسيحيين، فيما تأكل الفئران ألسنتهم ولا يُسمع لهم صوت حين تقول القوات إنَّ هذه المنطقة وتلك مسيحية، لا بل يمكن رؤيتهم ينتشون فرحاً وتصفيقاً.
المنافقون الذين كانوا يملأون المواقع الإلكترونية والصحف ووسائل الإعلام مقالات وتعليقات ساخرة واستهزاء إذا تجرأ ناشط عوني على ذكر كلمة "مناطقنا" الحمقاء، التزموا الصمت الكامل أمام الهدير القواتيّ بهذه المفردات، لا بل تماهوا معها، وتبنّوا الروايات التي تعطي الحق المطلق لطرف بالحديث عن "مناطقه" ومنع مواطن من طائفة أخرى بالمرور فيها.
-2 قبيل ساعات قليلة من التظاهرة، تبيَّن أنَّ المنافقين لا يمانعون أبداً أن يتظاهر فريق لأكثر من 6 أشهر قبالة العدلية، دعماً لمسار سياسيّ خاص بالتحقيق في انفجار المرفأ، مع شعارات وهتافات وصور وتصريحات تشكل جميعها تدخلاً سافراً بالقضاء وضغطاً معنوياً عليه، لكنَّهم يمانعون في الوقت نفسه أن يتظاهر أو يعتصم من يدعمون مساراً سياسياً آخر للتحقيق في انفجار المرفأ.
والواضح في هذا السّياق أنَّ المنافقين يؤيدون حق التظاهر والتعبير عن الرأي إذا كانت التظاهرة تدعم موقفهم، والرأي المراد التعبير عنه يتقاطع مع رأيهم. أما إذا كانت التظاهرة تتعارض مع موقفهم، فلا حرية رأي أو حرية تظاهر ولا من يحزنون. هم مع حرية الرأي إذا كان من رأيهم، ومع قمع هذا الرأي ومنعه والتحريض عليه وقتله إذا كان يخالف رأيهم.
-3 ومع بدء أعمال الشغب، تبيَّن أنَّ المنافقين الذين كانوا يدافعون عن كلّ أعمال الشغب في الأيام الأولى لـ"17 تشرين الأول"، بكلّ ما شهدته من اقتحامات للمحال التجارية وسرقة للثياب والأحذية الرياضية أمام أعين الكاميرات، من منطلق أن أعمال الشغب طبيعية في كل تظاهرة أو اعتصام أو احتجاج، ولا يجوز تحميل بعض الهتافات أكثر مما تحتمل، عادوا أخيراً في يوم "كمين الطيونة" ليعيبوا على المتظاهرين شغبهم الكبير وهتافاتهم، ليتّضح في هذا السياق أنَّ ما يحق لمتظاهري "الثورة" فعله لا يحقّ لمتظاهرين غيرهم فعل ما هو أقل منه بكثير.
-4 ومع انهمار الرصاص، تبيَّن أنَّ المنافقين الذين كانوا يعلنون النفير العام إذا ما فقد أحد المواطنين أعصابه، فصرخ في وجه متظاهر يقطع طريقاً دولياً عاماً، لا يمانعون أبداً إطلاق الرصاص الحي على متظاهر يخالفهم الرأي في قضية ما. هؤلاء الذين تدفع لهم منظمات دولية أجورهم الباهظة، قالوا بوضوح وصراحة إنهم مع القتل، وهم يؤيدونه بشدة ما دام ينال ممن لا يوافقهم الرأي.
إنّهم مع القتل إذا كان القتيل من الطائفة الشيعية، ومع القتل إذا كان القتيل "من مناطقهم" ويتواجد "في مناطقنا"، ومع القتل إذا كان القتيل ذا توجهات سياسيّة أو قضائيّة تتعارض مع توجهاتهم. قدموا أنفسهم على أنهم ثوار مدنيون، ثوار تقدميون، ثوار ينظّمون دورات تدريبية على المواطنية... ثم تبين نهم مجرد مخادعين يؤيدون القتل.
-5ومع انقسامهم فريقين؛ فريقاً يشمل مرجعيات دينية تبرر استخدام السلاح وفريقاً آثر عدم التعليق، تبيَّن أن المنافقين أنفسهم إنّما هم ضدّ السلاح إذا كان موجهاً نحو "إسرائيل" أو ضد التكفيريين، لكنهم مع السلاح، وبقوة وشغف وحماس، إذا كان موجهاً ضد مواطنين لبنانيين.
-6 ومع تسليم المغدورين أمرهم للقضاء، تبين أن المنافقين أنفسهم الذين كانوا يحاضرون طوال العام الماضي بوجوب احترام القضاء والقانون وغيره، إنما يؤيدون استقلالية القضاء وقدسيته وعدم وجوب توجيه أي انتقاد إليه حين يتحول إلى أداة لتصفية الحسابات مع خصومهم. وفي المقابل، هم مع شتم القضاء وشيطنته وتخوين قضاته وتحليل دمهم وتعريضهم لعقوبات عالمية إذا تجرأ أحد القضاة على احترام قناعاته أو طبق القانون بحذافيره.
المنافقون عابوا على حزب الله انتقاده أداء القاضي طارق بيطار، من منطلق أن التشكيك بعمل القضاة أمر مدان وخاطئ وشرير، وإذا بهم يسكتون أو يساهمون في الحملة على القاضي فادي عقيقي، لمجرد استدعائه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع كشاهد في ملفّ كمين الطيونة، بناءً على إفادات الشهود. المنافقون يشيطنون من يوجّه أية ملاحظة إلى القاضي بيطار، وفي الوقت نفسه يسكتون ويباركون ويتناغمون مع من يشيطن القاضي عقيقي، ثم يتحدثون عن صيف وشتاء فوق سطح واحد، فيما الصيف والشتاء يقيمان في عقولهم.
-7 ومن موقفهم من شيطنة القاضي إلى موقفهم من القانون نفسه وكيفية التعامل معه، يدعو المنافقون إلى احترام القانون وذهاب المستدعين إلى القضاء، مهما كانت مآخذهم القانونية وحصاناتهم وغيره، إذا كان هؤلاء يصنّفون في خانة الخصوم. أما إذا كانوا من المرضي عنهم في السفارة الأميركية وأخواتها، فإن من حقهم رسم خطوط حمراء للاحتماء خلفها تحت عناوين كبيرة، وعدم الذهاب إلى المحاكمة، من دون أن يصدر عن المنافقين صوت اعتراضيّ واحد.
بعد كمين الطيونة لا يمكن أن يكون كما قبله. لا بدّ من مراسلة المنظمات الإنسانية والحقوقية التي ترعى هؤلاء المؤيدين للقتل أولاً، ثم فضح هذه المنظمات في بلادها والتشهير بها ثانياً. ولا بد من ملاحقتهم من منبر إلى آخر ومن وظيفة إلى أخرى، لفضح كذبهم وادعائهم ونفاقهم. هم ليسوا أنصار بيئة أو حقوق أو حريات أو عدالة، إنما مجرد مجموعة كبيرة من المنافقين الذين يؤيدون المذهبية والعصبية والمناطقية في مكان ويعارضونها في مكان آخر. منافقون يرفضون حرية الرأي لمن ليس من رأيهم، ومع قتل الآخر، ثم مع حماية القاتل وضد محاكمته أو حتى مثوله أمام القضاء.
هؤلاء الَّذين قدموا أنفسهم منذ عامين كأنبياء منزلين يوزعون شهادات حسن السلوك هنا وهناك، ويحددون الحق من الباطل، ويشيرون بإصبعهم إلى من يستحق الاحترام ومن لا يستحقه، ما هم إلا مجموعة منافقين، يفترض من الآن وصاعداً ملاحقتهم فرداً فرداً وفضحهم أو كشفهم وتعريتهم، والصراخ بأعلى صوت في وجههم: أنتم منافقون.