صندوق النقد الدولي.. إنقاذ أو دمار؟
محمود جباعي
تلجأ معظم الدول المتعثرة ماليًا واقتصاديًا إلى مؤسسسة مالية عالمية تسمى صندوق النقد الدولي باعتبارها تشكل حبل الخلاص وسبيل النجاة لها من أجل التعافي المالي والاقتصادي معتمدة بذلك على العناوين الأساسية المرتبطة بهذه المؤسسة، وأبرزها تعزيز الاستقرار الاقتصادي والمالي وتوفير الأسس العملية للإنقاذ ودعم الدول المتعثرة وإلى ما ذلك من سمات عامة ملتصقة بعمل ما يسمى بصندوق النقد الدولي.
ما هو صندوق النقد الدولي؟ وما هي الدول المسيطرة عليه؟
هو وكالة متخصصة من منظومة "بريتون وودز" تابعة للأمم المتحدة. علمًا أن اتفاقية "بريتون وودز" هي الاسم الشائع لمؤتمر النقد الدولي الذي انعقد في شهر حزيران من عام 1944 والذي حضره ممثلون عن 44 دولة اتفقوا فيما بينهم على تأسيس ما يعرف اليوم بصندوق النقد الدولي من أجل تشجيع الاستقرار المالي الدولي عبر تقديم قروض للدول المتعثرة ماليًا لانعاشها اقتصاديًا مما يعزز سلامة الاقتصاد العالمي.
يقع مقر الصندوق في واشنطن عاصمة الولايات المتحدة الأميركية، ويديره أعضاؤه الذين يمثلون اليوم جميع دول العالم البالغ عددها 189 بلدًا. تهيمن على هذا الصندوق الولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك فيه الحصة الأكبر وتقدر بحوالي 16.7% التي تخولها امتلاك حق الفيتو واتخاذ القرارت المهمة والسيطرة على أهدافه مع أربع دول أخرى تربطها معها تحالفات استراتيجية وهي اليابان (6.2%) والمانيا (5.8%) وفرنسا (4.2%) وبريطانيا (4.2%).
صندوق النقد ليس مؤسسسة خيرية
بمجرد العلم أن الولايات المتحدة الأميركية تسيطر على قرارات الصندوق ومعها بعض الدول الصناعية الكبرى يمكننا أن نكتشف أن هذه الدول التي تمتلك الحصص الأكبر فيه هي الرابح المفترض من أي قرار أو قرض يقدمه الصندوق لأي دولة في العالم سواء كان على الصعيد الاقتصادي أو على الصعيد السياسي من خلال شروط تفرضها على الدول المستفيدة من القروض.
من الناحية المالية والاقتصادية يشترط الصندوق على الدول المستدينة أن تستعين بشركات استشارية تابعة للولايات المتحدة الأميركية وشركائها، أي بمعنى آخر أن هذه الشركات تقوم بفرض شروط تعجيزية على الدول المستفيدة من القروض من أجل إجبارها على تسديد المبلغ الأصلي مع فوائده دون الأخذ بالاعتبار أي أهمية للدمار الذي سيلحق بشعوب هذه الدول من الناحية المعيشية والاجتماعية لأن هدفها واضح وهو تحقيق أقصى ربح ممكن. وبالتالي إن المبادىء التي تأسس على أساسها الصندوق هي حبر على ورق بالنسبة لهذه الدول لأن كل التجارب السابقة أوضحت حجم الضغط الذي حصل لشعوب الدول المستدينة التي زاد الفقر فيها بمعدلات مخيفة وصلت الى أكثر من 50% في بعض الدول.
من الناحية السياسية، الواضح أن الشروط التي تفرضها الجهات الدائنة تضع الدول المستدينة تحت الضغط وتدفعها بشكل مقصود إلى مزيد من التعثر المالي والنقدي بهدف تحقيق مكاسب سياسية كبرى تساهم في سيطرة الدول الدائنة على القرارات السياسية الهامة للدول المستدينة وتصل الأمور في معظم الأحيان إلى فرض تواجد عسكري فيها باعتماد حجج مختلفة ومتنوعة.
الشروط الأساسية لصندوق النقد الدولي:
1- تحرير سعر صرف العملة الوطنية حتى تصل إلى مستويات عالية جدًا بالمقارنة مع العملات الأجنبية.
2- رفع كل أشكال الدعم على جميع السلع والخدمات ودون أي استثناء.
3- إلغاء كل الحمايات الاجتماعية على أنواعها من تقديمات اجتماعية وصحية وتربوية وغيرها.
4- تقليص حجم القطاع العام والعمل على إعادة هيكلة الرواتب والاجور وحتى المعاشات التقاعدية.
5- زيادة الضرائب بكل أشكالها بنسب تصل الى 25%.
6- تصفية المؤسسات العامة المتعثرة أو خصخصتها من أجل إعادة تأهيلها.
7- القيام باصلاحات جذرية في القطاعات البنيوية في البلاد.
8- زيادة الضريبة على القيمة المضافة حسب الحاجات المالية لكل دولة.
أبرز الانعكاسات العملية في معظم الدول التي طبقت شروط الصندوق:
1- ارتفاع معدلات البطالة بنسب لا تقل عن 20% عما كانت عليه. كما حصل في الاكوادور التي زادت فيها البطالة من 20% الى 70%.
2- انهيار العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية بمعدلات قياسية.
3- ارتفاع مؤشر الأسعار بمعدلات كبيرة شهريًا كما حصل في الأرجنتين التي ارتفعت الأسعار فيها بمعدل 7% شهريًا.
4- المزيد من الارتفاع في معدلات الفقر التي بلغت في الاكوادور 70% وفي الارجنتين 50% ومصر 46%.
5- ارتفاع حجم الدين العام في معظم الدول المستفيدة بسبب زيادة الأعباء المالية لقرض الصندوق مع فوائده.
الحديث يطول عن حجم الضرر الذي حل بالدول المستدينة من الصندوق وخاصة على الصعيد الاجتماعي والمعيشي بالاضافة الى الأعباء المالية التي تثقل كاهل الموازنات العامة في الدول المستدينة. علمًا أن هناك بعض الايجابيات في بعض الدول التي حققت نوعًا من النمو النسبي في الناتج المحلي، كما حصل في مصر والبرازيل، إلا أن ذلك ترافق مع عملية سحق بكل ما للكلمة من معنى لفئات عديدة من الشعب. لذلك وبكل موضوعية يمكننا القول إن التعامل مع صندوق النقد ليس نزهة وهو سيأخذنا إلى مزيد من تحميل الشعب وحده ثمن السياسات المالية والاقتصادية الخاطئة في لبنان وبعبارة أوضح يمكننا القول إن السلطة اللبنانية بكامل مكوناتها نهبت خيرات البلد وأموال شعبه واليوم تسعى إلى تحميلنا وحدنا أعباء فسادها من خلال رمينا في أحضان ما يسمى بصندوق النقد الدولي.