معادلة السيد البحرية.. ليكن نفط لبنان في أمان
د.علي مطر
تعد ثروة النّفط والغاز والحاجة إلى الطاقة الجاذب الأساسيّ للدّول الكبرى، التي لا تنفك تُدخل مناطق الثروات في صراعات ونزاعات من أجل السيطرة عليها، وتستفيد الدّول الكبرى من ذلك في رسم سياساتها وتنفيذ مشاريعها، وكذلك في تعزيز مصالحها الحيويّة، وفي تأمين خطوط نقل إمداداتها من النّفط والغاز على امتداد العالم. الولايات المتّحدة الأميركية التي لطالما اعتبرت المنطقة العربيّة منطقةً استراتيجيّةً يجب السّيطرة عليها من أجل ثرواتها، لا تنفك اليوم تجعل لبنان تحت ضغوطات كبرى من أجل التفاوض وفق إرادتها مع الكيان الصهيوني تحت مسمى ترسيم الحدود البحرية، التي تطرح حولها شبهات وأسئلة عديدة، عن نوايا واشنطن وإعطاء كيان المحتل لفلسطين بالتفاوض ما لم تستطع أخذه بالقوة.
يشكل الخلاف على تحديد المنطقة الاقتصادية اللبنانية في المياه الإقليمية مع الاحتلال الاسرائيلي أحد أوجه الصراع مع العدو الصهيوني، الطامع بسرقة ثروات لبنان في مياهه الاقليمية من الغاز والنفط، وقد حاول الاحتلال الصهيوني استباق الخطوات اللبنانية في محاولة واضحة لفرض شروطه تمهيدا لنهب ثرواتنا.
قضية الخطوط المعتمدة
يقع الخلاف اليوم على الخط الذي يعتمده لبنان، ففي كانون الثاني/ يناير2007، وقّع لبنان عبر حكومة بتراء تزعمها فؤاد السنيورة مع قبرص اتّفاقية حول ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة لكلا البلدين. تمّ تحديد خطّ الحدود البحري ما بين النقطة الرقم 1 جنوباً والنقطة الرقم 6 شمالاً، مع توضيحٍ مفادُه أنّ النقطتين المذكورتين غير نهائيتين بانتظار التفاوض مع الدول المعنيّة أي العدوّ الإسرائيلي وسوريا. لبنان، بدل اختيار نقطة مؤقّتة تمتدّ جنوباً مع فلسطين المحتلة، اختار لأسباب غير واضحة نقطة شمالاً بعيداً عن النقطة الثلاثيّة. في سنتي 2008 و 2009 قامت لجنة لبنانيّة مشتركة من كافّة الوزارات المعنيّة باستكمال دراسة الحدود اللبنانيّة وانتهت اللجنة بالخطّ 18 – 23 (الخطّ 23).
وتجدر الإشارة إلى أنه في تمّوز/ يوليو 2010 قام لبنان بتبليغ الأمم المتّحدة بحدوده على أساس الخطّ 23 وفي كانون الثاني/ يناير 2011 أصدر مجلس الوزراء اللبناني المرسوم الشهير 6433 مثبّتاً حدود لبنان من طرف واحد. في سنة 2012 اقترح الوسيط الأميركي فريدرك هوف خطّه الشهير الذي يبدأ ثلاثة أميال بعيداً عن الشاطئ والقائم بشكل أساسي على أساس خطّ الوسط مع احتساب كلّي لصخرة "تخيليت" المقابلة للشاطئ الفلسطيني، لكن مساعيه من حسن حظنا فشلت وكان نجاحها ليؤدّي إلى خسارة لبنان مساحات بحريّة كبيرة تستبطن ثروات ضخمة.
وفي سنة 2011، وقبل صدور المرسوم 6433 بشهر، صدر عن المكتب الهيدروغرافي البريطاني (UKHO) نتائج دراسة للحكومة اللبنانيّة تنصّ على أنّ حدود المنطقة الاقتصاديّة للبنان يمكن أن تمتدّ لمساحة إضافيّة واسعة جنوباً في حال عدم احتساب أثر صخرة "تخيليت".
في حزيران/ يونيو 2018 عندما أتمّت مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني، والتي أجرت سنة 2014 مسحاً للشاطئ اللبناني الجنوبي في منطقة الناقورة وقامت بإعادة تحديد للمنطقة اللبنانية الخالصة والتي أكّدت حقّ لبنان بمساحة 1430 كم2 فوق الـ 860 كم2 التي تنازعنا عليها "إسرائيل".
عودة المفاوضات
بدأ كبير مستشاري الولايات المتحدة لأمن الطاقة "عاموس هوكشتاين" في مهمته الجديدة كوسيط في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وكيان العدو من اجل ترسيم الحدود البحرية. وكانت المفاوضات بين الطرفين توقفت في أيار/ مايو الماضي جراء خلافات على مساحة المنطقة المتنازع عليها. والمعروف انّ لبنان يطالب بحقه على مساحة تبلغ زيادة على المساحة السابقة 1460 كيلومتراً مربعاً تريد دولة الاحتلال ان تبتلعها.
الإدارة الأميركية الجديدة التي تخوض حملة مفاوضات دبلوماسية تتناول الأمن الإقليمي، بدءًا من محادثات فيينا المتصلة بالملف النووي الإيراني مرورا بملفات المنطقة، أعادت هذه المفاوضات مع لبنان الذي يعيش أزمة اقتصادية خانقة، قد تشكل الثروة النفطية أحد أوجه الانقاذ له على المسار البعيد، لكن ذلك يجب أن لا يبعدنا عن مساعي واشنطن لتمرير صفقات لقضايا كبرى تحت الضغوط على لبنان.
لا شك أن سلاح الدبلوماسية هو سلاح ضروري للحفاظ على مشروعية الدفاع عن الحق المبتذل. فهذه الدبلوماسية تجعل موقف لبنان الدولي موقفاً شرعياً وقانونياً، لأن بإمكانه أن يظهر احترامه للمواثيق والاتفاقيات الدولية، وبأنه يلجأ إلى المؤسسات الدولية والمفوضات لمنع أي انتهاك لحقوقه، لكن ذلك لا يكفي في لحظة من اللحظات التي تريد فيها واشنطن قضم حقوق لبنان لمصلحة العدو الصهيوني.
معادلة الردع الجديدة
صحيح أن الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله لم يعلن موقفاً للحزب من مسار المفاوضات الدائرة بشأن ترسيم الحدود البحرية، تاركاً ذلك للدولة اللبنانية لتحدد هذا المسار، إلا أن سماحته أطلق سابقاً معادلة حماية ثروة لبنان النفطية وحماية منشآته، أما البارز بكلمته في عيد المولد النبوي الشريف هو تثبيت معادلة جديدة لا تقل أهمية عن المعادلة السابقة تقوم على أن الثروة النفطية لا يمكن أن تسرق حتى في المنطقة المتنازع عليها، وهذا ما سيجعل "إسرائيل" تعيد حساباتها، راسماً بذلك معادلة جيوسياسية وعسكرية جديدة تحفظ حق لبنان في مسار المفاوضات التي تديرها واشنطن الغير موثوقة الجانب.
لقد ثبت الأمين العام لحزب الله معادلة جديدة تمنع "إسرائيل" الدخول إلى عمق المياه اللبنانية وسرقة ثروات لبنان، ظناً منها أن لبنان يعيش أزمات كبرى غير مكترث بما يصحل، بل أعلن سماحته صراحةً أن المقاومة ستتدخل عندما تجد أن إجراءات العدو تشكّل خطراً على حقوق لبنان، هكذا أكد السيد نصر الله أن المقاومة لن تسمح للعدو باستغلال مرحلة المفاوضات الحالية من أجل استخراج الغاز أو النفط من المنطقة الخاضعة للتفاوض.
إن قدرة المقاومة أعدت لحماية الثروة في لبنان من الأطماع الصهيونية، هذا ما أكده السيد نصر الله، وإذا كان العدو يتصور أنه يستطيع أن يتصرف كما يشاء في المنطقة المتنازع عليها قبل الحسم فهو مشتبه، وفي الوقت المناسب، عندما ترى المقاومة أن نفط لبنان في دائرة الخطر فستتصرف على هذا الأساس. إذاً فالمواجهة مع حزب الله مختلفة بالمسار والسلوك وحسابات الميدان بالدم والنار، وهذا ما يجعل الإسرائيلي يحسب ألف حساب قبل سرقة ثروات النفط اللبنانية.
معادلة 100 ألف مقاتل، هي معادلة لحماية لبنان، ومن الواضح أن الرسالة وصلت بقوة إلى من يعنيهم الأمر، هؤلاء الـ100 ألف مقاتل هم لمواجهة "اسرائيل" وحماية أمن واستقرار لبنان، ويعلم الإسرائيلي جيداً أن حزب الله أقوى بكثير عما كان عام 2006، هذا ما يجعل العدوا يطرح أسئلة حول مدى قوة حزب الله البحرية، وعن عناصرها وعتادها وأسلحتها، خاصةً أنه جرب هذه القوة عام 2006، عندما دمرت البارجة "ساعر".
لقد أضاف سماحة السيد حسن نصر الله ورقة قوة لملف التفاوض، فالمفاوض بدون قوة ميدانية يبقى ضعيفاً، لذلك قال السيد نصر الله للدولة اللبنانية، لا تنصاعوا للضغوطات، فلديكم قوة كبيرة ومعادلة ثابتة، لكي لا تؤدي زيارة "هوكستين" إلى بيروت إلى ضياع حقوقنا البحرية، وبالتالي مع وجود المقاومة سيفهم العدو الإسرائيلي ومن خلفه واشنطن أن لبنان لن يفرط ولن يضيع ولن يتسامح في أي حق من حقوقه في مياهه الإقليمية ولا في ثروته النفطية، مهما تكن الضغوط والمخاوف، "إسرائيل" ايضاً تعلم جيداً ماذا يعني قول السيد نصر الله، ويوجد في مؤسساتها العسكرية تقديرات بأن حزب الله يمتلك صواريخ بعيدة المدى بما فيها صواريخ بالستية دقيقة، يمكن أن تصيب المنصات والسفن الإسرائيلية البحرية.
الأبلغ من ذلك أن رسالة الأمين العام لحزب الله، ستصل إلى المفاوض الأميركي، بأن هناك جهة قوية قادرة على إيقاف "اسرائيل" عند حدها، ومنع أي محاولة للمساس بثروات النفط والغاز في المناطق المتنازع عليها، هكذا إذاً، فإن حزب الله الذي دائماً كان يحقق الانتصارات، هو ايضاً.. ودائماً يرسم ويثبّت معادلات غيّرت مسار المعارك على كافة المستويات.