الانتخابات العراقية.. معالجة الاخطاء وتصحيح المسارات
عادل الجبوري
انتهت الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة في ظل ظروف وأجواء أمنية جيدة بحيث لم يشهد التصويت الخاص وكذلك التصويت العام أي خروقات أمنية أو عمليات ارهاببة، فضلًا عن أن مجمل العملية الانتخابية جرت بسلاسة ومرونة. والى جانب ضعف نسب المشاركة في مجمل المحافظات إلا أن الأرقام والنسب المعلنة من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تؤشر الى أن الأمور لم تكن سيئة وسلبية، اذ أكدت المفوضية ان نسبة المشاركة بلغت 41%، اي ان اكثر من تسعة ملايين شخص، من بين خمسة وعشرين مليون، صوتوا لاختيار ممثليهم في البرلمان المقبل.
هذه هي الصورة الأولية للانتخابات البرلمانية الخامسة في العراق، التي جرت في العاشر من تشرين الاول-اكتوبر الجاري، بيد أن مستجدات وتطورات دراماتيكية متسارعة بعد اعلان النتائج الاولية التي جاءت صادمة ومفاجئة لبعض القوى والكيانات السياسية، لا سيما تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، وتحالف قوى الدولة الوطنية بزعامة السيد عمار الحكيم وحيدر العبادي.
الارقام التي اعلنت عنها مفوضية الانتخابات، وكذلك تلك التي زودت بها المرشحين، اظهرت وجود تفاوت كبير بين ما اعلن وما تضمنته القوائم الرسمية للمفوضية. وهذا الخلل لم يقتصر على كيان دون آخر، اذ ان عددا كبيرا من المرشحين، سواء كانوا ضمن كيانات او من اوساط المستقلين، أكدوا أن الأصوات الحقيقية التي حصلوا عليها كانت اكبر من الاعداد التي اعلنتها المفوضية، وتبين ان السبب في ذلك يعود بجانب منه الى عدم فرز اصوات مئات المحطات الانتخابية، لظهور مشاكل فنية في اجهزة التصويت الالكتروني، ناهيك عن عدم وصول اجهزة تخزين المعلومات من بعض المراكز الانتخابية في بغداد والمحافظات الى المركز الوطني للعدد والفرز التابع للمفوضية.
ورغم انه بات واضحا حجم وطبيعة المشاكل الفنية، واعتراف المفوضية بها، الا ان هناك من ذهب الى وجود مخططات من قبل اطراف خارجية للتزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات لتحقيق اهداف سياسية معنية، معززا اتهاماته بحقيقة وجود شركات اجنبية تبنت انجاز جملة من القضايا التقنية لتشغيل اجهزة التصويت الالكتروني، اضافة الى وجود سيرفرات (خوادم) العملية الانتخابية خارج العراق، مما قد يتيح لجهات سياسية او مخابراتية التحكم بمحتوياتها ومخرجاتها.
وقد اتسعت مساحة الشكاوى والاعتراضات على عمل المفوضية وسلامة اجراءاتها الى حد كبير، من قبل شخصيات سياسية لا تنتمي الى لون سياسي او مكون مذهبي او قومي او ديني معين، حتى وصل بالبعض الى المطالبة بحل المفوضية او اعفاء رئيسها واعضاء مجلس المفوضين، الذين تم تعيينهم اواخر عام 2019 من اوساط القضاء، لضمان استقلاليتهم وحياديتهم وعدم خضوعهم للضغوطات والاملاءات الحزبية، وتصاعدت حمى المطالبات، لتصل الى اعادة عمليات العد والفرز يدويا لكل المحطات والمراكز الانتخابية في عموم البلاد، بل واكثر من ذلك، ارتفعت اصوات تدعو الى الغاء الانتخابات الاخيرة، واعادة اجرائها في العام المقبل.
جانب من تلك المطالب والدعوات، ربما جاءت في اطار الضغط السياسي، للدفع باتجاه تصحيح الاخطاء ومعالجة السلبيات الفنية والتقنية الحاصلة، وهذا امر طبيعي جدا في ظل توافر دلائل وبراهين ومعطيات مؤكدة لدى معظم الاطراف المعترضة على حصول تخبط وارتباك كبير في عمل المفوضية، هذا اذا لم تكن هناك عمليات تلاعب وتزوير مقصودة ومبيتة مسبقا.
وبينما راحت التوقعات تتبلور بشأن تأخر حسم النتائج النهائية واقرارها والمصادقة عليها خلال وقت قريب للشروع بالخطوات الاخرى من المرحلة الجديدة، من قبيل اختيار رئيس الجمهورية، وترشيح من يتولى تشكيل ورئاسة الحكومة الجديدة، بدا ان هناك جهودا ومساعي محمومة تبذل من قبل اوساط مختلفة لاحتواء الموقف، والحؤول دون تأزيم الامور وتصعيدها الى مستويات خطيرة، وهذا ما تضمنه البيان المشترك لكل من رئيس الجمهورية المنتهية ولايته برهم صالح، ورئيس مجلس القضاء الاعلى فائق زيدان، الذي شدد على "أن الاحتِكام إلى الشعب هو مبدأ أساسي ودستوري باعتباره مصدر شرعية الحكم، وأن الانتخابات هي استحقاق وطني ومسار ديمقراطي سلمي للرجوع إلى المواطنين وخياراتهم، وضرورة تحقيق ثقة العراقيين بالعملية الانتخابية لتكون معبّرة عن إرادتهم الحقيقية".
وبشأن الاعتراضات على سير العملية الانتخابية، اكد البيان المشترك لصالح وزيدان "على انها مقبولة ضمن السياق القانوني، وأن التعامل معها يكون وفق الدستور والقانون ليكون الفيصل"، والتأكيد على دعم مفوضية الانتخابات والهيئة القضائية المُختصة لمتابعة هذا الملف والحرص والجدية التامة بالنظر في كافة الشكاوى والطعون المقدمة على العملية الانتخابية بمهنية عالية وبمسؤولية وحيادية تامة".
فضلا عن "دعوة جميع الأطراف إلى موقف وطني مسؤول يأخذ في الاعتبار المصلحة العليا للبلد، والتزام التهدئة وتغليب لغة العقل وتجنّب أي تصعيد قد يمس السلم والأمن المجتمعيين، وضرورة تضافر الجهود لتلبية الاستحقاقات الوطنية التي تنتظر البلد بتشكيل مجلس نواب يُعبر عن إرادة الشعب ويستجيب لتطلعاته في الإصلاح والتنمية، ويعملُ على تشكيل حكومة فاعلة تحمي المصالح العليا للبلد بترسيخ دولة مقتدرة تُحقق تطلعات الشعب نحو مستقبل أفضل".
ولا شك ان اعطاء الاولوية للمصالح الوطنية العامة والاهتمام بحل المشاكل ومعالحة الازمات القائمة ينبغي ان يتصدر اهتمامات القوى التي ستتصدى لمقاليد الامور في المراحل القادمة، وان من فازوا او سيفوزون بثقة الشعب، ينبغي ان يعملوا لصالح كل الفئات والمكونات، بعيدا عن الفئوية والتحزب والنظرة الضيقة، ولا بد ان تؤخذ بنظر الاعتبار الرسالة التي انطوت عليها مقاطعة اعداد لا يستهان بها من المواطنين في الانتخابات الاخيرة، وهي رسالة موجهة لمن تصدوا للمسؤولية التشريعية او التنفيذية ولمن سيتصدون لاحقا، وكذلك رسالة المعترضين والمشككين والرافضين للنتائج المعلنة حتى الان، اذ انه من الضروري جدا للجهات المعنية الاستماع لاصوات الاعتراض، لان هذه الاصوات تعكس بشكل او باخر مساحات شعبية واسعة وكبيرة، وان حسم الامور وسرعة اعلان النتائج النهائية بعد النظر في الاعتراضات والطعون والشكاوى بصورة موضوعية ومهنية، من شأنه ان يعزز العملية الديمقراطية في البلاد، ويقطع الطريق على اجندات اثارة الفتن وبث الفوضى وايصال البلاد الى حالة الانسداد السياسي الذي حذرت منه المرجعية الدينية في اخر بيان لها، قبل الانتخابات بعشرة ايام، لان اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة ليس نهاية المشوار، بل انه يعد بداية لمرحلة جديدة، يفترض ان تكون مختلفة عن سابقاتها.