حكومة جديدة في تونس.. هل هي نهاية الأزمة؟
الوقت - قال الرئيس التونسي قيس سعيد، الاثنين إنه وافق على حكومة جديدة اختارتها رئيسة الوزراء نجلاء بودن. وأدى أعضاء الحكومة الجديدة اليمين الدستورية في قصر قرطاج في مراسم أذيعت على الهواء مباشرة بحضور الرئيس.
ونشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية على "فيسبوك" بيانا جاء فيه "رئيس الجمهورية يصدر أمر تسمية رئيس الحكومة وأعضائها". وضمت الحكومة الجديدة 24 عضوا من المستقلين بينهم 10 نساء.
وتولى توفيق شرف الدين حقيبة الداخلية بعد إقالته من المنصب نفسه من قبل رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي في يناير/كانون الثاني الماضي، وعماد ماميش حقيبة الدفاع، في حين أبقي على عثمان الجارندي وزيرا للخارجية.
وقال الرئيس التونسي في كلمة له بعد مراسم أداء اليمين "اتخذت قرار التدابير الاستثنائية بنفسي، وبيني وبين ربي، بعد أن استنفدت جميع المحاولات"، مضيفا "هناك من يصوّر الوضع على أنه انقلاب، وكيف يكون انقلابا وما اتخذته مبني على الدستور".
وطالب "النيابة العمومية بلعب دورها، وسيتم قريبا جدا تطهير القضاء"، قائلا "دأبوا منذ سنوات طويلة على الكذب والافتراء، ولم يلاحق أحد منهم أمام القضاء".
وأضاف سعيد إن "الأموال الخارجية تدخل كل يوم إلى تونس دون تصريح ومن يتلقاها يقول إنها لخدمة الشعب"، وقال "نخوض معركة تحرير وطني وسننتصر فيها".
من جهتها، أكدت رئيسة الحكومة الجديدة نجلاء بودن أنه من الضروري إعادة الثقة بين المواطن والدولة، ومكافحة الفساد.
ولا يخفى أن رئيسة الحكومة سوف تكون تحت سلطة الرئيس المباشرة، ولن تكون في المقابل خاضعة لأية رقابة برلمانية يشترطها الدستور، وليس من المستبعد استطراداً أن تفلت من الرقابة القضائية ما دامت السلطتان التنفيذية والتشريعية في قبضة الرئيس وحده بالنظر إلى تجميد عمل البرلمان حتى إشعار غير مسمى. ذلك لأنّ الفصول 16 و17 و18 و19 من الأمر الرئاسي 117 تنص بوضوح على أن الرئيس هو الذي يعيّن «الحكومة من رئيس ووزراء وكتّاب دولة» وهذه إنما «تسهر على تنفيذ السياسة العامّة للدولة طبق التوجيهات والاختيارات» التي يرسمها رئيس الجمهورية، وضمن مبدأ أساسي ناظم يقول إن الحكومة «مسؤولة عن تصرفها أمام رئيس الجمهورية».
ويرى مراقبون ان سعيّد قد تعمّد تأخير التكليف بتشكيل الحكومة طوال أكثر من 40 يوماً بعد لجوئه إلى التدابير الاستثنائية، ثم انحنى أخيراً أمام ضغوطات داخلية أبرزها تفكك صفوف المساندين له وفي الاتحاد العام التونسي للشغل خصوصاً، وكذلك جهات دولية فاعلة مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي وسواها.
ورغم أن خطوة تكليف السيدة بودن بتشكيل الحكومة للمرة الأولى في تاريخ تونس والحكومات العربية قوبلت بالترحيب الواسع لانطوائها على أبعاد رمزية ونسوية تخص تمكين المرأة، فإن الأبعاد الأخرى سرعان ما أخذت تتضح تدريجياً بدورها من حيث إن الخبرة الأكاديمية لا تكفي في ذاتها لإدارة دولة مثل تونس تعيش مصاعب سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية بالغة التعقيد، وكذلك لأن اللعب على الوتر الجندري ليس كفيلاً بتلبية احتياجات الشارع الشعبي أو امتصاص حال الترقب والغليان والسخط أو محاربة الفساد.
من جهتها ترى الدكتورة ليلي الهمامي أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة لندن والمرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية بالجمهورية التونسية أن حكومة الرئيس الجديدة في تشكيلة بعيدة كل البعد عن حكومة أزمة، عدد الوزراء جد مرتفع وكأننا في وضع ازدهار اقتصادي. هذه الملاحظة تؤكد أن ثمة إشكال في تمثّل الواقع بمعطياته المأزومة، معطيات أزمة شديدة وانسداد أفق حتى في مستوى الاقتصادي والمالي.
واضافت الهمامي إن الجدير بالملاحظة أيضا أننا لم نجد شخصية بارزة يمكنها ادارة الملف الاقتصادي والمالي، في وضع شبه إفلاس حقيقي ومفاوضات معطلة مع صندوق النقد الدولي وكل المؤسسات المالية، وترقيم سيادي في انحدار مستمر. اليوم وبصفة ملحة، الأولوية دون أدنى شك للملف الاقتصادي لكننا لم نجد عنوانا بارزا ضمن الشخصيات المعيّنة بإدارة الملف الاقتصادي ولا المالي.
وتابعت الهمامي، لعلّ الأولوية في فكر الرئيس قيس سعيد تتجه نحو الملف السياسي، وفي الملف السياسي حتى وإن كان تقييم العشرية تقييما سلبيا -والرئيس لم يفوت الفرصة دون أن يقدّم الصور ويذكّر بالمستوى المتردي للبرلمان المجمّد- إلا أن 25 جويلية كذلك يواصل هذه الازمة بل يدفعها نحو مزيد التعقيد . في غياب الافق .
وأوضحت أنه يبدو أن هذه الحكومة كبيرة العدد قدمت وفي نيتها انها ستعمّر وواضح أنها لن تكون حكومة انتقالية على الاقل في علاقة بالآجال المعلومة إلى حد الآن حيث ليس ثمة ما يشير إلى نهاية تكليف هذه الحكومة باستفتاء ومناقشة دستور جديد أو بالعودة إلى دستور 2014 بقانون انتخابي وبمواعيد انتخابية جديدة محددة معلومة. كل هذا يفسح المجال لغموض كبير ولتوسيع الغموض وتمديده . الشيء الذي يكابد الملف الاقتصادي تبعاته . الاقتصاد يتضرر جراء الغموض الاقتصادي والسياسي وهذا متفق عليه.
لن يطول الزمن حتى يتبين حدود هذه الحكومة وصلاحياتها، التي أقسمت على الدستور الوحيد المعتمد في البلاد ولكنها فعلياً سوف تعمل بموجب الأمر الرئاسي 117 الذي يبطل الدستور ذاته عملياً، وليس هذا هو التناقض الوحيد الذي سوف يضع السيدة بودن وأفراد حكومتها على محك الأداء اليومي والمشكلات العويصة الكثيرة والمتكاثرة. وإذ تدخل تونس في مرحلة خطيرة من التجاذب الشعبي الداخلي والاستقطاب الثنائي بين أنصار الرئيس ومعارضيه، فضلاً عن الاحتكام المتزايد إلى الشارع بما ينطوي عليه ذلك من أخطار شديدة على السلم الأهلي ووظائف المؤسسات القضائية والأمنية والعسكرية.