منازلة الاتفاق النووي: الوقت لمصلحة إيران
ليلى نقولا
إنّ أيّ انهيار للمفاوضات قد يعيد عدم الاستقرار إلى المنطقة، وعندها، سيضطرّ الأميركي إلى تأجيل تطبيق استراتيجية مواجهة الصين.
على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، وبعد استقرار حكومة إبراهيم رئيسي في إيران، يعود الحديث عن استئناف التفاوض على العودة إلى الاتفاق النووي، في ظل تحديات جديدة وتطورات مهمة تفرض نفسها على الطرفين المتنازعين؛ إيران والولايات المتحدة.
وفي تقييم سريع لما حملته التطوّرات لكلٍّ من الطرفين منذ توقف المفاوضات ولغاية اليوم، نجد ما يلي:
أولاً - بالنسبة إلى إيران
يبدو أن الوقت يلعب لمصلحة القيادة الإيرانية، للأسباب التالية:
1- بعد سنوات من تطبيق سياسة "الضغوط القصوى" التي فرضها دونالد ترامب، استوعب الاقتصاد الإيراني الضغوط، ولم يعد بإمكان واشنطن زيادة أي ضغوط اقتصادية إضافية لتحفيز إيران على تقديم التنازلات.
2- قبول إيران مؤخراً كعضو في منظمة شنغهاي للتعاون، بعدما كانت عضواً مراقباً منذ العام 2005، ينظر إليه الكثيرون في طهران على أنه يفتح طريقاً لتجاوز العقوبات الأميركية التي يستمرّ بها جو بايدن لغاية اليوم.
سوف تستفيد إيران من دخولها إلى منظمة شنغهاي، والتي تضم قوى اقتصادية كبرى، عبر إمكانية استخدام عملتها الوطنية وتقليل استخدام الدولار في معاملاتها الدولية، إضافةً إلى التشبيك مع مشروع "طريق الحرير الجديد" الصيني لتحسين البنية التحتية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية المتبادلة مع الدول الأعضاء، وتبادل المعرفة التكنولوجية.
3- تطبيق إيران والصين الاتفاقية الاقتصادية - الاستراتيجية الموقعة بينهما، سيساهم في تخفيف الأعباء التي يتكبّدها الاقتصاد الإيراني نتيجة الضغوط الأميركية القصوى.
4-تعزيز استراتيجية "التوجه شرقاً": إن انضمام إيران إلى شنغهاي، وتعزيز علاقاتها مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU) المكوّن من 5 أعضاء، والذي يربط روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان بسوق داخلي، وتطبيق اتفاقياتها مع الصين، يعزّز استراتيجية "التوجه شرقاً" التي يريد الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي أن يطبقها.
5- بالنظر إلى النمو المتسارع لبرنامجها النووي، يعتقد المسؤولون في طهران أنَّهم في وضع جيّد لانتزاع المزيد من التنازلات من الغرب.
6- مشهد الانسحاب الفوضوي من أفغانستان وانتصار "طالبان" يعطي الزخم للعديد من القوى في الشرق الأوسط - حلفاء إيران - للتخطيط لتكرار سيناريو مماثل في كلٍّ من سوريا والعراق.
7- صورة الانسحاب من أفغانستان وخشية الحلفاء في الشرق الأوسط من سيناريو مماثل، يجعلان قدرة الأميركيين على توريط القوى الخليجية في نزاعات جديدة مع إيران أصعب من قبل.
ثانياً - على الصّعيد الأميركي
يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن في الداخل انتقادات عدّة في ملفات داخلية وخارجية، تُضاف إلى الإرباك الشخصي الذي يعانيه. ويتساءل العديد من الأميركيين إن كانت صحّته تخوّله الاستمرار في الحكم.
وقد أعلن مركز "بيو" للأبحاث في استطلاع للرأي نشره في الأسبوع الأخير من شهر أيلول/سبتمبر أنَّ تأييد بايدن الشعبي انحدر إلى أدنى مستوى منذ دخوله البيت الأبيض[1]، وقارب مستويات عدم الرضا الشعبي عن الرئيس السابق دونالد ترامب.
يمكن إرجاع هذا الانخفاض في الشعبية إلى عودة تفشي كورونا وازدياد الإصابات والوفيات بسبب متحور دلتا، إضافةً إلى الانسحاب الفوضوي من أفغانستان. وعلى الرغم من أنَّ الانسحاب من أفغانستان يحظى بتأييد الجمهور الأميركي بشكل كبير، فإنَّ صور الانسحاب المذلّ وقدرة الجمهوريين على تجييش الجمهور ضد موجات اللجوء الأفغاني واتهام بايدن بكسر هيبة أميركا، كان لها الوقع الكبير على تراجع نسبة التأييد لبايدن لدى الجمهور الأميركي. زد على ذلك ازدياد التضخّم الذي يعيشه الاقتصاد الأميركي، وصور المهاجرين على الحدود، والفوضى في التعامل مع تدفق اللاجئين من أميركا اللاتينية، وخصوصاً هايتي، والانقسامات داخل الحزب الديمقراطي، والتي ظهرت إلى العلن بشكل كبير.
وهكذا، وفي غياب مسار دبلوماسي للعودة إلى الاتفاق النووي:
1- يخشى بايدن وإدارته انهيار المفاوضات كلياً، ما يجعل هذه الإدارة تواجه ضغوطاً سياسية داخلية هائلة للعودة إلى سياسة ترامب في ممارسة "الضغوط القصوى" - والتي عارضتها إدارة بايدن ووصفتها بالفشل الذريع - مع ما يشكّله ذلك من إحراج للديمقراطيين في الداخل.
2- يقف بايدن على حدّي نقيض في التعامل مع إيران. من جهة، يخشى تقديم تنازلات للإيرانيين، ما يسمح بالهجوم السياسي والإعلامي عليه من قبل العديد من المتضررين في الداخل والخارج، ومنهم الحزب الجمهوري و"إسرائيل". ومن جهة أخرى، يخشى انهيار المفاوضات ووصول البرنامج النووي الإيراني إلى نقطة اللاعودة، فتعود نغمة الدعوات الإسرائيلية إلى العمل العسكري.
3- استياء الحلفاء في أوروبا من الانسحاب غير المنسّق معهم في أفغانستان، إضافةً إلى إعلان تحالف "أوكوس" على حساب فرنسا، سيضعان على المحك قدرة بايدن على إقناع الأوروبيين بإعادة فرض عقوبات على إيران (في حال تقدمت نووياً أكثر من الحد المسموح به)!
وهنا، يُطرح السّؤال الأهم: هل يستطيع بايدن إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة التي رفعها الاتفاق النووي، في حال قامت إيران بالتخصيب أكثر من الحدّ المسموح به بموجب الاتفاق؟ من الصعب إقناع الأوروبي بذلك، فكيف بالصين وروسيا؟
4- إنّ أيّ انهيار للمفاوضات قد يعيد عدم الاستقرار والفوضى إلى المنطقة. عندها، سيضطرّ الأميركي مرغماً مرة جديدة إلى تأجيل تطبيق استراتيجية مواجهة الصين واحتوائها للانخراط في الشرق الأوسط.
إذاً، الوقت يلعب في مصلحة إيران مرحلياً، على الرغم من حاجتها إلى رفع العقوبات الأميركية للنهوض الاقتصادي والتنمية المحلية، لكن الإرباك الذي يعيشه جو بايدن حول كيفية النجاح في إدارة هذا الملف بعد الفشل في إدارة الانسحاب من أفغانستان، يجعل من الصعب الوصول إلى نتيجة حاسمة، وخصوصاً أن الإدارة الأميركية تريد أن تحقق - في هذا الملف - إنجازات لاستثمارها في الداخل والخارج، بينما ترى إيران أنَّ إعطاء "صورة الإنجاز" للرئيس بايدن ستكون على حساب مصالحها الحيوية، وخصوصاً أن لا شيء يضمن للإيرانيين عدم خروج الأميركيين من أي اتفاق جديد بعد تبدل الإدارة الأميركية، ما لم يستطع بايدن أن يستحصل على موافقة الكونغرس على الاتفاق الجديد، وهو ما يبدو صعباً، وخصوصاً إذا تبدَّلت موازين القوى بعد الانتخابات النصفية.