الحادي والعشرون من سبتمبر.. انقاذ حاضر ومستقبل اليمن
علي الدرواني
لم تصل اليمن الى 21 سبتمبر 2014 بسهولة أو من دون مقدمات. ولا يزال اليمنيون يتذكرون جيدًا كيف سارت الأمور منذ اندلاع ثورة الشباب السلمية في بداية العام 2011، مع انطلاق ما سمي حينها بالربيع العربي، وكيف أن أحزاب المعارضة ذهبت لتسوية سياسية مع النظام لتقاسم السلطة بعيدًا عن الأهداف الشبابية بإسقاط النظام، وتشكيل سلطة جديدة تحافظ على وحدة اليمن واستقلاله، وعملوا على قبول المزيد من الوصاية على البلد وفتح الباب على مصراعيه للتدخلات الخارجية وبالتحديد السعودية والأمريكية، عبر السفيرين في صنعاء.
هذا الأمر لم يكن سرًا، وقد عبر عنه محمد سالم باسندوة رئيس الحكومة المنبثقة عن التسوية التي فرضتها المبادرة الخليجية، الذي قال صراحة في بيان استقالته: "جرى التفرد بالسلطة لدرجة أنني والحكومة أصبحنا لا نعلم أي شيء، لا عن الأوضاع العسكرية والأمنية، ولا عن علاقات بلادنا بالدول الأخرى".
هذه الحكومة نفسها كانت متناقضة، وبعيدة كل البعد عن العمل بروح الفريق الواحد، ووصمت تلك المرحلة بالتعطيل وانعدام الثقة وتبادل الاتهامات بين أطرافها بعدم تنفيذ المبادرة الخليجية، حتى أصيبت بالعجز والشلل التام عن خدمة المواطنين.
عبارة باسندوة لخصت أسلوب إدارة الدولة وكيف انحصرت أمورها وقراراتها الكبرى حصرًا بيد هادي، كأداة طيعة بيد السفراء، وكان قرار التقسيم والأقاليم الستة ومسودة الدستور أبرز تلك العناوين، حتى أصبح الأمين العام لمؤتمر الحوار الوطني أحمد بن مبارك، هو ونجل الرئيس جلال أكثر أهمية وقربًا للقرارات من رئيس الحكومة نفسه.
في الحقيقة إن مفهوم الدولة ومؤسساتها الدستورية بما تعنيه الكلمة، أصبحت منعدمة بشكل كلي، بل أصبحت الأمور تدار من منزل عبد ربه تحديدًا، بعد أن يتلقى الأوامر من السفارات، ربما حتى عن طريق الهاتف، بالاستناد الى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، الأمر الذي أزعج كل القوى السياسية، بما فيها تلك التي رأت في عبد ربه شخصية سهلة القياد، وقبلت به بديلًا عن صالح، وارتضته مرشحًا وحيدًا في انتخابات صورية هزلية، وعمل هادي والسفراء العشرة حينها على وضع اليمن تحت البند السابع وفتح قائمة العقوبات الدولية، بغرض إخضاع القوى والقيادات السياسية للخيارات التي يحددها الرئيس.
وكانت بناء على ذلك محاولة عبد ربه فرض خيار الأقاليم الستة، خارج مؤتمر الحوار الوطني، وبعيدًا عن رؤى المكونات السياسية وممثليها في لجنة الأقاليم، والتي لم تعط الموضوع حقه من البحث والدراسة لا سيما للنواحي الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الأمور المتعلقة بقدر ما كانت قرارات اتخذت سلفًا في غرف مغلقة بين هادي والسفير الأمريكي. ويكفي أن تعرف الفترة الزمنية من 27 يناير، يوم تشكيل اللجنة بقرار رئاسي من 22 عضوًا، الى 10 فبراير يوم اعلان التوصل الى اتفاق حول الأقاليم وعددها، بعد أن فشل مؤتمر الحوار الوطني في التوصل لحل لها خلال عدة شهور، لتتأكد فكرة سلق الموضوع ومحاولة فرضه بقوة الخارج، وقرار مجلس الأمن تحت الفصل السابع الصادر يوم 26 فبراير.
وبالتوازي مع فرض خيارات خارج مؤتمر الحوار، كان هناك أيضًا امتناع عن تنفيذ نقاط مهمة من مخرجات الحوار، وعلى رأسها تشكيل حكومة شراكة تضم كل مكونات الحراك، وهذا أكده جمال بن عمر المبعوث الأسبق في حوار تلفزيوني، معبرًا عن صدمة الجميع حيال رفض حزب معين في الحكومة حينها، اشراك أنصار الله والحراك الجنوبي في الحكومة ولو حتى بمقعدين.
مرت الفترة منذ فبراير 2012 والعامين التاليين ثقيلة جدًا على الشعب اليمني، وزادت الحوادث الأمنية والجرائم المتنقلة وعمليات الاغتيال، وتغول الفساد بدرجة مخيفة، وتنامٍ متواصل لتوسع "القاعدة" وسيطرتها على عدد من المديريات في الجنوب او في محافظة البيضاء، والجرائم التي ارتكبتها بحق الأهالي، حتى وصل ضحاياها في البيضاء وحدها لأكثر من مئة ضحية.
في تلك المرحلة وفي ظل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، كانت قوى النفوذ المرتبطة بالسفارة السعودية، تعمل على عزل أنصار الله كرافعة مهمة للثورة، وبما مثلته من أمل للشعب اليمني من خارج قوى السلطة العتيقة، بضرب حصار على محافظة صعدة، من عدة اتجاهات، نفذته عناصر من حزب الإصلاح والجماعات التكفيرية من السلفية المتشددة والعناصر الأجنبية، ودعم عسكري ولوجستي من قيادة الفرقة المدرعة ومن المملكة السعودية، فحوصرت صعدة حصارا عسكريا من الجوف شرقًا، ومن حجة غربًا، ومن عمران جنوبًا، ومن السعودية شمالًا، ولم تحرك السلطات الأمنية والعسكرية والسياسية أي ساكن، أمام التحشيد العسكري والتكفيري، الأمر الذي اضطر المواطنين للدفاع عن أنفسهم، ومواجهة الحروب المتنقلة من حولهم، حتى اسقاط كل حواجز الحصار، في قصة طويلة لا يسمح المقام لتفاصيلها.
باختصار، كان الوضع السياسي المختل والمرتهن للخارج الذي لا يرضاه الشعب اليمني، ولا يقبله أي حر وعاقل، ويفرض على اليمنيين والقوى الحية أن تواجه ذلك المسار الخاطئ والخطير على حاضر اليمن ومستقبله وسيادته واستقلاله، الى جانب الأسباب الأخرى المتمثلة بالأوضاع الأمنية والمعيشية المستمرة بالتدهور والسوء يوما بعد يوم، كانت كلها دافعا ووقودا لثورة 21 من سبتمبر.