بلينكن قدّم عليها قطر وأوستن لم يزرها.. السعودية على صفيح ساخن؟
سعيد محمد
يبدو ان السعوديين ربطوا بين خيوط الاحداث والتطورات التي تشهدها المنطقة، وخرجوا بنتيجة مفادها ان امريكا ستنسحب من المنطقة، وان بلادهم فقدت حظوتها لدى الامريكيين، وهذا الاستنتاج السعودي قد يكون صحيحا، على ضوء تصريحات غير معهودة لبعض امراء آل سعود، من العارفين بدهاليز السياسة الامريكية.
بالاضافة الى الانسحاب الامريكي الفضائحي من افغانستان بعد مرور عقدين من الزمن على احتلال امريكا لهذا البلد، والذي ترافق مع تصريحات لمسؤولين امريكيين، ولتسريبات وتحليلات صحفية امريكية، اكدت جميعها على تراجع اهتمام امريكا بالمنطقة، من اجل التفرغ لمواجهة الصين، هناك تطورات حدثت بعد الانسحاب الامريكي من افغانستان، زادت من قناعة السعوديين، بان قرار الانسحاب من المنطقة قد اتخذ، او على الاقل ان المنطقة لم تعد اولوية لامريكا، التي اخذت تركز على تحديات دولية أكبر مثل الصين وروسيا.
من بين هذه التطورات السياسية التي وقف السعوديون امامها طويلا، الزيارة التي قام بها قبل ايام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن الى المنطقة، من أجل توضيح استراتيجية واشنطن بعد الانسحاب من أفغانستان، واللافت ان الوزيرين الامريكيين اختارا قطر كمحطة اولى في زيارتهما للمنطقة، بل ان وزارة الدفاع الامريكية الغت زيارة الوزیر اوستن الى السعودية، بذريعة جدول المهام ، بعد ان زار قطر والبحرين الكويت!
قد يقول قائل ان هذه التطورات، رغم اهميتها، لا تكفي لتكون دليلا على ان امريكا في طريقها الى مغادرة المنطقة، ولكن التصريحات التي ادلى بها الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، والمقرب جدا من دوائر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومن دوائر صنع القرار في امريكا، في مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية، يوم امس الجمعة، بينت ان المسؤولين السعوديين يأخذون قضية الانسحاب الامريكي من المنطقة على محمل الجد.
الفيصل قال ما نصه في تلك المقابلة: "أظن أننا بحاجة للاطمئنان بشأن الالتزام الأمريكي.. على سبيل المثال، بعدم سحب صواريخ باتريوت من السعودية.. فان سحب صواريخ باتريوت من السعودية ليس مؤشراً على حسن نية أمريكا المعلنة لمساعدة السعودية بالدفاع عن نفسها ضد الأعداء الخارجيين".
واضاف الفيصل:" إن الولايات المتحدة يتعين عليها النظر بجدية بشأن إظهار دعمها للشرق الأوسط في المرحلة الراهنة، لا سيما في أعقاب الانسحاب الفوضوي لواشنطن من أفغانستان، والأزمة التي لا تزال مستمرة في كابل".
من الواضح ان تصريحات الفيصل اللافتة، لا علاقة لها بالاجراء الذي اتخذته وزارة الدفاع الامريكية في حزيران / يونيو الماضي، بسحب ثماني بطاريات مضادة للصواريخ من الشرق الأوسط، من ضمنها درع "ثاد" المضاد للصواريخ الذي كان قد تم نشره في السعودية بعد الضربات التي وجهتها القوة الجوية اليمنية للمنشآت النفطية والقواعد العسكرية في السعودية، فالرجل ينتقد بشدة موقف امريكا من الشرق الاوسط، ويشكك بمصداقية دعمها لدول المنطقة، ويعتبر قرارها سحب البطاريات المضادة للصواريخ، مؤشرا على عدم حسن نية امريكا!
لا نحتاج لدليل اضافي على ان القلق السعودي من قضية انسحاب امريكا من المنطقة هو قلق حقيقي، بعد تصريحات الامير تركي الفيصل، فهو عندما يتحدث بهذه الحدة عن امريكا، فمن المؤكد انه يمتلك معلومات ذات مصداقية، عن كل ما قيل بشان انسحاب امريكا من المنطقة، او فقدان السعودية حظوتها لدى امريكا، لاسباب باتت معروفة للجميع.
كان الاحرى بالامير تركي الفيصل، ان ينظر الى الانسحاب الامريكي، بمنظار جديد بعيد عن النظرة السعودية التقليدية، فهذا الانسحاب إن حصل فسيكون فرصة لتقاربات إقليمية مهمة بين الدول العربية في الخليج الفارسي وايران وتركيا، ولتخفيض حدة التنافس الإقليمي من خلال إقامة علاقات طويلة الأمد بين بلدان المنطقة تستند إلى المصالح المشتركة.