الانتخابات السورية 2021 موعد مع القرارات الصعبة
عبير بسام
فترة بسيطة باتت تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا، والتي ستجري في 26 أيار. ومنذ أن أعلن عن فتح باب الترشيح انهالت الاتهامات المعارضة والغربية بعدم شرعية الانتخابات، وهي اتهامات تعكس تخوفاً ليس فقط من ضياع السلطة من بين أيديهم، بل تخوفا من عواقب نهاية الحرب على سوريا، وإعلان فشل آخر المحاولات اليائسة في تحطيم هذا البلد الحرّ. وستبدأ المرحلة القادمة من الإعمار، والعمل على إنهاء الاحتلالين الأميركي والتركي، وسيخرج جميع المعتدين بصفر مكاسب. ومن هنا يمكننا أن نفهم الدفع نحو التشكيك بشرعية الانتخابات، وعرقلة إنهاء الملفات العالقة خلال الفترة الرئاسية القادمة، والتي يفترض أن تشهد عودة الحياة الطبيعية لبلد اجتمع العالم على كسر الإرادة الحرّة فيه.
الوقائع الميدانية المتلازمة من سوريا إلى لبنان إلى اليمن إلى إيران تشير إلى ذلك. إنه عصر انتصار المقاومات الممتد منذ العام 1948 للمد الإمبريالي- الصهيوني العالمي. فبعد انتصار العام 2000، ازدادت شدة الضغوط على سوريا وبانت معالم الخطر الأميركي المباشر مع إعلان جورج بوش الابن حربه على الإرهاب في العام 2001. واشتد الحصار على سوريا بعد أن خرجت من لبنان في العام 2005. في تلك المرحلة كان يظن أن أنصار المحور الإمبريالي- الصهيوني أن وقتهم قد حان. ولكن في الحقيقة منذ أن ابتدأت معركة التصدي السوري العلني للضغوط الأميركية- الصهيونية في العام 2000 فإنّ نهاية المحور المعادي كانت تسطر خطوطها.
من هنا، ستترافق انتخابات 2021 مع مجموعة من النقاط الرئيسية التي يحاول الأميركيون التركيز عليها، وأولها إعلان أن الانتخابات في سوريا هي غير شرعية والادعاء بعدم نزاهتها عبر التمنع عن إرسال مراقبين دوليين، لأنهم يعلمون أن فوز الأسد محتم على الرغم من عدم قدرة قسم من الشعب السوري الذي يعيش في الاغتراب على الانتخاب، مع العلم أن السوريين منعوا من الوصول إلى سفارات بلادهم في العام 2015 عبر التهديدات التي تلقوها بالتسفير وفقدانهم حق اللجوء الإنساني في دول التهجير.
عرقلة الانتخابات، بحسب الدستور السوري الحالي، شهدت معركة دولية خلال العام الماضي من خلال إعادة إحياء وتفعيل اللجنة الدستورية في جنيف من أجل وضع دستور جديد للبلاد، اذ لم يعد خافياً على أحد ما المطلب الأميركي والتحالف الغربي- العبري على حد سواء، ألا وهو تغيير نظام الحكم في سوريا، أسوة بالدول العربية الأخرى. وهو لا يتعلق فقط بتغيير شخص الرئيس بل في تركيبة الدولة وتحويل النظام في سوريا من نظام رئاسي قوي إلى نظام برلماني، تحدد فيه صلاحيات الرئيس وتتجاذبه القوى الممثلة فيه، بدلاً من القيام بدورها الرئيسي في مراقبة عمل الحكومة وسن أو تجديد القوانين الناظمة، أي ببساطة تقويض صلاحيات رئيس الجمهورية: رأس الدولة.
بعد وباء الربيع "العبري"، تحولت أغلبية الأنظمة العربية إلى دول تتصارع فيها القوى وتتعدد فيها الرؤوس المتصارعة المتخمة بالفساد، التي تجاذبت القرارات المصيرية فيها، ووضعتها في إطار أقليات وأكثريات تفتقد إلى المشاريع الوطنية والتي تكون عماد النهوض بالدولة. لا شك أن سوريا تخرج اليوم من حرب مرّ عليها عقد كامل، وكما أيّة دولة، فهي تدخل اليوم في صراع مع الفساد بعد انتشار تجار وسماسرة الحرب فيها، ولذا فهي بحاجة إلى قرار مركزي أكثر من أي وقت مضى. وللاستدلال يمكننا قراءة ما يحدث في لبنان أو الجزائر أو تونس أو السودان وغيرها من الدول العربية.
تعتبر المرحلة القادمة، مرحلة أساسية في عمر الدولة السورية، فعلى عاتقها تقع معالجة ملفات ضخمة ومنها استعادة باقي أراضيها المحتلة، اذ إنّ سوريا تقف اليوم في مواجهة أهداف وأطماع الولايات المتحدة و"اسرائيل" اضافة الى المطامع التركية. اذ انتهت حرب الوكلاء لتبدأ الحرب بالأصالة. فسوريا في شمالها الشرقي وفي معظم أراضي محافظة ادلب وبعض من ريف حلب، لم تعد أزمتها مع مجموعات إرهابية بل هي مع دولتين منضويتين تحت جناح الأمم المتحدة، وكلاهما تسعيان لتثبيت احتلالهما على أجزاء من الأراضي السورية، أي أنّ سوريا اليوم في مواجهة مع ثلاثة احتلالات ولها حق المقاومة بموجب القانون الدولي.
كما تأخذ عملية الإعمار حيزاً كبيراً في المرحلة القادمة، وتعد من الأقسى على سوريا، وخاصة في ظل الحصار المفروض بموجب قانون قيصر الشهير، وتحاول سوريا التغلب على نتائجه، التي انعكست غلاء في الأسعار ونقصًا في المواد الطبية والغذائية، خاصة بعد نهب حقول القمح والقطن أو حرقها وسرقة الصوامع، وتدمير البنى التحتية. هذا التدمير الممنهج للاقتصاد السوري الذي يعتمد على تصنيع معظم منتجاته، ليس إلّا جزءاً من سياسة الحصار على الشعب العربي السوري، وكان المطلوب منه انقلاب الناس على الرئيس الأسد من خلال معارك الغلاء. معركةٌ أٌريد منها صرف نظر الناس عن إنجازات الجيش العربي السوري في معركة التحرير، وتوجيه الأنظار نحو النقص الحاد في المواد الاستهلاكية والوقود وانخفاض سعر الليرة.
معركة التجويع، هي من أخطر المعارك، خبرتها منطقة بلاد الشام، وما تزال المجاعات التي انتشرت في العام 1914، حية في ذاكرة السوريين، والتي ترافقت مع هجوم الجراد، والأمراض الفتاكة والأوبئة، من الكوليرا والإنفلونزا الإسبانية. وكأنّ التاريخ يعيد نفسه! حيث تتقاطع المشاهد في بلاد الشام مع مشاهد خبرتها المنطقة إبان الحرب العالمية الأولى حيث اشتد حصار الحلفاء، وسرقة محاصيل الفلاحين والتي ترافقت مع مجازر لا تختلف كثيراً عن المجازر التي ارتكبتها المجموعات الإرهابية المدعومة من قبل الأتراك والأميركيين مستخدمين التفجيرات الانتحارية الإرهابية وحرق الأسرى وتقطيع الأجساد وأكل القلوب، وحتى المجازر التي ارتكبها الأميركيون بشكل مباشر في قصف الرقة، 2017، أو في قصف سوق دير الزور، 2018.
لا يقع إحياء الملف الكيماوي ضد سوريا خارج نطاق الضغط الممنهج، الذي تأمل من ورائه أمريكا بعرقلة الانتخابات، أو التلويح بعقوبات جديدة، أو حتى التمهيد لشن عدوان جديد. ولكن أخطر ما تواجهه سوريا اليوم هي المحاولات الأميركية في إعادة تنشيط المجموعات الإرهابية، خاصة بعد ما كشف عن إعادة ترتيب غرفة "الموك" أي مركز العمليات العسكرية في الأردن، وشهدت الشهور الستة الاخيرة تصاعد العمليات الإرهابية ضد عناصر الجيش العربي السوري، وضبط وحدات الهندسة في الجيش السوري تهريب أجهزة تفجير عن بعد كانت في طريقها إلى درعا، بحسب وكالة سانا يوم الأحد 25/4، ليس إلا دليلاً آخر على عودة نشاط هذه الغرفة وغيرها من الغرف التي تحاول إعادة تفجير الوضع في سوريا قبيل الانتخابات.
في ظل هذه الحرب، يأتي الضغط الأميركي ممنهجاً مع إعلان ديفيد براونشتاين بأن واشنطن ستدعم "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" أي "قسد"، والتي تمثل بحسب تصريح قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال كينيث ماكنزي: قوات سوريا الديمقراطية (قسد) "شريك مهم جدا لنا وهي تقوم بحماية جنودنا"، أي أن الأميركيين يوحون بتمسكهم باحتلال شرق الفرات إلى أجل غير محدد.
يجهد الأميركيون والأوروبيون للتشكيك بشرعية الانتخابات السورية وبشرعية الرئيس الأسد. ويعلم هؤلاء أن القرار الدولي قد خرج من أيديهم إلى الأبد، خاصة وأن صمود سوريا هو صمود محور قائم بالتأكيد، شكل هذا البلد نواته. وحمل هذا الصمود معه تغيير الأدوار عالمياً، ابتداء بصعود دول البريكس وانتهاء بتعاظم الدور الصيني والروسي في العالم. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فقد أنهكت سلسلة الحروب الممتدة من العام 2001 على منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا الأميركيين ومن معهم. ولذا فإن إعلان البرلمان الأوروبي أن روسيا هي دولة أوروبية بامتياز ليس إلا شاهداً على بداية فرط عقد القوة الأميركية. ولكن عندما يتعلق الأمر بسوريا فهذا التناقض بالأدوار يمكن أن يبقى حجر عثرة في المرحلة القادمة، وما تعطيل إرسال مراقبين دوليين من الأمم المتحدة إلا سلسلة من محاولات التحالف الغربي المستمرة للتشكيك بشرعية الانتخابات في سوريا. وهو في الحقيقة أمر لن يقف أمامه السوريون وستستمر عملية الانتخابات السورية في وقتها المحدد.