"حقوق الإنسان".. سلاح خادع بيد أميركا
د. علي مطر
في الوقت الذي تُنَصِّب أميركا نفسها فيه وصيةً على حقوق الإنسان في العالم، تقوم بالعديد من الانتهاكات اللاإنسانية بحقّ البشر على امتداد المعمورة وحتى في الداخل الأميركي. سجلّ واشنطن حافلٌ بجرائم حقوق الإنسان، بدءاً من نشأتها على دماء الملايين من الهنود الحمر، الذين تمّت إبادتهم، ليصار إلى جلب ملايين الأشخاص من سكّان القارّة السمراء، واستعبادهم من قبل أصحاب البشرة البيضاء، بشكلٍ لا يمتّ إلى الإنسانية بصلة، لتطفو تلك العنصرية التي لا تزال المسيطرة في الولايات المتحدة الأميركية، وهي التي قامت على بحرٍ من الدماء والتهجير والارتكابات الفظيعة والانتهاكات المتعمّدة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
حقوق الإنسان ذريعة للتدخل
اليوم تعود واشنطن تدريجياً إلى سياستها التقليدية القائمة على التدخل بشؤون الدول من خلال هذه الشعارات، وهي تشن حرباً إعلاميةً ضد روسيا والصين مع بدء الرئيس الجديد جو بايدن تفعيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة لكن بأساليب جديدة، إلا أنها تركز على الصين. وقد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرًا يبرز انتهاكات حقوق الإنسان في كلا من الصين عبر قمع السلطات الصينية لأقلية الإيجور المسلمة في إقليم شينغيانغ وروسيا عبر اعتقال المعارضين السياسيين، وإثيوبيا عبر ارتكاب جرائم إبادة وتطهير عرقي بحق المدنيين في إقليم تيجراي، وغيرها من الدول. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مقدمة التقرير: "هناك الكثير من الأشخاص عاشوا في ظروف قاسية جدًا خلال عام 2020"، مضيفًا: أن بعض الحكومات استخدمت أزمة فيروس كورونا "كذريعة لتقييد الحقوق وترسيخ الحكم الاستبدادي".
وتبدو بكين وواشنطن أقرب إلى المواجهة من المصالحة أكثر من أي وقت مضى إذ وجه الرئيس الأمريكي جو بايدن تحذيرات بأن "الصين ستدفع الثمن جراء انتهاكاتها لحقوق الإنسان في تعاملها مع الأقليات المسلمة في منطقة شينجيانغ في أقصى الغرب" وأن بلاده ستؤكد مجددا على دورها العالمي في الدفاع عن حقوق الإنسان، مضيفا أنه سيعمل مع المجتمع الدولي على حمل الصين على حماية تلك الحقوق، كما يظهر أن تهديدات بايدن تندرج في السياسة الأمريكية ولا تختلف عن سياسة ترامب نتيجة التخوف من الصعود الصيني في الاقتصاد والتسلح.
لقد تحولت ذريعة حقوق الإنسان إلى سلاح تستخدمه أمريكا للتدخل في شؤون الدول، وتخلق لذلك ذرائع متعددة، وهي عادةً ما تختبئ وراء قراراتٍ أممية؛ لتشريع حروبها القذرة على الشعوب المستضعفة، وذلك تحت مسميات العدالة والأمن والسلم الدولي أو عبر شعارات حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية، علماً أن الولايات المتحدة الأميركية ارتكبت في مسيرة بنائها وتعاظم قوتها جرائم يندى لها الجبين، من قتل الآلاف في المكسيك، وقتل أكثر من مليون شخص في فيتنام، واستخدام القنبلة النووية ضد هيروشيما وناكازاكي اليابانية، وقتل الآلاف في نيكاراغوا وكوبا، هذا فضلاً عن شنّ حروبٍ على أفغانستان والعراق.. قامت الأيادي الأميركية الإجرامية في العراق بقتل أكثر من مليون شخص، وهي تحاصر اليوم إيران وشعبها اقتصادياً، لأنّ طهران ترفض الهيمنة الأميركية عليها.
المعايير المزدوجة في التطبيق
تصوغ الإدارة الأميركية سياستها الدولية في شتّى أصقاع العالم إزاء كلِّ من يرفض هيمنتها وتبعيتها. وفي منطقتنا العربية، تقوم بدعم السياسة الإسرائيلية، وآلة حربها ضد الشعب الفلسطيني، وتُلبّي طموحات "تل أبيب" في بناء دولةٍ على حساب الحقوق الفلسطينية، وحيث إنها تغض طرفها عن السعودية وعن عدوانها على اليمن الذي ترتكب فيه جرائم حرب ضد الشعب اليمني الأعزل، كما تغض طرفها عما تقوم به السلطات البحرينية من انتهاكات حقوقية بحق شعبها، بل وتدعمها، لاعتبارات سياسيةٍ بحتة.
وقد رفض وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وصف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بـ"القاتل"، على خلفية حادث قتل الصحفي جمال خاشقجي، فيما وصف الرئيس الامريكي جو بايدن، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ"القاتل"، وبرر بلينكن خلال مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الامريكية، رفضه هذا، بأنه يعزز "مصالح" و"قيم"، أمريكا. واستمر بلينكن في تبرير رفضه وصف ابن سلمان بـ"القاتل"، وعدم معاقبة السعودية أو اعادة تقييم العلاقات معها، رغم تقرير الاستخبارات الامريكية الذي أكد وبشكل صريح مسؤولية ابن سلمان المباشرة في قتل خاشقجي، بالقول: "تمزيق العلاقة (مع السعودية) لن يساعدنا في الواقع على تعزيز مصالحنا أو قيمنا.. يتعين علينا، - ونقوم بذلك فعلا - أن نتعامل كل يوم في جميع أنحاء العالم مع قادة البلدان الذين يقومون بأشياء نجدها إما مرفوضة أو بغيضة. ولكن في ما يتعلق بتعزيز مصلحتنا فعليا والنهوض بقيمنا، من المهم التعامل معهم".
دون مواربة، لم تحترم الإدارات الأميركية المتعاقبة أدنى معايير حقوق الإنسان.
تلك الإدارات التي توالت في انتهاج سياساتٍ عدوانية، ملطخةٌ بدماء الأبرياء في أرجاء المعمورة. فأميركا التي تتحف دول العالم بتقاريرها السنوية عن حقوق الإنسان تستخدم هذه التقارير كشمّاعة للتدخل في شؤون الدول الأخرى، وفرض سياستها الانتقائية تجاه هذا الموضوع. فعندما تدور دولةٌ ما في الفلك الأميركي، تكون في مأمنٍ من انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان فيها كما يحصل مع السعودية والبحرين والإمارات.. أمّا إذا كانت هذه الدول تتبع سياسات خارج ما يُمليه المزاج الأميركي؛ فلا بد عندئذٍ من التلفيق لإنتهاكات حقوق الإنسان، كما هو الحال مع التقارير الجاهزة، التي تصدر عن وزارة الخارجية الأميركية الخاصة بالحقوق؛ كما هو الحال بخصوص الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا وإيران وغيرها. وممّا لا شك فيه، أنّ السياسة الأميركية، تستخدم هذه الشعارات من أجل تحقيق مصالحها الاستراتيجية، لكي تبقى متربّعة على عرش النظام الدولي، وتكون المسيطرة على السياسة الدولية، ونهب ثروات الدول، لا سيما تلك التي تنعم بالنفط.