kayhan.ir

رمز الخبر: 127888
تأريخ النشر : 2021March03 - 21:35

سيناريوات ما بعد باشينيان: أرمينيا أقرب إلى روسيا


محمد نور الدين

على رغم عملية التحشيد التي ينفّذها نيكول باشينيان من أجل البقاء في منصبه على رأس الحكومة، إلا أن التوقُّعات تشير إلى أن الانقلاب الأبيض الذي يقوده الجيش ضدّه سيقود في نهاية المطاف إلى تنحيته، وهو ما سيفتح الباب على تغيُّرات سياسية في خريطة أرمينيا الداخلية وعلاقاتها الخارجية

بعد رفض الرئيس الأرميني، أرمين سركيسيان، التوقيع على قرار رئيس الحكومة إقالة رئيس أركان الجيش، أونيك غاسباريان، يسعى نيكول باشينيان إلى «تحصين» النظامَين الديموقراطي والدستوري، عبر تحريك الشارع لدعمه في مواجهة رئيس الجمهورية وقادة القوّات المسلحة. ووجَّه باشينيان، أول من أمس، دعوات للنزول إلى الشارع، في تظاهرات يأمل من ورائها تعزيزَ موقعه الدستوري، في وقت تتوالى فيه الدعوات إلى تحميله المسؤولية عن كارثة حرب ناغورنو قره باغ، ما يستدعي استقالته. لكن التظاهرات المؤيّدة لرئيس الحكومة لم تحجب أصل المشكلة التي انفجرت أخيراً، في أعقاب تشهيره بصواريخ «اسكندر» الروسية، واعتباره أنها غير ذات جدوى، وهو ما أغضب الروس الذين حاولوا خلعَ باشينيان في انقلاب أبيض. يقول الجنرال المتقاعد المعروف بتحليلاته العسكرية، نعيم بابور أوغلو، في حوار مع صحيفة «ميللييت»، إن «اسكندر» نظام صاروخي مهمّ جدّاً، وله مكانته في مبيعات السلاح الروسية على الساحة الدولية، معتبراً تشهير باشينيان بهذا النظام «القشّة التي قصمت ظهر البعير» مع موسكو، خصوصاً أن تصريحه حوّل روسيا إلى مهزلة، ما دفع بهذه الأخيرة إلى محاولة «تحرير» أرمينيا منه عبر دعوتها الجيش إلى المطالبة بتنحيته. وعن احتمال عدم إبلاغ رئيس الأركان الأرميني، الروس، بما يجري في بلاده، اعتبر بابور أوغلو أن هذا غير ممكن: أولاً لأن للروس قاعدتين عسكريتين وخمسة آلاف جندي في أرمينيا؛ وثانياً لأن لهم مستشارين إلى جانب كلّ القيادات العسكرية؛ وثالثاً لأن بين موسكو ويريفان اتفاقات عسكرية كثيرة، أي أن الجيش الأرميني يقع بكامله تحت السيطرة العسكرية الروسية. من هنا، لا يمكن للجيش بدءُ حملةٍ ضدّ باشينيان، من دون أن يكون لروسيا علم بها. فالأخيرة، بحسب الجنرال المتقاعد، أعطت الأمر، بينما يتوّلى الجيش مسألة تصفية باشينيان. وفي حين قد يكون هناك بعض القلق من ردّ فعل الجمهور، إلّا أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سينجح في ذلك، ولن تعير بلاده اهتماماً لأيّ تصريح أو موقف أو إدانة تَصدر من جانب الغرب أو «حلف شمال الأطلسي» أو حتّى الأمم المتحدة.

وفي شأن تأثير التطوُّرات الأخيرة على قره باغ، يرى بابور أوغلو أن الوضع في الإقليم لن يتأثّر، لكون روسيا - بوتين وقّعت اتفاق وقف إطلاق النار بين آذربيجان وأرمينيا، كما نشرت العديد من جنودها ونظامها العسكري في هذه المنطقة، أي أن الرئيس الروسي وضع مخلبه في جنوب القوقاز، وأيّ تغيير في السلطة في يريفان لن يؤثّر سلباً على خططه في الإقليم، حيث لن يسمح بتغيير المعادلة. والأمر نفسه ينسحب على تركيا، بحسب بابور أوغلو، كونها تتعاون مع روسيا في قره باغ، فيما يُراد للوضع أن يبقى على حاله. ويبقى، في النهاية، أنه في حال ترك باشينيان موقعه، سيأتي شخص موالٍ بالكامل لروسيا بديلاً منه، وبالتالي لن يتعرّض التعاون الروسي - التركي لأيّ خضّة.

رفْض سركيسيان توقيع قرار إقالة رئيس الأركان يُضعِف باشينيان ويُعمّق الأزمة

ويعتقد السفير التركي المتقاعد، حاقان أوقتشال، في مقالة في صحيفة «غازيتيه دوار»، أن رفض سركيسيان توقيع قرار إقالة غاسباريان يُضعِف باشينيان ويعمّق الأزمة ويتيح استمرار الكباش السياسي. ويعتبر أوقتشال أن مواجهة رئيس الحكومة لأزمة داخلية نتيجة كارثة قره باغ ليست مفاجئة، لأنه هو نفسه يتحمّل شخصيّاً مسؤولية الهزيمة، ولم يدعُ، في الوقت ذاته، إلى انتخابات مبكرة، فيما تقتضي المصلحة تحكيم الشعب في انتخابات جديدة، وهو الذي بدأت شعبيّته تتقلّص بعدما نال أكثر من 70% في انتخابات عام 2018. وهو لا يفعل سوى محاولة كسب الوقت بإلقاء المسؤولية على روسيا والجيش. وفي مثل هذه الحالات، فإن الزعامة السياسية تدفع الثمن، ولا مفرّ من ذلك. ويعطي أوقتشال مثالاً على ما تَقدّم، اليونان بعد هزيمتها في حرب التحرير الوطنية ضدّ تركيا في عام 1922، استقال ملكها قسطنطين. كذلك بعد التدخُّل التركي في قبرص عام 1974، تبدَّد شمْل طغمة الجنرالات في أثينا. أيضاً، فإن اتهام باشينيان للجيش أو إشارته إلى عدم فعاليّة صواريخ «اسكندر» لن يضمنا له النجاة من المحاسبة. والخروج من الأزمة من دون دماء، يقتضي الذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهذا ما لا يفعله باشينيان.

ويلفت السفير المتقاعد إلى أن روسيا ليست مسرورة أبداً بالغزل بين باشينيان والغرب، خصوصاً أن القوقاز ميدان نفوذها، وأيّ تغيير في المعادلة القائمة يعني فتح الباب أمام مخاطر كثيرة (وهو ما تختبره أوكرانيا وجورجيا). ولم يكن منع القوّات الآذربيجانية من الوصول إلى ستيباناكرت، عاصمة ناغورنو قره باغ، إلّا بأمر من روسيا التي ترسم الخطوط الحمر هنا أو هناك. والرابح الأول من الحرب، بحسب أوقتشال، كان باكو التي استعادت أراضيها، لكن الرابح الثاني هو موسكو التي وسّعت نفوذها هناك، وضاعفت عديد عسكرييها في ممرّ لاتشين والممرّ الواصل بين نخجوان وآذربيجان. وينهي مقالته بالقول إن أمام أرمينيا سيناريوين: الأوّل، وهو السيناريو السيّئ، تسلم المعارضة للسلطة والنزوع نحو مغامرة عسكرية جديدة في قره باغ، وهذا يعني هزيمة جديدة ليريفان وتعميقاً للأزمة، وهو ما لن تساعد عليه روسيا ولا الغرب. أمّا السيناريو الثاني، وهو الجيّد، فيقتضي الذهاب إلى انتخابات مبكرة وتطبيق اتفاق قره باغ والانتقال إلى علاقات جيّدة مع تركيا وآذربيجان، وهذا سيكون في مصلحة الجميع. وفي السياق، يرى حاقان أوقتشال أنه سيكون ممتازاً إقامة علاقات دبلوماسية بين تركيا وآذربيجان وفتح البوابات البرّية والجوّية بين هاتين الدولتين. ويشدّد على أن مسألة الإبادة يجب ألّا يُترَك حلّها للمؤرّخين ولا للدولتين، بل للمجتمع المدني فيهما، أي للمثقفين والنساء والنقابات والأكاديميين الذين سيجدون طريق الحلّ، داعياً تركيا إلى التصرّف بشجاعة.