"الناتو" واجنداته الاميركية في العراق!
عادل الجبوري
في خطوة بدت مفاجئة وغير متوقعة في هذا الوقت بالذات، اعلن الامين العام لحلف شمال الاطلسي "الناتو"، ينس ستولتنبيرغ "ان الحلف قرر زيادة عدد قواته المتواجدة في العراق من خمسمائة عنصر الى اربعة الاف عنصر، لدعم القوات العراقية في حربها ضد تنظيم داعش الارهابي"، مضيفا، أن "زيادة تعداد مهمة الناتو ستأتي تدريجيا، وانه سيكون هناك التزام تام من قبل الحلف بسيادة العراق ووحدة أراضيه، وان جميع خطوات الحلف ستتخذ حصرا بالتنسيق مع الحكومة العراقية".
ولعله من الطبيعي جدا ان يثير مثل ذلك الاعلان صخبا وجدلا واسعا في داخل الاوساط والمحافل السياسية وغير السياسية العراقية، ارتباطا بحقائق ومعطيات سابقة وراهنة.
ومن الحقائق والمعطيات السابقة، هي انه في خضم تصاعد المطالبات السياسية والشعبية العراقية بخروج القوات الاميركية من البلاد، كأحد مطالب الحركة الاحتجاجية الاصلاحية التي انطلقت في تشرين الاول/ اكتوبر من عام 2019، برزت اشارات وتلميحات على وجود مخططات ونوايا باستبدال قوات الاحتلال الاميركية التي ربما سترغم على الخروج والمغادرة بقوات اخرى تابعة لحلف الناتو شكليا، بيد انها من الناحية الواقعية تعمل وتتحرك تحت مظلة وامرة الولايات المتحدة الاميركية، وهذا شيء طبيعي وممكن، اذا عرفنا ان الاخيرة تعد العضو الاقوى والاكثر تأثيرا ونفوذا في الحلف من النواحي العسكرية والمالية.
ولان ردود الفعل جاءت قوية من الجانب العراقي، حيث كانت الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي قد تبنت مواقف رافضة لاستمرار التواجد الاجنبي، واتخذت مع البرلمان فيما بعد خطوات عملية بهذا الاتجاه، لذا ارتأت واشنطن ومعها اطراف دولية اخرى التزام الصمت وترك الموضوع الى اجل غير مسمى.
وفيما بعد، واثر اغتيال كل من نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني بغارة اميركية قرب مطار بغداد الدولي مطلع العام الماضي، وما خلفه ذلك الاغتيال من اجواء غاضبة، قرر "الناتو" تعليق عملياته في العراق، وقبله اتخذ التحالف الدولي نفس الخطوة، في محاولة لامتصاص ردود الافعال، وتطويق تداعيات عملية الاغتيال بأقصى قدر ممكن.
وفي الثالث والعشرين من شهر تشرين الاول/ اكتوبر الماضي، اي بعد حوالي عشرة شهور من قرار التعليق، اعلن الناتو نيته تعزيز مهامه وعملياته التدريبية في العراق، في ذات الوقت الذي حذر واشنطن من تبعات اي انسحاب احادي الجانب من العراق وافغانستان.
اما بالنسبة للمعطيات والحقائق الراهنة، فيمكن ان نشير اولا، الى القصف الذي تعرض له مؤخرا مطار اربيل والقاعدة العسكرية الاميركية القريبة منه، الذي بدا وكأنه كان حجة وذريعة ينتظرها اكثر من طرف لاعادة ترتيب اولوياته، او بتعبير ادق لاقناع الاخرين بما تفكر وتخطط له تلك الاطراف.
فبينما لم تمر سوى ايام قلائل على القصف، حتى اعلن حلف الناتو نيته زيادة عدد قواته في العراق، تزامنا مع اطلاق مسؤولين اميركيين تصريحات مفادها ضرورة التواجد الاميركي في العراق والمنطقة للتصدي لتنظيم داعش والمجموعات المسلحة الاخرى، علما انه لم تظهر حتى الان اي بصمات لداعش في عملية قصف اربيل.
وزير الحرب الاميركي لويد اوستن، قال تعليقا على عملية القصف: "ان الهجوم الصاروخي في اربيل يؤكد اهمية استمرار عملنا في المنطقة، وواشنطن ملتزمة بهزيمة تنظيم داعش واحترام سيادة العراق وضمان الاستقرار الاقليمي على المدى الطويل"، في اشارة ضمنية الى نية او ضرورة البقاء في المنطقة، وهو ما يمكن ان يواجه برفض عراقي قاطع، لا سيما وان هناك قرارا لمجلس النواب العراقي صدر في الخامس من كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، يقضي بإلزام الحكومة العمل على انهاء التواجد الاجنبي بأسرع وقت ممكن، فضلا عن ذلك، فإن تنفيذ هذا القرار، مثّل احد ابرز تعهدات الحكومة التي تشكلت برئاسة مصطفى الكاظمي منتصف العام الماضي خلفا لحكومة عادل عبد المهدي المستقيلة.
ولا شك ان قرار البرلمان المعزز بإرادة سياسية وشعبية ومرجعية واسعة، لا يستثني قوات الناتو، لا سيما اذا كانت ظروف ودواعي وفائدة تواجدها موضع جدل وخلاف واختلاف، وبعض الشخصيات السياسية والدينية العراقية، علقت على قرار او نية الناتو زيادة عدد قواته في المرحلة المقبلة بالقول: "اين حلف الناتو اليوم من التوغل التركي في منطقة سنجار؟ واين هم في ما يحصل في ديالى ونحن في كل يوم نقدم الشهداء؟.. ان العراق ليس بحاجة الى مضاعفة جنود حلف الناتو في العراق، وانما هو بحاجة الى تعامل دولي صادق ضد الارهاب".
فضلا عن ذلك، فإن من يتمعن في اعلان التحالف الذي جاء على لسان امينه العام، يكتشف ان الناتو قرر بصورة منفردة زيادة عدد قواته، ولم يكلف نفسه سوى اخبار الحكومة العراقية بذلك، والتعهد بالتنسيق معها في كل الخطوات اللاحقة.
الى جانب ذلك، ثمة من يرى ان عرقلة او تعطيل حسم ملف انهاء التواجد الاجنبي، من شأنه خلط الاوراق بدرجة اكبر، وربما عدم اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة وفق الموعد الجديد الذي حددته الحكومة، بالعاشر من شهر تشرين الاول-اكتوبر المقبل.
وفوق هذا وذاك، قد لاينفصل الحراك الدولي حيال العراق، سواء من الناتو او من واشنطن وغيرهما من الاطراف الدولية، عن مجمل الحراك الاقليمي في المنطقة، وشروع الادارة الاميركية الجديدة برئاسة الديمقراطي جو بايدن بالعمل على اعادة ترتيب الاوراق، وتصحيح المسارات الخاطئة التي اتخذها الرئيس السابق دونالد ترامب، وخلفت نتائج كارثية افقدت الولايات المتحدة جزءا غير قليل من نفوذها وتأثيرها وصدارتها في المشهد العالمي العام.
من يدري، ربما تفكر واشنطن التي يرى صناع القرار فيها أنه لم يحن الوقت لمغادرة العراق والمنطقة، بالبحث عن مظلة مناسبة لوجودها، وليس هناك افضل من مظلة الناتو.. وقصف اربيل وخروقات "داعش" قد تكون مقدمات ضرورية ومبررات مقبولة لذلك.