هكذا صارت العلاقة مع إيران مفتاح الشرق الأوسط بمناسبة الذكرى 42 لانتصار الثورة الإيرانيّة
ناصر قنديل
– خلال أربعة عقود على انتصار الثورة الإسلامية في إيران، صعدت إمبراطوريات وتفككت إمبراطوريات، وخيضت حروب وقامت ثورات، وعُقدت أحلاف وتفككت أحلاف، وبقيت هناك ثابتة لا تتغير، وهي أن هناك قوة صاعدة في المنطقة فرضت حضورها بإمكاناتها الذاتيّة في ظل قرار مستقل، وواجهت حروباً ومؤامرات ومحاولات حصار وعقوبات، وبقيت تحافظ على تقدّم متواصل، فبنت قدرة عسكرية أثبتت جدارتها في مواجهات نوعيّة مع أعظم قوة عسكرية في العالم، وبنت قدرة تكنولوجية انتزعت اعتراف أعدائها قبل الأصدقاء بجدارتها وأهليتها. وفيما كانت القوى الممسكة لعقود بقرار الشرق الأوسط، الموزّع بين حليفين لواشنطن في تل أبيب والرياض تتراجع، وتخوض حروباً فاشلة، ويفلت الشرق الأوسط من بين أيديها رغم المقدرات الهائلة المالية والعسكرية ومن خلفهما الدعم الأميركي المفتوح، فلا "إسرائيل” بقيت صاحبة اليد العليا عسكرياً في المنطقة، ولا السعودية عادت صاحبة اليد العليا السياسيّة في المنطقة. وقد تحللت منظومات الهيمنة العسكرية الإسرائيلية على كل الجبهات، كما تحللت منظومات الهيمنة السياسية السعودية بدءاً من المؤتمر الإسلامي الى الجامعة العربية وصولاً لمجلس التعاون الخليجي، رغم كل محاولات التأكيد والصراخ من الفريقين السعودي والإسرائيلي على أن شيئاً لم يتغير، وبدلاً من أن يؤدي التحالف الخليجي الإسرائيلي إلى تفعيل مقدرات القوة صار هدفاً يحتاج للحماية.
– هذا الثبات الهادئ لإيران، والتراجع الصاخب لمنافسيها وخصومها وأعدائها، فعل فعله في معادلات وتوازنات وصراعات المنطقة الأهم في العالم، سواء من حيث موقعها الاستراتيجي أو من حيث ثرواتها الطبيعية، أو من حيث توسطها لخطوط الطاقة ومنابعها وللقارات الكبرى، آسيا وأفريقيا وأوروبا، فرض حضوره على سياسات اللاعبين الكبار وأعاد ترتيب تحالفاتهم وسياساتهم، فروسيا اليوم غير روسيا قبل ظهور إيران الجديدة الصاعدة، وليس في الملفات الخارجية لروسيا المتصلة بالشرق الأوسط ما لا ترد فيه إيران كأولوية، من ملفات الغاز وأمن الطاقة إلى سورية والعراق واليمن، وعبرها العلاقة بتركيا والأكراد والخليج، وخصوصاً الملف النووي، وصولاً للعلاقة بأميركا وأوروبا. والصين اليوم ليست الصين قبل هذا الصعود الإيراني، وهي تعتمد إيران مصدراً مستقلاً للطاقة وسوقاً واعدة ومحطة مفصليّة لخطة الحزام والطريق، ومركزاً مستقراً للاستثمار، وشريكاً في بناء استقرار آسيا، وصولاً للشراكة الصينيّة الروسيّة الإيرانيّة في ملفات أمن آسيا وخصوصاً في أفغانستان.
– في الخليج الفارسي تباينات ومحاور عنوانها كيفيّة التعامل مع إيران، وفي كيان الاحتلال قلق دائم اسمه إيران، وتركيا العضو في حلف الأطلسي في بحث عن تموضع يضمن أفضل العلاقات مع إيران. وفي البعيد الأقرب أوروبا تموضعت على ضفاف الأطلسي بعيداً عن السياسات الأميركية وكلمة السر إيران. وفي أميركا تغييرات سياسية مع الانتقال الرئاسي العاصف، وفي قلب صخب القضايا الداخلية والخارجية الكثيرة على طاولة الرئيس الجديد، يخرج أركان حكمه ليصرّحوا أن إيران هي الأولوية، ومن بوابة إعادة صياغة العلاقة مع إيران ستُعاد صياغة معادلات كثيرة في السياسة الخارجية. ففرنسا تتعمشق على دور الوساطة مع إيران، ورسم السياسات مع السعودية وكيان الاحتلال يمرّ بمعبر إلزامي هو السياسات الجديدة مع إيران، والانخراط السياسي والدبلوماسي مع أوروبا وروسيا والصين لا يخلو من مفردة تتكرّر هي إيران.
– تحتفل إيران بعيد انتصار ثورتها وسط كل هذه الوقائع والمستجدات، ويحق لها أن تفخر بما أنجزت، وقد فرضت بحجم سكانيّ لا يقاس بالدول الكبرى ومقدرات لا تقارن بالدول الغنيّة، مكانة تضاهي مكانة الكبار بعدما دخلت ناديهم بعضوية ذهبيّة، فنالت بذلك أفضل هدايا العيد.