نتائج الانتخابات الاميركية تقرر مصير نتنياهو
سركيس ابو زيد
رغم قطار التطبيع، الخلافات بين قطبي الحكومة "الليكود" و"أزرق أبيض" ما زالت مستمرة . يتعرض نتنياهو لضغوط شديدة من المقربين منه، لينتهز أول فرصة قادمة بالتوجه إلى انتخابات مبكرة لأن الأوضاع اليوم هي الأنسب للانتخابات، وكل تأجيل سيجعله يخسر مزيدا من المؤيدين. لم ينجح نتنياهو في تمرير "إيجابيات التطبيع" ورفع شعبيته في الشارع الإسرائيلي المهتم بأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والصحية ويحمله المسؤولية عن تدهورها، لذلك يصارع من أجل البقاء للاسباب التالية:
أ ـ تراجع شعبيته بفعل تفاقم الأزمتين الصحية والاقتصادية، لصالح اتحاد أحزاب اليمين المتطرف "يمينا"، بقيادة وزير الدفاع السابق نفتالي بنيت حيث تشير أحدث الاستطلاعات إلى أن الائتلاف الحالي سيخسر الأكثرية.
ب ـ تشكيل تحالف جديد يضم القوى السياسية من أقصى اليمين وجميع الأحزاب الصهيونية الليبرالية يسفر عن إقامة حكومة وحدة حقيقية بين اليمين والوسط، تضع حدا لحكم نتنياهو. قيادة حزب الجنرالات "كحول لفان" مستعدون لهذه الشراكة بعدما أنهكهم نتنياهو في تنكره للاتفاقات الموقعة.
ج ـ بروز تيار جدي في صفوف اليمين الإسرائيلي يطالب باستقالة نتنياهو واستبداله بقائد آخر من اليمين . ويطرح هؤلاء مبادرتهم من خلال تخويف أحزاب اليمين من أن معسكرهم الآيديولوجي يواجه خطر فقدان الحكم بسبب إخفاقات نتنياهو في معالجة آفة فيروس "كورونا"، والتبعات الاقتصادية الخطيرة على المواطنين ويتخوفون من توصله إلى اتفاق مع الفلسطينيين يكون ثمنه باهظا. وقد بدأت قوى اليمين المتطرف تلتف من حول بنيت وتهاجم نتنياهو بشكل مباشر، وتدعوه إلى الاستقالة. وخرج مجموعة من قادة المستوطنين بحملة تصب في هذا الاتجاه، وتقول لنتنياهو إن عهده قد انتهى وعليه أن يخلي كرسيه لصالح بنيت.
د ـ التظاهرات الداعية لإسقاطه تحت شعار "ارحل". ومع اتساع هذه التظاهرات ضده اندلعت مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين، ما جعل "إسرائيل" تدخل في مزيج من الفوضى والاضطراب، والتي حذر البعض من أن تؤدي الى حرب أهلية.
مع انتقال الصراع على رئاسة الحكم إلى قلب معسكر اليمين نفسه، ما بين زعيم "الليكود" رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وزعيم اليمين المتطرف نفتالي بنيت، الذي كان موظفا في مكتب نتنياهو، تصر قوى اليسار والوسط على مواصلة التظاهرات المطالبة باستقالته .
هـ ـ إطلاق حلفاء نتنياهو في اليمين الاستيطاني وعدد من رفاقه في حزب "الليكود" الحاكم حملة للضغط عليه وعلى الإدارة الأميركية للعودة إلى مخطط الضم. وهدد عدد من قادة المستوطنات بالإطاحة به واختيار قائد آخر من "الليكود" ليحل محله، لأن تنازل نتنياهو عن مخطط فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات وعن ضم غور الأردن وشمالي البحر الميت، يفتح الباب للعودة إلى حل الدولتين. وهذا لا يعني إضاعة فرصة تاريخية فحسب، بل تدمير المشروع الاستيطاني بأيد يمينية. وقرر سبعة من وزراء "الليكود" التوجه إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومطالبته بأخذ الأوضاع الداخلية في الاعتبار والتراجع عن إلغاء الضم.
في الواقع هناك ثلاثة سيناريوهات أمام نتنياهو:
الأول: انتخابات مبكرة، إما في مطلع 2021 أو في أوائل صيف العام المقبل، وحيث يسعى نتنياهو من خلالها لتغيير تركيبة الائتلاف، واسترجاع الأغلبية المطلقة من دون حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان. ففي ائتلاف كهذا في حال تم، سيسعى للحصول على حصانة برلمانية تمنع محاكمته طالما يجلس على كرسي رئاسة الحكومة.
الثاني: تغيير تركيبة الائتلاف بضم كتلة "يمينا"، وتشكيل حكومة يمينية تحرره من القيود التي فرضتها عليه شراكته مع حزب "أزرق أبيض".
هذا الاحتمال وارد فقط في حال بروز مستجدات في مواقف بعض الكتل، تؤدي إلى تغيير تقديراتها على وقع الأزمتين الصحية والاقتصادية.
الثالث: استمرار الحكومة حتى يومها الأخير، وهذا السيناريو معدوم كليا، لأنه بالنسبة لنتنياهو كمن يركض نحو مقصلته السياسية، وتسليم غانتس رئاسة الحكومة سيعني نهاية حياته السياسية، لأنه حتى ثلاث سنوات ستكون المحكمة قد نطقت بحكم أولي، على الأقل. وهو لن يخرج سالما من هذه المحاكمة. لذا فإن نتنياهو لن يقبل بالاستمرار في هذه الحكومة، ولا إلى يوم 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 ،الذي يقضي اتفاق التناوب بأن يسلم نتنياهو فيه رئاسة الحكومة إلى غانتس.
كل السيناريوهات أمام نتنياهو محفوفة بمخاطر وقيود، تتغذى بتفاقم الوضعين الصحي والاقتصادي. ومع أن أغلب الأحزاب غير معنية بانتخابات مبكرة، إلا أن جميع المؤشرات ترجح هذا السيناريو. ولكن يبقى السؤال: متى؟ وتحت أي شعارات وعناوين؟ في هذا السياق، اعتبرت صحيفة "هآرتس" أن فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بولاية ثانية، من شأنه أن يحفِّز نتنياهو على التوجه إلى انتخابات مبكرة. لكن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، وسيطرة أغلبية ديمقراطية على مجلس الشيوخ، يمكن أن يؤديا إلى هزة سياسية، يصعب توقع تبعاتها السياسية في "إسرائيل".
تشير التقديرات الى أن لدى نتنياهو قلقا من الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأميركية، التي من المفترض ستجري في 3 تشرين الثاني المقبل. وبحسب الاستطلاعات فإن شريكه دونالد ترامب ليس ضامنا الفوز أمام المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي في حال فوزه، فإنه وحزبه الديمقراطي ستكون لهما حسابات أخرى مع نتنياهو. يرى نتنياهو أن فوز بايدن سيحتم عليه أن تكون لديه حكومة متماسكة، مع مواقف يمينية استيطانية حازمة، تستطيع الوقوف أمام إدارة بايدن حال فوزه، وهذا قد يدفعه الى حل الحكومة والكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة أخرى.