السباق إلى البيت الأبيض: العوامل الحاكمة على العملية الانتخابية
د. علي مطر
يشتعل ماراثون السباق إلى البيت الأبيض قبل أقل من شهر على معرفة الرئيس القادم. وتشغل المعركة الانتخابية على كرسي الرئاسة في بلاد العم سام أهمية كبيرة. هذه الاهمية نابعة من كون الولايات المتحدة هي الدولة التي لا تزال تتحكم بمفاصل النظام الدولي، وبالتالي تكمن أهمية خيارات الناخب الاميركي من كونه سيسهم في رسم معالم النظام الدولي من جديد عبر ايصال أحد المرشحين إلى الرئاسة.
الانتخابات الرئاسية الأميركية هي انتخابات غير مباشرة؛ ينتخب فيها المقترعون في تصويت شعبي غير مباشر مندوبي ما يسمى الكلية الانتخابية (Electoral College)، وعددهم 538 مندوبا، يختارون الرئيس ونائبه. ويدخل في تحديد نتائج هذه الانتخابات عوامل ومحددات تؤثر على الناخب الاميركي وتسهم في ترجيح خياراته في التصويت لهذا المرشح أو ذاك، وهما حالياً دونالد ترامب وجو بايدن.
أولا: العامل الاقتصادي
يعد العامل الاقتصادي أحد أكثر العوامل المؤثرة في الانتخابات الأميركية، حيث تشغل الولايات المتحدة الاميركية مراتب جداً متقدمة في مختلف الصناعات سواء منها الأساسية أو التجهيزية والاستهلاكية، ويحظى الملف الاقتصادي بسلم الاولويات في خيارات الناخب الاميركي، وذلك بسبب تلك الاختلالات المستمرة التي بدأ يشهدها اقتصاد الولايات المتحدة نتيجة للسياسات المالية والاقتصادية المتبعة فيها، ومدى تأثير ذلك على معيشة المواطن الاميركي. ونرى هذه الأهمية المتزايدة للاقتصاد في الخطابات المستمرة لمرشحي الرئاسة الاميركية.
وفي هذا الإطار، يعتبر ما يعرف بالمجمع الصناعي - العسكري أحد أبرز المؤثرين في السياسة الأميركية، وعملية اختيار رئيس الإدارة الأميركية، حيث يعتبر التدخل باستخدام القوة المسلحة عنصرا بارزا في السياسة الخارجية الاميركية، وفضلاً عن تبريراته العسكرية، فهو ينطوي على حقيقة أخرى مؤداها كون الفائض الرأسمالي وكون العمليات العسكرية والإنتاج العسكري يعدان من أهم الميزانيات في الولايات المتحدة الأميركية، ونفوذ هذا القطاع ما زال كبيراً، ويتم غالباً على حساب القطاعات الأخرى.
وتتألف البنية الحربية - الصناعية من طيف واسع من المصالح. وتتمثل قدرة المجمع الصناعي العسكري في التأثير على مجرى الحياة السياسية، انطلاقاً من قدرته على تقديم المساعدات المالية الضخمة لرجال السلطتين التشريعية والتنفيذية أملاً في وصول مرشحين يأخذون على عاتقهم حماية مصالح هذه الشركات وتعزيزها.
وتلعب آلية التمويل المالي الذي تنفقه الشركات الدفاعية على الحملات السياسية لدعم المرشحين أو الأحزاب السياسية آلية مثلى للتأثير في مجرى القرار الاميركي. كما أن بنية المجمع الصناعي العسكري لا تنطوي فقط على الأدوار السياسية التي يقوم بها، بل وأيضاً بشكل حاسم على المردود الاقتصادي الهائل الذي يترجم بالحجم الاقتصادي الذي يشكله في القطاع الصناعي الاميركي، وفي تجارة السلاح الدولية، الأمر الذي جعل هذه الشركات تتمتع بقدرة اقتصادية هائلة لا على صعيد الداخل الاميركي وحسب، وإنما على مستوى العلاقات الدولية.
بالإضافة إلى المجمع العسكري الصناعي، فإن هناك دورا كبيرا لشركات البترول في السياسة الاميركية، حيث تعتمد الولايات المتحدة الاميركية بشكل كبير على استعمال البترول كوقود ومصدر للطاقة. وقد تعاظم حرص واشنطن – المستهلك الأكبر لهذه المادة – على السيطرة على منابع البترول وبخاصة في الشرق الأوسط، وعلى صناعته وتسويقه في العالم أجمع، فالبترول "سلعة استراتيجية حيوية في الحرب وضرورية أثناء السلام ولازمة للنفوذ العالمي". وقد ترتب على ذلك كله أن أصبحت شركات البترول الاميركية عمالقة بترول وسياسة في الوقت ذاته، وازداد تداخل السياسة والبترول في كل عناصر القرار الاميركي.
ثانياً: العامل الديني وجماعات الضغط كاللوبي الصهيوني والمسيحي
يشير التاريخ الاميركي إلى ان الولايات المتحدة ومنذُ بداية تكوينها لطالما اعتمدت على العامل الديني الذي يؤدي دوراً بارزاً في الحياة الاجتماعية والسياسية، فالمرشح للرئاسة الاميركية لا يجب أن يكون ملحداً، ومن يتابع الشأن الانتخابي في الولايات المتحدة سيجد دون أدنى شك عبارات دينية مكررة وباستمرار في خطابات المرشحين. وتؤكد مراكز أبحاث اميركية أن الحماس الديني أصبح عاملاً أساسياً في السباق إلى البيت الأبيض.
كذلك يلعب اللوبي الصهيوني دوراً كبيراً في الانتخابات الرئاسية، حيث عمدت الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة إلى إنشاء لوبي يهودي ضاغط في الولايات المتحدة بالاعتماد على القانون الاميركي الصادر عام 1946 والذي أعطى الحق للجماعات المختلفة بتشكيل مجموعة ضغط، بهدف ضمان مصالحها من خلال استراتيجيات وتكتيكات متعددة. وللوبي الصهيوني نفوذ كبير على العملية السياسية بشقيها التشريعي والتنفيذي. وبطبيعة الحال فإن ترامب دوناً عن أي رئيس اميركي سابق منذ تأسيس الولايات المتحدة الاميركية قدم الكثير من التسهيلات السياسية للكيان الصهيوني على اعتبار أن ورقة إسرائيل هي ورقة رابحة مستقبلاً لترامب وتعود بالنفع عليه في مسيرته الانتخابية.
وهنا يأتي، ايضاً، تحالف المسيحية - الصهيونية، حيث يستفيد اليهود من كون 70% من مسيحيي أميركا من البروتستانت الذين يؤمنون بالعهد القديم، والذين يدعم كثير منهم إنشاء الكيان الصهيوني. وقد تزايدت قوة اليمين المسيحي و"الصهيونية غير اليهودية" في الحياة السياسية الأميركية في السنوات الأخيرة، ويعد أتباعها دعم إسرائيل واجباً دينياً وأخلاقياً يجب أن يؤدَّى مهما كلف الثمن. وقد تزايدت قوة اليمين المسيحي والصهيونية في الحياة السياسية الأميركية في السنوات الأخيرة.
ولا يمكن إنكار حقيقة التأثير الذي تلعبه جماعات الضغط والمصالح في رسم الإطار العام للسياسة الخارجية الاميركية وصنع قراراتها ومنها وعلى رأسها قرارات التدخل، وإن اختلف دور وتأثير هذه الجماعات من إدارة لأخرى وتبعاً للظروف السياسية وطبيعة المتغيرات الناتجة عنها.
ثالثاً: المناظرات الانتخابية
وتأخذ المناظرات الانتخابية بين الرئيسين ونائبيهما، حيزاً كبيراً في السباق الانتخابي، فكما هي العادة في الولايات المتحدة الاميركية يقوم المرشحون الأوفر حظاً في بلوغ كرسي الرئاسة في البيت الابيض بإجراء مناظرات علنية كجزء من حملة الانتخابات العامة، والتي يطلق عليها في العادة مناظرة الرئاسة. وتكمن أهمية تلك المناظرات في قدرتها على خلق التأثير الاعلامي والنفسي عند الناخبيين في اميركا، سواء في مرحلة الانتخابات التمهيدية أو الانتخابات الرئاسية الحاسمة، حيث يتم خلالها عرض السياسة الداخلية والخارجية للمرشحين ويتم ضبط اسلوبها بدقة متناهية باعتبارها حدثا سياسيا وتلفزيونيا هاما يشاهده الملايين من الاميركيين، وأن أي خطأ في جملة أو كلمة قد تكلف المرشح كرسي الرئاسة.
رابعاً: استطلاعات الرأي ووسائل الإعلام
تعد استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة جزءاً هاماً في العملية الانتخابية، وتكمن اهمية هذه الاستطلاعات في اميركا خصوصاً فيما يتعلق بالمرشحين للانتخابات الرئاسية وأثناء المناظرات الانتخابية، فتلك الاستطلاعات لها القدرة على جذب اهتمامات الناخب الاميركي ازاء موقف المرشحين من القضايا المستعجلة. وتبرز أهمية استطلاعات الرأي في قدرتها على كشف نقاط القوة والضعف بين المرشحين لذلك تجد المرشحين يسعون إلى بذل قدر كبير من الشجاعة في عرض افكارهم وربما التمثيل احياناً في الاداء من اجل اقناع الناخبين الاميركيين والتأثير في قراراتهم لاحقاً.
وإلى جانب ذلك، يتأثر الناخب الاميركي بشدة بما تعرضهُ شاشات التلفاز وخلق قناعة معينة لديه لم يكن على دراية بها سابقاً وبالتالي يتأثر اختيار الناخب لمرشح ما، بالدعاية الانتخابية في رجحان اختياره لهذا المرشح او ذاك.
بالإضافة إلى ما تقدم، فإن السلوك الشخصي لمرشح الانتخابات الرئاسية يؤثر في العملية الانتخابية، فالبعد النفسي والسلوك الشخصي لمرشح الرئاسة في اميركا قد يسهم في انتخابه من عدمه لشغل كرسي الرئاسة الاميركية، خصوصاً إذا ما عرفنا أن الناخب الاميركي يركز على التكوين النفسي والسمات الشخصية للمرشح.
وفي العادة ينظر المرشح الاميركي إلى تجربة وقيادة الرئيس خلال المدة الماضية والحكم عليها من خلال التصويت له مجدداً او اختيار المرشح البديل له من نفس الحزب أو الحزب الاخر.
كذلك تُعتبر الحملات الانتخابية من الركائز الأساسية في الانتخابات الرئاسية الاميركية، فقدرة المرشح على بناء حملة انتخابية قوية وناجحة يعد أحد المحددات التي يمكن أن تؤثر في قدرته على الفوز بالانتخابات.
إذًا، كل هذه العوامل تؤثر في سير العملية الانتخابية، وتفتح الخط للوصول إلى البيت الأبيض، وتظهر هذه العوامل خلال الحرب المحتدمة بين الرئيس الحالي دونالد ترامب والمرشح الديمقراطي جو بايدن للوصول إلى الرئاسة، حيث لم يترك الطرفان أسلوباً إلا واستخدماه في هذا السباق المحموم الذي ينتهي في تشرين الثاني المقبل.