تركيا و"إسرائيل".. هل التقتا في أذربيجان؟
حسني محلي
هل من المحتمل أن يساهم "التوافق" التركي - الإسرائيلي في أذربيجان، وعبرها في القوقاز عموماً، في تحقيق المصالحة الكبرى بين أنقرة وتل أبيب؟
مع استمرار الحديث عن العديد من السّيناريوهات حول معنى ومستقبل المواجهات السّاخنة بين الأرمن وأذربيجان على طول خطوط التماس بين الطّرفين في جوار إقليم ناغورنو كاراباخ، اكتسب الدَّعم التركيّ والإسرائيليّ لأذربيجان أهميّة إضافيّة، ليس بالمفهوم العسكريّ فحسب، بل في ما يتعلّق أيضاً بتوافق المصالح والحسابات التركيّة - الأذربيجانيّة في أذربيجان، وضدّ روسيا وإيران والأرمن معاً.
تحدَّثت المعلومات عن استخدام الجيش الأذربيجانيّ طائرات مسيّرة تركيّة حصل عليها مؤخراً من أنقرة، وهي من طراز "بيرقدارTB2 "، وطائرات مسيّرة إسرائيليّة من طراز "Harpy" و"Harop"، تقوم بعمليات انتحاريّة ضدّ المواقع الأرمينيّة.
كما تحدثت المعلومات عن تسليم "إسرائيل" صواريخ "LORA" الباليستية، ومداها 300 كم، لأذربيجان، إضافةً إلى أنظمة دفاع جوي من طراز "TOS" لمواجهة الصواريخ الروسية من طراز "إسكندر" التي تملكها أرمينيا. ويحظى الجيش الأذربيجاني بدعم مباشر من خبراء عسكريين إسرائيليين وأتراك، وسط المعلومات التي تتحدّث عن دور الأقمار الصناعية وأجهزة التنصّت الإسرائيلية الموجودة في أذربيجان في نقل كلّ الصور والمشاهد العاجلة عن تحركات ومواقع القوات الأرمنية إلى الأركان الأذربيجانيّة، مع التشويش على الاتصالات العسكرية الأرمنية بأجهزة حصلت عليها باكو من "إسرائيل" وتركيا.
ولم يكن التنسيق والتعاون والتحالف التركي - الإسرائيلي غير المباشر في أذربيجان وحده ما يجمع الطرفين على قاعدة المصالح المشتركة، المباشرة منها وغير المباشرة، فقد تهربت "إسرائيل" دائماً من دعم أحاديث الأرمن عن الإبادة التي قامت بها الدولة العثمانية ضدّهم إبان الحرب العالمية الأولى وخلالها، أي قبل 30 عاماً من الإبادة الهتلرية لليهود.
وقد نجحت طيلة السنوات الماضية في "احتكار" التضامن العاطفي والسياسي والدولي مع اليهود فقط، على الرغم من كل المجازر والإبادات التي قامت بها الدول الإمبريالية والاستعمارية ضد شعوب العديد من دول العالم، حتى لو تجاهلنا قضية الشعب الفلسطيني، وهي محور كل الصراعات الإقليمية والدولية، وجميعها في خدمة الكيان الصهيوني.
ونجح هذا الكيان بفضل الجاليات اليهودية الموجودة هناك في التوغل في العديد من عواصم الجمهوريات الإسلامية التي استقلَّت عن الاتحاد السوفياتي، وفي مقدّمتها باكو، التي دخلت بعد استقلالها في تحالف استراتيجيّ مع تل أبيب، التي شهدت علاقاتها العديد من حالات المد والجزر مع تركيا طيلة 17 سنة من حكم العدالة والتنمية بزعامة الرئيس رجب طيب إردوغان، فيما كانت تل أبيب، وستبقى، المستفيد الوحيد من السنوات العشر الماضية لما يسمى بـ"الربيع العربي"، الذي كانت تركيا، وما زالت، وستبقى اللاعب الأساسي فيه، بكل نتائجه السلبية والخطيرة على المنطقة وتركيا أيضاً.
ولم يكن "التوافق" التركي - الإسرائيلي غير المباشر في أذربيجان وحده ما سينعكس بنتائجه المباشرة وغير المباشرة على التطورات المحتملة لأزمة كاراباخ ذات الأبعاد الإقليمية والدولية المتعددة، فقد بدأ الإعلام الموالي للرئيس إردوغان حملة عنيفة جداً ضد إيران، التي يتّهمها الإعلاميون والمحللون الأتراك بتقديم الدعم العسكري للأرمن.
وتقوم وسائل الإعلام التركية الموالية وشبكات التواصل الاجتماعي بنشر صور ومشاهد ومعلومات عن هذا الدعم، مع دعوة الدولة التركية للردّ على هذا الدعم الإيراني بشكل مباشر أو غير مباشر، كما يهدد ويتوعد العديد من الصحافيين إيران والرئيس روحاني، ويتحدَّثون عن إرسال الجيش والأمن الإيراني قوات إضافية إلى المناطق التي يعيش فيها الآذريون شمال غرب إيران، التي تحدّ أرمينيا وأذربيجان، من دون أن يتسنّى لأحد مناقشة هذه المعلومات، أولاً بسبب سيطرة الرئيس إردوغان على 95% من الإعلام الخاصّ والحكوميّ، وثانياً بسبب الجو الشعبي المشحون قومياً، بسبب التضامن مع أذربيجان ضد الأرمن؛ "العدو" الديني والتاريخي للأتراك.
كما تنقل القنوات ووسائل الإعلام المذكورة صوراً ومشاهد، تقول إنها تعود إلى تظاهرات شعبية يقوم بها التركمان والآذريون في شمال غرب إيران استنكاراً للدعم الإيراني لأرمينيا، في محاولة منها لشحن الشعور القومي ضد "إيران الفارسية" التي "تعادي تركيا والأتراك والآذريين، وهم من أصل تركي". وهنا أيضاً تلتقي أهداف الإعلام التركي مع حسابات "إسرائيل" التي تتواجد استخباراتياً في أذربيجان وجورجيا وإقليم ناختشوان التابع لأذربيجان، وتفصله عنها الأراضي الأرمينية.
وتتحدث المعلومات الصحافية باستمرار عن فعاليات الموساد الإسرائيلي في هذه المناطق، وهي تستهدف إيران، وخصوصاً المناطق التي يعيش فيها الآذريون، بهدف تحريضهم على التمرّد ضد "الدولة الإيرانية الفارسية"، التي لطالما كانت في الخندق المعادي لأنقرة طيلة السنوات الماضية، بسبب دعمها الرئيس الأسد وحزب الله اللبناني وفق توصيف الإعلام التركي.
ولم يكتفِ الإعلام الموالي بكلّ ذلك ضد إيران، وكأنَّ الجميع كان مستعداً لهذه الحملة منذ فترة طويلة، فقد تحدث أيضاً عن نقل 350 من مسلّحي حزب العمال الكردستاني بالشاحنات من إيران إلى أرمينيا، وأعداد مماثلة من المتطوعين الأرمن من سوريا وإيران إلى أرمينيا للقتال ضد أذربيجان. وجاء حديث الإعلام هذا في محاولة منه للتغطية على المعلومات التي تحدثت عن نقل المئات من المرتزقة السوريين إلى أذربيجان للقتال ضد الأرمن.
ولم تهمل كلّ الأطراف، وخصوصاً تركيا و"إسرائيل"، الدور الروسي في هذه الأزمة واحتمالاتها، بعد أن رفض رئيس وزراء أرمينيا باشينيان الوساطة الروسية، بسبب المعلومات التي تحدَّثت عن تحركات أميركيّة في هذا الموضوع، فالجميع يعرف عدم ارتياح أنقرة وتل أبيب للموقف الروسي في سوريا وإيران، ومجمل السياسات الروسية الإقليمية والدولية، والتي تصطدم في أغلب الأحيان مع الحسابات التركية والإسرائيلية.
ويبقى السّؤال أو التّساؤل الأخير: هل من المحتمل أن يساهم "التوافق" التركي - الإسرائيلي في أذربيجان، وعبرها في القوقاز عموماً، في تحقيق المصالحة الكبرى بين أنقرة وتل أبيب؟ إن كان الجواب نعم، فذلك سينسف كلّ الحسابات الإقليمية والدولية، وبشكل خاصّ النقاشات المستمرّة حول جميع الأزمات في المنطقة، وفي مقدمتها سوريا وليبيا والعراق، بكلّ تعقيداتها المعروفة. كما سيسدّ مثل هذا الاحتمال، إن تحقَّق، الطريق أمام الحسابات الإماراتية والسعودية والمصرية التي تهدف إلى محاصرة تركيا، وأثبت الرئيس إردوغان أنَّها بمناوراتها التكتيكية تستطيع أن تخلط الأوراق على الجميع.
ورغم أنَّ البعض لا يستبعد مثل هذا الاحتمال "المثير"، فقد بات واضحاً أنَّ خروج أذربيجان منتصرة من هذه الأزمة سيساعد تل أبيب وأنقرة، ويشجّعها على "التنسيق والتعاون" المشترك في ساحات أخرى تحظى باهتمام مشترك من العاصمتين، ولها تاريخ مشترك مثير، ليس فقط بعد قيام الدولة الصهيونية، بل قبل ذلك بكثير!