المفاوضات الافغانية.. "سلام" برعاية مسبب الصراع
المفاوضات الافغانية..
في بلد متأزم مثل افغانستان، ليس من السهل الحديث عن سلام او استقرار بدون الحديث عن مسببات الحرب والصراع.
وبغض النظر عن العوامل الداخلية التي عمقت الازمة في هذا البلد منذ بروز جماعة طالبان، الا ان العوامل الخارجية وتحديدا الولايات المتحدة هي المسبب الابرز والعامل الاقوى في استمرار الصراع ومسلسل الدم داخل البلد الذي لم يعرف الراحة منذ عقود.
تنطلق اليوم السبت مفاوضات السلام الافغانية في العاصمة القطرية الدوحة.
المفاوضات التي تاتي بعد اشهر من توقيع اتفاق بين الولايات المتحدة وجماعة طالبان يفضي الى خروج القوات الاميركية من افغانستان اضافة الى اطلاق سراح معتقلين لدى الحكومة الافغانية من طالبان. لكن اسئلة كثيرة تطرح نفسها في ظل الحركة السياسية التي تشهدها الساحة الافغانية. ابرز هذه الاسئلة ما الذي يمكن توقعه من مفاوضات السلام؟ وما هي عوامل نجاحها؟
في البداية لا بد من التاكيد على ان للولايات المتحدة مصالح كثيرة في افغانستان وبالتاكيد محاربة الارهاب ليست احداها. هذه المصالح التي تبدأ بالتواجد قرب الحدود الروسية وايجاد واقعا مقلقا للروس، تشمل ايضا مصالح اقتصادية او مالية تتمثل بسيطرة الاميركيين على زراعة الأفيون في افغانستان حيث ينتج 80 بالمئة من مجموع الافيون في العالم. (تكشف التقارير ان 164 الف هكتار تمت زراعتها عام 2019، وتم انتاج 6400 طن من الافيون) هذا فقط في عام واحد وهو الاقل مقارنة بالسنوات الاخيرة، فما بالك بحوالي عشرين عاما تستفيد فيها واشنطن من عائدات زراعة الافيون في افغانستان.
من المعلوم ان اساس السياسة الخارجية الاميركية يقوم على التواجد في الدول والمناطق التي تستدعي التواجد فيها حماية لمصالحها. ومن باب الاستخفاف بعقول الناس القول ان الولايات المتحدة ستخرج من افغانستان، لا لشيء سوى لانها موجودة هناك لتبقى، وعليه فان البروباغاندا الاميركية لانسحاب وانهاء الحروب اللانهائية كما يقول الرئيس الاميركي دونالد ترامب ليس الا كلاما اعلاميا.
اما اذا اردنا فعلا الحديث عن حل وسلام في افغانستان، فعلينا الحديث عن الوجود الاميركي. 19 عاما والقوات الاميركية تتواجد هناك.. الامور اصبحت اسوأ، الصراع لم ينته، مسلسل الدم مستمر، العملية السياسية في افغانستان اصعب من قبل. ( هناك ازمة تشهدها البلاد مع كل انتخابات، والانتخابات الاخيرة كانت خير مثال، حيث لعبت ايران دورا بناء لتقريب وجهات النظر والوصول الى توافق سياسي بعد تلك الانتخابات)
من المنطقي في ظل عقود من الصراع الا يكون الحل سهلا، لكن الجزء الاصعب من هذا الحل يكمن في الدور الاميركي. خاصة وان اي دور للمجتمع الدولي والامم المتحدة غائب تماما، وبالتالي لا يمكن ابداء توقعات عالية من مفاوضات يرعاها الاميركي السبب الاول لما يعانيه الافغانيون، الذين اذا ارادوا الانتقال الى مرحلة سياسية بامتياز ومشاركة لكل القوى والاطراف، عليهم التوافق على ان تكون هذه المرحلة خالية من اي تواجد اميركي سواء عسكري ام سياسي وحتى اقتصادي، لان الوعود الاقتصادية التي اغدقتها الادارات الاميركي منذ بوش الابن الى ترامب على كابل لم تخرج من الكلام الاعلامي.
ما يجري في الدوحة والحماسة الاميركية لمفاوضات السلام الافغانية ليست الا للاستخدام الترويجي لترامب قبل اسابيع من الانتخابات الرئاسية. الرجل يعاني من تراجع في شعبيته ومنافسه جو بايدن يتقدمه في استطلاعات الراي، وبالتالي هو بحاجة لاي انجاز حتى لو مؤقت وحتى لو كان عبر خداع الافغانيين وغيرهم بانه يريد السلام لكي يسوق لنفسه داخليا.
من التطبيع الاماراتي الاسرائيلي، والتطبيع البحريني الاسرائيلي ودول اخرى تنتظر، الى رواية السلام في افغانستان، مرورا بملفات دولية عديدة، الايام ستؤكد ان ما يريده ترامب في افغانستان لا يختلف عما اراده من سبقوه في البيت الابيض، كما ستؤكد ان السلام الحقيقي في افغانستان ياتي فقط من الباب الذي يخرج منه الاميركي.
حسين الموسوي