kayhan.ir

رمز الخبر: 110287
تأريخ النشر : 2020March04 - 20:53

هل يختار أردوغان هزيمة مشرفة أم يستذله العناد؟

ايهاب زكي

بمتوسط خطابين في اليوم إضافة إلى بيان رئاسي، وأضعاف ذلك من تصريحات لوزارتي الخارجية والدفاع التركيتين، وسيل من التصريحات لمسؤوليين أتراك في مستوياتٍ أدنى، تملأ تركيا العالم ضجيجاً، ضوضاء لا توازيها إلا حافة مستنقعٍ تغص بالضفادع والنقيق، وعلى العكس تماماً من ذلك، فأنت تحتاج للنبش في كل وكالات الأنباء ومحطات الأخبار والصحف والمواقع لتجد تصريحاً سورياً رسمياً، وغالباً ستجده لمصدر عسكري وأرجحه ميداني، وهذا يعيدنا للسنوات الأربع أو الخمس الأولى من عمر العدوان على سوريا، حيث كان الرئيس التركي يطل يومياً بثلاثة خطابات يتخللها ذكر الرئيس الأسد عشرات المرات، فيما لم يذكر الرئيس الأسد أردوغان لأول مرة سوى في السنة الرابعة أو الخامسة للعدوان، والمفارقة أنّ يملأ العالم صخباً يعجز عن إحراز أيّ نصرٍ يعتد به سياسياً، بعكس كثير الصمت الذي يصبح جليله حين ترفده الانتصارات، ولم أسمع أو تقع عيني على معركةٍ في التاريخ قديماً وحديثاً تم كسبها بسلاح الحناجر.

قبل انتهاء المهلة نهاية شباط/فبراير التي أطلقها أردوغان في ساعة أخذته فيها جلالة العزة بالإثم، اتخذ الصراخ الأردوغاني منعطفاً خطراً، حيث لم يعد طلب التدخل الأميركي شفاهةً وعبر التمسح بعضوية "الناتو"، بل قال "إنّ النظام يسلم المناطق لجهات ذات مذهب معين"، وهو يلمح لإيران وحزب الله، ثم قام بقصفٍ متعمد لمقاتلين من الحزب وبعض فصائل المقاومة سماهم الإعلام التركي عناصر للحرس الثوري، وهي بمثابة رسالة نجدة تحريرية للإدارة الأميركية مشفوعة بالدم، دماء "الإرهاب" حسب التصنيف الأميركي، حيث إغراء الأميركي بدخول معركة إدلب من باب استهداف حزب الله والحرس الثوري في سوريا. وعلى سبيل الجملة الاعتراضية فإنه من الطريف أنّ هذا التقاطع بل التطابق التركي مع الأهداف "الإسرائيلية" لا يثير حفيظة أنصار السلطان، بل لا يكاد يلفت انتباههم- ، كما بدأ بعملية ابتزازٍ موصوفة لأوروبا عبر دفع اللاجئين نحو الحدود اليونانية والبلغارية لإجبار "الناتو" على التدخل لصالحه، ويبدو أنّ الخليفة لا يدرك أنّ هذا يسمى في علم السياسة "هروبٌ إلى الأمام"، فالولايات المتحدة وحلف "الناتو" ليسوا بحاجةٍ لدفعٍ أو إجبار حين يقررون الذهاب إلى الحرب، وهم سيصنعون مبرراتها من العدم إن لم توجد، أما حين يقررون الإحجام فهذا قرارٌ لا يلغيه استنجاد وصراخ ولو بلغ قحفة رأس السلطان.

بعد الصدّ الروسي لكل المحاولات الأردوغانية لعقد لقاءٍ رباعي أو ثنائي، تعرض أردوغان لعقوبةٍ شديدة القسوة، حيث مقتل العشرات من جنوده في ليلة واحدة، وعلى قسوة هذه الرسالة فقد كانت شديدة البلاغة، ورغم بلاغتها لم يفهمها أردوغان، أو أنّه لبلاغتها لم يسعفه الفقر الأدواتي لفهمها، وبما أنّ هذه البلادة غير معهودةٍ في السياسة الدولية، سوى ما قام به الرئيس الجورجي سكاشفيلي، حيث كان يعلن انتصاره في البرلمان الجورجي على روسيا ودبابات الجيش الروسي على أطراف العاصمة تبليسي، فإنّ روسيا أعطت أردوغان مساحة للعزاء، حيث قال أردوغان" طلبت من بوتين أن يتركنا والجيش السوري وجهاً لوجه"، ويبدو أنّ هذا ما حدث مؤقتاً، حيث أعلن الجيش العربي السوري إغلاق الأجواء السورية فوق إدلب، وأردف ذلك إعلانٌ روسي عن عدم ضمان أمن الطيران التركي في الأجواء السورية بعد إعلان الحكومة السورية إغلاق أجوائها"، وهكذا يكون الرئيس الروسي قد نزع من فم أردوغان كل مبررات الهزيمة المحتمة أمام جمهوره، حتى المركز الاستشاري العسكري الإيراني الذي يصدر أول بيان تحت هذا الاسم، استثنى الجيش التركي من عملياته ولو مؤقتاً، وبهذا المعنى يصبح المشهد سورياً تركياً خالصاً، ويصبح النصر سورياً بحتاً، خصوصاً إذا استطاع الرئيس الروسي في اللقاء المحتمل يوم الخامس أو السادس من الشهر الجاري، إقناع أردوغان بالنزول عن الشجرة.

إنّ السؤال ليس هل سيُهزم أردوغان أم ينتصر، بل السؤال الجوهري هو كيف سيُهزم، وهذه الكيفية تعتمد للأسف عليه شخصياً، فهل يتمسك بالسلم الروسي للنزول مع ماء الوجه، أم يلجأ للسلم الإيراني مع ماء الوجه، أم يصرّ على تذوق طعم الفأس السورية بقطع الشجرة من أصلها. حتى الآن يتجاهل أردوغان المبادرة الإيرانية موحياً بتمسكه بالشريك الروسي، حيث يعتقد أنّ قدرته على إقناع روسيا بوجهة نظره ستدفع روسيا لإقناع بقية الحلفاء بتبني هذه الوجهة، ولكن يبدو أنّ أردوغان في لوثة من أمره ولا يدرك أن استدعاءه للولايات المتحدة وحلف الناتو للتدخل العسكري تثير حساسية شديدة لدى موسكو كما لدى طهران، وأنّ هذه مسألة لا تصلح للعبث الخطابي، كما أنّ تطهير الأرض السورية من الإرهاب قرارٌ لا رجعة عنه سورياً، وعلى أردوغان أن يدرك حقيقة مطلقة، وهي أنّ التجهيزات العسكرية واللوجستية الطافحة في أيدٍ مؤدلجة كـ"داعش" و"النصرة" وأشباههما، لا يمكن هزيمتها بسهولة، وأنّ هؤلاء لم يندحروا لو أنّهم لم يروا أنهم حقاً في مواجهة جهنم الأرض، والفرق بين هؤلاء وجيشه أنهم بلا أسماء ولا حتى أرقام، بينما توابيت جيشه لها أرقام وبداخلها أسماء، وأنّ قدرتهم على احتمال جهنم الأرض لا تُقارن بقدرة المؤدلجين، لذلك فعليه أنّ يختار كيفية الهزيمة بين السلّمين الروسي - الإيراني أو كلاهما معاً، ويبتعد عن أنصال الفؤوس قدر المستطاع.