الانتخابات الاسرائيلية: "إسرائيل القبلية" تعيد انتاج نفسها
جهاد حيدر
يخوض كيان العدو جولة انتخابات ثالثة خلال أقل من سنة، في سابقة لم يشهدها طوال تاريخه. ويعكس مسار الانتخابات المتكررة وفشل تشكيل الحكومة طوال هذه الفترة، أكثر من أزمة يمر بها الكيان، على المستوى السياسي والاجتماعي والايديولوجي.
الواضح أن السبب المباشر لهذه الدينامية الداخلية، هو إصرار نتنياهو على تولي رئاسة الحكومة بهدف حماية نفسه من المحاكمة، وحماية حزب الليكود ومعسكر اليمين المتطرف ودعمه له. وعدم نجاح هذا المعسكر في نيل أغلبية في الكنيست، حال حتى الآن دون تشكيل الحكومة. لكنه استطاع ايضًا أن يعطل محاولات منافسي نتنياهو تشكيل حكومة بديلة، وهو ما أدى إلى دوامة متواصلة حتى الان.
مع ذلك، فإن العامل الأساسي الذي ساهم في انتاج هذا الواقع ايضًا، هو الانقسامات داخل معسكر اليمين، وتحديدا انشقاق كتلة "إسرائيل بيتنا" عن هذا التحالف على خلفية الموقف من تجنيد الحريديم في الجيش، اضافة إلى مصالح انتخابية، وهو ما أدى إلى إحداث شرخ لم يتمكن نتنياهو من التعويض عنه الأمر الذي ساهم في حالة الشلل التي تشهدها الحكومة.
بعد فشل نتنياهو المتكرر في حملتين انتخابيتين متتاليتين بانتزاع أغلبية نيابية، وفشله في انتزاع حصانة من الكنيست، وجد نفسه مضطرا إلى خوض هذه الانتخابات في ظل اتهامه رسمياً بالفساد، مع تحديد موعد لمحاكمته. كان يفترض لهذه المستجدات أن تترك أثراً سلبيا على مكانته الشعبية، لكن أتى اعلان صفقة القرن في توقيت مثالي بالنسبة له. وهو ما ساعده في حرف محور اهتمامات الرأي العام، بنسبة كبيرة، نحو صفقة القرن التي بدت في توقيتها، كمحاولة انقاذ غريق.
وهكذا استطاع نتنياهو أن يستبدل الخطاب السياسي الدعائي بعناوين سياسية وايديولوجية يمينية، (تتمحور حول صفقة القرن بما تمثله من تجسيد لطموح اليمين) وأن يربط تحققها على أرض الواقع ببقائه في منصب رئاسة الوزراء. وعمد إلى الترويج لمقولة إن سقوطه في الانتخابات سوف يؤدي إلى سقوط حكم اليمين.
بعيداً عن الدخول في تفاصيل السيناريوهات المتصلة بنتائج الانتخابات، في حال لم تشهد الساحة الإسرائيلية أي مفاجآت على صعيد نيل معسكر نتنياهو أغلبية 61 عضو كنيست، وهو ما لم تتوقعه أي استطلاعات رأي، فإن مآل الانتخابات يتجه نحو اعادة انتاج موازين القوى الحالية، ويضع "إسرائيل" من جديد، أمام سيناريو تكرار الانتخابات، أو حصول تحول في مواقف كتل أو بعضها، منعا لتكرار هذا السيناريو. وهو ما سيسمح بتوفير الاغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة. وبطبيعة الحال فإن حصول مفاجآت في النتائج سيغير المشهد السياسي بشكل جذري.
في كل الاحوال، ما تشهده "إسرائيل" ينطوي على أكثر من رسالة، من أهمها، أنه يُعبِّر عن انقسام جماهيري حاد في الموقف من أكثر من قضية وعنوان. انعكس ذلك في خارطة الاحزاب والتكتلات التي شهدها الكنيست. تمظهرت هذه الانقسامات في خارطة الاحزاب الموزعة بين احزاب حريدية، وأحزاب دينية صهيونية، وأحزاب علمانية يمينية متشددة، ويمين وهكذا... ويختلف هؤلاء في أكثر من تحدٍّ وقضية، من الموقف من ترؤس نتنياهو للحكومة المقبلة، إلى تجنيد الحريديم، إلى العديد من القضايا المتصلة بالهوية اليهودية والحياة اليومية في كيان العدو. وبحسب استطلاعات الرأي يُتوقع أن تتكرر في الكنيست المقبل، خارطة مشابهة لما هي عليه الان، بشكل أو بآخر.
مع أن الخارطة الايديولوجية والسياسية للاحزاب القائمة، ليست جديدة في أصل عناوينها وهويتها، لكن الجديد فيها تغير النسب بينها. ويعكس هذا التبدل تغير نسبة الجماهير التي تمثلها. ففي العقود الاولى من كيان العدو كان الجمهور العلماني يُمثِّل الأكثرية الساحقة، وكانت الهويات الاخرى من حريدية ودينية صهيونية، تتموضع على هامش الخارطة الحزبية والاجتماعية. أما الآن، فقد تغيرت النسب بينها، وبحسب رئيس الدولة رؤوبين ريفلين، أصبحت "إسرائيل" تتألف من أربع قبائل تتقارب نسبها فيما بينها، وهو ما يُفسر لنا حالة التجاذب والشلل الذي تشهده "إسرائيل".