kayhan.ir

رمز الخبر: 92082
تأريخ النشر : 2019March17 - 19:11

صواريخ غزة تكشف مردوعية نتنياهو

جهاد حيدر

ايا كانت ظروف ودوافع اطلاق الصاروخين اللذين استهدفا منطقة غوش دان في وسط الكيان الاسرائيلي، فقد كشفت مستوى الانكباح الاسرائيلي في مواجهة المقاومة في قطاع غزة. وايا كانت قناعة جيش الاحتلال بالتفسيرات التي قدمها حول أسباب اطلاق الصاروخين، (بالخطأ)، فقد كشفت ايضا عن حقيقة أن "اسرائيل" التي تتذرع عادة بأي حادثة فردية، لتنفيذ مخططاته، جهدت في البحث عن مبرر لعدم شن هجوم واسع ضد قطاع غزة، تفاديا للتدحرج نحو مواجهة واسعة ثبت أنها تبذل كل جهودها كي تتجنبها.

قد يصح القول أن التصعيد الذي شهده قطاع غزة خلال الساعات الماضية، لم يكن مفاجئاً بل كان من حيث المبدأ متوقعاً، بقدر، خاصة وأنه أتى بعد سلسلة من الحملات والتصعيد السياسي والتهويلي الذي يتوعد القطاع وفصائله المُقاوِمة. وأبرز من عبّر عن هذه الاجواء، رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، الذي قال بأنه سمع عن أشخاص في غزة "يقولون بما أننا في حملة انتخابية فإن عملية عسكرية واسعة غير واردة. اقترح على حماس ألا تعتمد على هذا، فسنفعل كل ما يلزم من أجل الامن والهدوء الى محيط القطاع، والى الجنوب (جنوب اسرائيل) بشكل عام". مع ذلك، فقد أتى سقوط الصاروخين كصاعقة في يوم صيف مشمس، وكان وقع دويهما في الاوساط الاسرائيلية، صاعقاً على مؤسسة القرار السياسي والامني.

لم ترد أي تقارير صحفية تشرح لنا كيف كانت ردة فعل نتنياهو الاولى لدى تلقيه المعلومات عن سقوط الصاروخين، أو لدى سماعه أصوات الانفجارات. لكن يمكن اطلاق العنان للخيال من أجل تصور حالته النفسية، والكلمات الاولى التي صدرت منه. وفي كل الاحوال، فقد سارع نتنياهو وبقية القادة الامنيين الى مبنى وزارة الحرب من اجل اجراء تقدير وضع خلص في النهاية الى رد مدروس ومضبوط لقطاع غزة، لكن اللافت أن الجيش اعلن في نهاية المطاف عن تقدير مفاده بأن الصاروخين انطلقا عن طريق الخطأ! وأنه لم يكن هناك نوايا لدى حماس باطلاقهما.

ينبغي التوقف طويلا عند هذا النوع من المبررات الذي من الصعب التصديق أن قادة جيش العدو مقتنعين به، لكنه يهدف الى صناعة سلم للنزول عن سقف التهديدات المرتفع. ويبدو أن هذا الموقف تبلور في أعقاب عرض مختلف الخيارات الماثلة أمام مؤسسة القرار، والتي تبدأ من الرد الشكلي وصولا الى رد القاسي والمؤلم.

ولا يخفى أن قيادة العدو تدرك بأن فصائل المقاومة سترد على أي ضربات دموية، ولديها خطوط حمراء سترد على تجاوزها من قبل العدو.. وهو ما سيؤدي الى حشره لرد مضاد يؤدي الى التدحرج نحو مواجهة واسعة. ولتفادي هذا السيناريو ابتعدت "اسرائيل" عن هذا المسار.

على خط مواز، روجت "اسرائيل" عبر وسائل اعلامها، بأن المجلس الوزاري المصغر، أعد خطة لاحتلال قطاع غزّة في أيّة حرب مقبلة، ونقلت عن مسؤولين كبار في الجيش الإسرائيليّ أن الخطّة التي بلورها الكابينت تتضمّن، بالإضافة إلى احتلال القطاع، الإضرار الشديد بحركة حماس وبقدرتها على التعافي من آثار الضربة، أو على الأقل تأجيل ذلك حتى التوصّل إلى حلّ سياسي مستقرّ ومتوافق عليه. واضافت الجهات الاعلامية بأن مسار المصادقة على الخطّة "طويل ومنظّم"، وتمّت في عهد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، "غادي أيزنكوت"، وعرضت، لاحقًا، على رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الحالي، أفيف كوخافي. وذكرت الجهات نفسها أن المرحلة الأولى الضربة الأولى والحاسمة سينفّذها سلاح الجوّ الإسرائيلي والاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن العام (الشاباك) وقيادة المنطقة الجنوبيّة.

في المقابل، من الواضح أن نشر مثل هذا التقرير في هذا التوقيت هو جزء من سياسة الردع التي تحاول "اسرائيل" التعويض من خلالها عن مفاعيل الرسائل الصاروخية التي استهدفت وسط الكيان الغاصب، وفي محاولة للضغط المضاد على الطرف الفلسطيني في سياق المفاوضات التي يجريها الطرف المصري.

في كل الاحوال ينبغي تسجيل النقاط التالية:

أكدت الصواريخ وما أعقبها من اعتداءات اسرائيلية، بأن دينامية التطورات يمكن أن تدفع في لحظة ما، الى تصعيد قد لا يكون محسوباً من قبل أي من الطرفين، أو كلاهما. في المقابل، كشفت الحادثة ايضا عن أن الطرفين حريصين حتى الان على عدم الاندفاع نحو مواجهة واسعة في هذه المرحلة، وكلٌ لأسبابه.

مع ذلك، هناك قدر من التسالم في كيان العدو بأن قوة الردع الاسرائيلية تراجعت عما كانت عليه، وحتى في مواجهة قطاع غزة، وبالرغم مما يتمتع به من تفوق تكنولوجي وعسكري ويمتلك قدرات تدميرية هائلة.

تبقى حقيقة أساسية وهي أن حجم التناقض أكبر من أن يتم ردمه أو جَسره، وهو أمر مفهوم وطبيعي بين مُحتل وشعب يقاوم الاحتلال. مع ذلك، فإن "اسرائيل" تريد المحافظة على الهدوء، والامتناع عن التصعيد، ومنع تعاظم قدرات فصائل المقاومة، ومواصلة الضغط الحياتي على سكان القطاع... وكل ذلك في الوقت نفسه. وهو أمر قد يستمر لفترة محدودة لكن من الصعب جداً الجمع بينها كلها.

العامل الاضافي الذي يفاقم من التحدي، هو الحملة الانتخابية التي تمر بها "اسرائيل"، حيث تدخل المصالح الانتخابية كعامل أساسي في بلورة الخيارات والقرارات السياسية والعملانية. وينظرون في تل ابيب الى الكثير من الخطوات التي يقدم عليها الطرف الفلسطيني في هذا التوقيت، من منظور مفاعيلها الانتخابية. وهكذا يبقى العدو أسير معادلة الردع المتبادل، والحسابات الداخلية..