الباغوز.. صفقة "داعش" الأخيرة
ديمة ناصيف
الباغوز وشرق الفرات يعيد فتح المشهد السوري على تعقيد جديد وربما يعيد إحياء المشروع الأمريكي بإغلاق الحدود السورية العراقية، وإغلاق أي محاولة لفتح طريق الإمداد البري طهران بغداد دمشق.
لا يمكن قراءة معركة الباغوز، ببعدها العسكري وأنها معركة في سياق كل المعارك التي كانت بمواجهة تنظيم "داعش" الارهابي في العراق وسوريا منذ عام وصولا للباغوز، ولا يزال مبكراً معرفة حجم الصفقات التي أبرمها التحالف والفصائل الكردية مع التنظيم، التي تبدأ بخروج آلاف المسلحين وعائلاتهم وقد لا تنتهي بمنح مسلحين من التنظيم جوازات سفر مزيفة لنقلهم إلى العراق كما اتهمت صحيفة يني شفق التركية واشنطن.
ولا أحد يعرف تماماً ما هو مصير الآلاف من مسلحي التنظيم الارهابي المحتجزين بما يشبه المعتقلات الخاصّة في ريف الحسكة، وإذا ما كان بالفعل هناك مخطط لمنحهم بطاقات عبور الى العراق من المخابرات الفرنسية والبريطانية والاسرائيلية بعد التحقيق معهم بحسب ماترد المعلومات من المنطقة.
تهجير داعش من سوريا إلى العراق كما تسعى واشنطن كما يبدو، لن ينهي التنظيم بل بمنحه فرصة لإعادة تنظيم صفوفه وربما القيام بغزوات جديدة كما كان في الموصل قبل خمس سنوات، خاصة إن عملية استلام الحكومة العراقية لهم قد تأخذ وقتا طويلا للتدقيق والمسح الأمني بعشرين ألف عراقي بينهم نساء واطفال وصلوا إلى الهول من الباغوز وجيب هجين.
ويبدو أن التحالف وحده من يحتكر الصورة والرواية حول الباغوز، وأسرار أكبر عملية إخلاء لمسلحي تنظيم إرهابي، تمهيداً لنقله أو استخدامه في مناطق أخرى بعد انتهاء الحاجة إليه ربما في سوريا.
فيما تعبر "قسد” عن دورها الثانوي فيما يحصل، من خلال تصريحات اعلامية نسبت لقيادي ميداني عن تمكن واشنطن من الحصول على ثروات التنظيم، ومنح جزء يسير منه لقواتهم.
ولكي يكتمل طقس الاستعراض الغربي في الباغوز، الصواريخ تطلقها الرافال الفرنسية من حاملة الطائرات شارل ديغول، لتبرير بقاء القوات الفرنسية وبأن باريس باتت لاعبا أساسيا في الملف السوري. حتى مع إعلان ترامب العودة عن قراره سحب القوات الأميركية من سوريا، فتبادل الأدوار والنفوذ فرنسيا واميركيا والابقاء على نواة داعشية تبرر وجود القوات الأجنبية في أفغانستان والعراق والاحتفاظ بوجود ملتصق بالكرد للضغط على دمشق وأنقرة، تسعى باريس لحماية منطقة شرق الفرات منعا لتسليمها لدمشق وحلفائها أولا وللإبقاء على توتر مفيد لسوق الأسلحة الفرنسية ومنع الاستقرار الذي سيؤسس للعملية السياسية في سوريا.
ولعل شروط التسوية التي أخرجت التنظيم من جحره الأخير، تفسر رهان التنظيم على الاستمرار في نهجه وعقيدته، يبدو التسجيل الذي أصدره التنظيم بعنوان "الثبات من الباغوز” شكلاً من أشكال الدعاية وتحفيز أتباعه بخطاب ايديولوجي وأناشيد دينية، بعد هزيمته وخسارته لآخر معاقله في سوريا، اعتمد فيه صورة لا تشبه ما كان يعتمده التنظيم من صور القتل وقطع الرؤوس ليرهب به خصومه، وبأن خسارة الباغوز ليست إلا جولة من جولات القتال وان ولائهم لا يزال للبغدادي. أمر يتقاطع مع شهادة جوزيف فوتيل قائد القيادة الوسطى الأمريكية أمام الكونغرس قال فيها: "إن عناصر التنظيم غير تائبين أو منكسرين ومستعدين للعودة إلى القتال وإن الانتصار على التنظيم لا يزال بعيداً”.
الباغوز وشرق الفرات يعيد فتح المشهد السوري على تعقيد جديد وربما يعيد إحياء المشروع الأميركي بإغلاق الحدود السورية العراقية، وإغلاق أي محاولة لفتح طريق الإمداد البري طهران بغداد دمشق.