kayhan.ir

رمز الخبر: 91826
تأريخ النشر : 2019March12 - 19:43

الفساد في لبنان.. بين المكافحة والحلول الفاسدة!


محمد علي جعفر

يعيش لبنان مرحلة مفصلية. ليس لأن الطبقة السياسية أو ما يُعرف بالنخبة الحاكمة تقارب بجدية شؤون المواطنين اللبنانيين، بل لأن الأزمات الاقتصادية التي يعيشها العالم، والمنطقة، لن تكون بعيدة عن اللبنانيين.

منذ فترة والحديث يجري حول ملف مكافحة الفساد في لبنان كبوابة للحلول. بات الملف موضة الإعلام ولغة أهل السياسة. لم تجرِ أي تطورات سوى خروج لغة الخطوط الحمراء، والتي يبدو أنها أثبتت ما كان واضحاً منذ البداية، فيما يخص المسار الاستراتيجي لما تعنيه مسألة مكافحة الفساد في بلدٍ مثل لبنان.

بعد لغة الخطوط الحمراء، وإدخال العامل المذهبي في النقاش الدائر، بات مؤكداً أن مكافحة الفساد، وإن كان الجميع ينادي بها، جاءت من فحوى الصراع السياسي. لا يختلف اللبنانيون أن قصة مكافحة الفساد، جاءت في لحظة تحول سياسية، فرضت التوجه الى مصالح المواطنين. لكن من الذي قال إن ما يجري في لبنان هو لصالح المواطن؟ وأين هي المصلحة التي تحققت؟

شبح الانهيار المالي والإفلاس الاقتصادي، والحالة الاجتماعية المزرية للمواطن اللبناني، والتصدع الإداري وفراغ الإنتاجية في القطاع العام، والتحديات الإقليمية، وحاجة لبنان للاستدانة، دفعت المسؤولين للوقوف عند الأزمة. هناك الصادقون في ذلك، وهناك أصحاب الحسابات الخاصة. يختلف الطرفان جذرياً في الأهداف والنوايا، لكن غياب القيم الجامعة والمفاهيم الموحدة لما تعنيه الدولة والكيان، يبدو أنها ستبقى العامل الأقوى من الجميع. هكذا يضيع جهد الغيارى على الوطن، ويختبئ أصحاب المصالح خلف الشعارات الوهمية.

المعضلة الحقيقة في لبنان، ليست في الفساد الذي هو نتيجة. المعضلة الحقيقية هي في غياب المفاهيم الوطنية الجامعة واللغة المشتركة.

وهو ما ينطبق على مفهوم الدولة وما يرتبط بها من معاني وقيم الدولة. ولأن الفساد مشكلة، وبالتالي فهو مفهوم يحتاج الى تعريف من منظار لبناني بحسب الواقع، وليس من منظار علمي فقط، فلا يبدو أن اللبنانيين متفاهمون حول ذلك، لنجد أننا أمام موضوعٍ، بات الاختلاف على تعريفه (اي الفساد) أكبر من الاختلاف على الخطوات العملية لمكافحته. ما يعني أننا ما زلنا أمام مسارٍ طويلٍ جداً، يتعلق مباشرةً بالطبقة السياسية أي بالعقلية الحاكمة والنظام الحالي والثقافة اللبنانية والحسابات الضيقة. هكذا أصبح ملف مكافحة الفساد، مسألة تجاذب داخلي، سقفها المصالح السياسية، تتقاذفها الأطراف ضمن بازار الحسابات اللبنانية. هنا تأتي خطورة أن تُصبح المعركة وهمية، وتخرج بالتالي عن هدفها، فتشكل خطراً على النسيج اللبناني. هذا باختصار التقييم الأكثر تفاؤلاً لما تبدو عليه مسألة مكافحة الفساد في لبنان.

فيما يخص بعض الحلول المطروحة، يغيب الوضوح ويكثر الاستقواء. لا يمكن اخفاء ما يشكله موضوع غياب المعايير من نقطة ضعف في هكذا ملف. يتعلق ذلك مباشرة بما ذكرناه حول غياب التعريف اللبناني الجامع لما يعنيه الفساد، وهو ما سيترتب عليه الكثير من الخطوط الحمراء المستقبلية! لا بد من نسج تعريف قانوني للفساد والفاسدين، ما يستوجب أن تتبعه آليات دستورية قضائية، وهو ما يمكن أن يُحقق نقلة نوعية إن تطابق ذلك مع الواقع اللبناني. لا بد أن يبدأ من بواية التشريع، فيتلاقى ممثلو الشعب (النواب) مع (أهل القانون) القضاء الذي يجب أن يُبرهن أنه لم يعد هناك مكان لتجميد القضايا وإغلاقها.

في لبنان بدأت مكافحة الفساد من بوابة الإعلام. أدخل السياسيون الملف في بازار التجاذب السياسي. هي نتيجة طبيعية لملفٍ ولَّدته اللحظة السياسية اللبنانية. الحديث ليس تقييماً للنوايا، بل الحديث حول النتائج. المواطن اللبناني لا تكفيه المواساة، بل يحتاج لحلولٍ جذرية. لكن يبدو أن الطبقة السياسية لم تُدرك ذلك حتى اليوم. فالنظام الذي ولّد هذه الطبقة هو نفسه الذي يُنتج الحلول الإصلاحية. حلولٌ تنفع لكل شيء سوى المعالجة. آخرها سياسة "PPP" الاقتصادية أو ما يُعرف بـ "الشراكة بين القطاعين العام والخاص". تُصدِّرها الينا الدول الغربية بعد أن توقفت عن استخدامها. حيث إن هذه الدول توجهت للفصل بين القطاعين. اليوم تفرض هذه الدول (عبر مؤتمر سيدر) شروطاً تتناقض مع توجهاتها وسياساتها الاقتصادية الخاصة ببلدانها لرفضهم رهن حقوق المواطن الطبيعية (الكهراء، الغاز المياه..) لشركات تسعى للربح. لكن ذلك لا ينطبق على الحالة اللبنانية. هنا يتلاقى أصحاب الفكر الرأسمالي في الداخل اللبناني والخارج الغربي. هل ينتبه اللبنانيون الى أن حُكام القطاع الخاص في لبنان هم أنفسهم النخبة الحاكمة لقطاع الدولة؟

مع الإجابة عن هذا السؤال يُصبح جلياً لماذا دفعت الدولة من أموال الخزينة العامة لشركة ماكينزي للاستشارات، في حين أن هذه الشركة متهمة بالفساد في أمريكا! ويفهم اللبنانيون أن الحلول المطروحة ليست سوى فصل من فصول الأزمة المقبلة. ويدركون أكثر، أنهم (المواطنون اللبنانيون) ليسوا سوى أرقام في حسابات تجار الدولة اللبنانية. لذلك صدق من قال إن مكافحة الفساد هي معركة مقدسة وواجبة، ولا تقل أهمية عن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي!