kayhan.ir

رمز الخبر: 91760
تأريخ النشر : 2019March11 - 19:56

الراهن السوداني وسياسة النفس الطويل


اسامه شيخ

فرضت قوات الأمن والشرطة الاحد طوقا أمنيا على دار حزب الأمة القومي بامدرمان وقطعت الطريق أمام موكب دعت له قوى التغيير والحرية انطلق من أمام دار حزب الأمة إلى البرلمان لتسليم مذكرة ترفض قانون الطوارئ.

واعتقلت قوات الأمن كلا من نائب رئيس حزب الأمة مريم الصادق المهدي وشقيقتها رباح وآخرين وقدمت مريم لمحاكمة فورية حيث حكمت عليها بالسجن لمدة أسبوع والغرامة بالفي جنيه سوداني ورفضت مريم الغرامة وفضلت عقوبة السجن البديلة.

ورغم الحصار والانتشار الأمني الكثيف انطلقت مظاهرات من أحياء البوستة وودنوباوي وبيت المال والمودة وشارع الفيل والعباسية وأمام ميدان الخليفة في مدينة ام درمان.

وتظاهر الآلاف في شوارع أم درمان وفي الصحافة وبري بالخرطوم وفي جامعات الحياة والبيان والوطنية واليرموك والسودان العالمية وابن سينا والفجر.

وردد المتظاهرون هتافات الثورة حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب في وقت طرد ثوار بري قوات تابعة لجهاز الأمن بعد رميهم بالحجارة ورفع ثوار الصحافة لافتات تمجد تجمع المهنيين السودانيين الذي كان قد دعا للتظاهر رفضا لقانون الطوارئ.

وتواصلت محاكم الطوارئ في عقد عدة محاكمات على متظاهرين في الخرطوم والكلاكلة وأم درمان وحكمت بالبراءة على معظمهم بينما تفاوتت الأحكام الأخرى ما بين السجن لشهور وأسابيع مع الغرامة أو بالغرامة فقط ودافع عشرات المحامين المتطوعين عن المتظاهرين داخل المحاكم.

كما تظاهرت اعداد غفيرة من المواطنين في عدة مدن سودانية تلبية لدعوة تجمع المهنيين السودانيين ورفضا لقانون الطوارئ المجحف.

كان هذا سردا مختصرا لمجريات الاحداث في السودان والتي لم تتواقف طوال فترة الثلاثة اشهر الماضية محافظة على سلميتها وعلى هدوئها رغم القمع الممنهج والاستفزازات التي تمارسها القوات الامنية .

تجمع المهنيين الذي يدير المعركة ببراعة فائقة استطاع حسب مراقبين دوزنة ايقاع الشارع والحيلولة دون انجراره وراء الاستفزازات التي سعى منفذوها الي سوق الشارع الى مواجهات عنيفة قد تصل الى حد المواجهات المسلحة . ومن خلال تغيير التكتيك استطاع هذا التجمع المحافظة على شمعة الحماس الشعبي من الانطفاء فكانت برامجه للتظاهر او الاضراب او العصيان المدني تأتي متناغمة مع حالة الشارع فلذلك كانت الاستجابة الشعبية لتلك الدعوات واسعة .

الحكومة حاولت تغيير سياساتها لؤاد الحراك الشعبي فكانت قرارات الجمعة الشهيرة التي حلت بموجبها حكومة الوفاق واعلنت حالة الطوارئ الا ان الاستجابة المتأخرة لمطالب الجماهير رسخت لديهم مفهوم عدم مبالاة الحكومة بمطالبهم المشروعة وجاءت بنتائج عكسية فكان جواب الجماهير بتظاهرة تلو الاخرى.

المواطن السوداني حسب مراقبين لم يعد يعير تلك القرارات اهمية تذكر بعد ان طفح كيله واصبح الامر كلعبة تبادل الكراسي ، فالقطط السمان التي توعدها مدير جهاز الامن والمخابرات صلاح قوش لاتزال تمارس هوايتها كما انها حرة طليقة ، وقيادات الحزب الحاكم التي اشتهرت بالفساد لاتزال تأمر وتنهي ، الوضع الاقتصادي الذي اثقل كاهل هذا الشعب لايزال على سوئه، كل هذه الاسباب مجتمعة اطالت عمر الازمة الراهنة.

فالشارع والقيادات السياسية للاحزاب التقليدية وتجمع المهنيين السودانيين يؤكدون على حتمية السقوط ويعتقدون حسب خطاباتهم ان المسألة ، مسألة وقت ليس الا . ويراهنون على صمود الشارع الثائر ضد حكومة الرئيس عمر البشير ، واشار الكثير من قيادات المعارضة الى نجاح سياسة الاستنزاف السلمي التي يمارسونها ضد النظام مؤكدين على انها ستؤتي اكلها ولو بعد حين لان موارد النظام المحدودة بدات في النفاد وان الجيوش المجيشة التي تعمل جاهدة على قمع المتظاهرين تحتاج الى ميزانية كبيرة لتغطية تكاليفها ناهيك عن مشقة العمل ليل نهار لاخماد الحراك الشعبي.

وقد مارس المعارضون ضغوطا نفسية كبيرة على منتسبي الاجهزة الامنية والشرطة وذلك بعرض افلام موثقة للفظائع التي ترتكب وقاموا ايضا بفضح العديد منهم باسمائهم ومناطق سكنهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي .

حكومة الرئيس عمر البشير في وضع لاتحسد عليه الان بعد ان تنكر لها القريب والبعيد واضاعت فرصا كثيرة خلال ثلاثين عاما من حكمها لاسترضاء هذا الشعب العظيم والان هي بين مطرقة الاحتجاجات والسخط الشعبي وسندان المحكمة الدولية التي تنتظر مآلات الاوضاع في السودان لتبت في قضية جرائم الحرب التي تلاحق الرئيس البشير وبعض قيادات حزبه.