حوار عربي ـ أوروبي على وقع الخلاف الأوروبي ـ الأمريكي
سركيس أبوزيد
في مدينة شرم الشيخ المصرية عُقدت أعمال القمة العربية ـ الأوروبية الأولى من نوعها، بحضور رفيع المستوى من ملوك ورؤساء دول وحكومات ووزراء في 50 دولة من الطرفين العربي والأوروبي، وهي تتوّج مسيرة حوار وتعاون بين العرب والأوروبيين تمتد لسنوات وعقود، وبنفس الوقت تعكس حاجة مشتركة الى تعميق وتعزيز و"مأسسة" العلاقات، نظرا لحجم التحديات والأزمات "ذات الاهتمام المشترك". وقد ضمت القمة تمثيلاً سياسياً لمجموعتين جارتين من 50 دولة ( 28 أوروبية و 22 عربية).
وشدد البيان الختامي للقمة على الوصول إلى حلول سياسية لأزمات المنطقة بدءا بالنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إذ عبر الطرفان عن مواقف مشتركة لجهة التمسك بمسار السلام ووضع القدس واعتبار المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة خروجا عن الشرعية الدولية. وجدد الطرفان تمسكهما بالوصول إلى حل الدولتين كحل واقعي وحيد.
ورداً على الرأي القائل إن المشكلات التي يعاني منها العالم العربي اليوم: الحرب على سوريا، الوضع في ليبيا والعراق والسودان، الإرهاب، إيران، وبلدان الاتحاد الأوروبي والهجرات المكثفة، (بريكست)، صعود الشعبوية، لا توفر المناخ المناسب لتعزيز التعاون بين المجموعتين، ترد المصادر الأوروبية بتأكيد العكس، لأن الأوضاع المضطربة يجب أن تحفز الجانبين على العمل معاً لمواجهتها، خصوصا أن ما يصيب الأول ينعكس على الآخر، والعكس صحيح.
بيد أن التوافق على العناوين لا يعني بالضرورة أن الطرفين متفقان على المضامين وعلى السياسات والتفاصيل، أو أن القمة ستوفر قفزة في التعاون بينهما. فالملاحظة الأولى بشأن هذه القمة تتعلق بالطيف الأميركي المهيمن عليها، بعدما شكلت السياسة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب عاملا دافعا ومسرّعا للتقارب والتحالف العربي ـ الأوروبي.
ويكفي أن قمة شرم الشيخ انعقدت في ذروة التوتر والخلاف بين أوروبا وأميركا، وبعد مؤتمري وارسو وميونيخ اللذين كشفا وأكدا هذا الخلاف الذي بدأ منذ لحظة وصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الأبيض، وسار في منحى تصاعدي وخرج الى العلن بقوة. وهذا ما كشفه مؤتمر وارسو الذي نظمته واشنطن "ضد إيران ومن أجل" إسرائيل" وسجل "شبه مقاطعة أوروبية"، وما كشفه خصوصا مؤتمر ميونيخ مؤخراً أيضاً، حيث برزت الخلافات على نطاق واسع ورفعت الإدارة الأميركية تمثيلها في المناسبتين الى مستوى نائب الرئيس مايك بنس بدلا من وزير خارجيتها مايك بومبيو، لأن إدارة ترامب أرادت استغلال المؤتمرين لشن هجوم دبلوماسي على شركائها بسبب ابتعاد مواقفهم عن مواقفها في كثير من الملفات الأساسية، وتراكم الخلافات بين ضفتي الأطلسي.
وفي ميونيخ أضاف الأميركيون للخلافات بشأن إيران، خلافات إضافية بشأن روسيا وحلف "الناتو"، وخطط الدفاع، مع أن كلمة نائب الرئيس تضمنت تكرارا للمواقف السابقة نفسها من إيران، وكرر وصفها بأنها الراعي الأول للإرهاب في العالم، وطالب بسياسة حازمة ضدها. وقال بكثير من التبجح:" إن إدارة ترامب أعادت قيادة العالم الى أميركا. وفي حين هدد إيران بالعقوبات والعزلة، ندد بسياسة الشركاء الأوروبيين المقصّرة في تحمّل نفقات الدفاع والشراكة الأمنية في حلف "الناتو".
كما ندد بسياسة التعاون الاقتصادي بين بعض الدول الأوروبية وروسيا، ودافع عن الانسحاب من المعاهدة النووية للصواريخ النووية المتوسطة المدى مع روسيا، وطالب الشركاء بالاقتداء بسياسة واشنطن الخارجية في كثير من المجالات بعدم التعاون مع روسيا في المجالات الاقتصادية، وقال:"لا يمكننا ضمان الدفاع عن الغرب في حال ازداد اعتماد حلفائنا على الشرق"، وانتقد اتفاقات الأسلحة التي ينوي أعضاء في الأطلسي إبرامها مع روسيا، وهي إشارة لتركيا. وانتقد قرار فرنسا وألمانيا وبريطانيا السماح للشركات الأوروبية بمواصلة عملياتها التجارية في إيران، وكسر العقوبات الأميركية.
في المقابل رد ممثلو الدول الأوروبية بقوة على خطاب بنس، فأعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنها تتفق مع ترامب في خطر الاتفاق النووي، لكنها تختلف معه في جدوى الانسحاب منه. وشدد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس على انه:" من دون الاتفاق "لن تكون المنطقة في أمان، بل سنكون أقرب الى احتمال اندلاع مواجهة مفتوحة". وأكدت فيديركا موغيريني مسؤولة السياسة الخارجية تمسك الاتحاد الأوروبي بالاتفاق النووي مع إيران من أجل أمن أوروبا.
وبينما أكد بنس أن سحب القوات الأميركية من سوريا هو تعديل في أساليب العمل، لا تغيير في الاستراتجيية، وقال: "إن المهمة في سوريا ستنقل لحلفاء واشنطن، وسيتم دعمهم"، سخرت ميركل من سحب القوات الأميركية من سوريا بينما يزعم ترامب أنه يريد مواجهة إيران. وقالت إن الإنسحاب يخدم إيران وروسيا. وشارك وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان بالسخرية من ترامب لأنه "يترك سوريا بينما يطالبنا بالبقاء فيها". ودعت ميركل الرئيس الأميركي الى مخاطبة أوروبا بنبرة أكثر عقلانية في حديثه عن الشراكة معها، وذكرته بأن أوروبا كانت شريكا وحليفا في مهمة مشتركة، للحفاظ على الأمن الدولي من خلال حلف "الناتو".
من الواضح أن الخلافات بين حلفاء الأمس تتعمّق وتأخذ بعدا عدائيا خطيرا، لا بسبب نبرة ترامب وبنس كما قالت ميركل، ولكن بسبب تغيّرات جيوسياسية بدأت مع نهاية الحرب الباردة وزوال الخطر، واختلاف المصالح الأمنية والمادية. فالاتحاد الأوروبي يمر بحالة من الضعف والوهن، وانشغال دول عدة وأساسية مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا بمشاكل داخلية. لذلك فإن أوروبا تتحرك على مسارين: أولهما تعزيز وحدتها السياسية واستقلاليتها، وتخفيف التوتر مع روسيا، والمسار الثاني اعتماد أوروبا على قواها في الدفاع عن نفسها. ناهيك عن حالة الاضطراب التي ترزح تحتها المنطقة العربية، ومشاريع التقسيمات الجديدة للشرق الأوسط القديمة ـ الجديدة التي تعمل واشنطن على تنفيذها وبالتالي تمرير "صفقة القرن" لضمان أمن "إسرائيل" والإجهاض على القضية الفلسطينية.
ملاحظة اخيرة: بعض الدول العربية التابعة للسياسة الاميركية ستُربك كلما ازداد الخلاف بين ضفتي المتوسط .