جولة جديدة من محادثات أستانة وتقارب تركي كردي بوساطة أميركية
حسين مرتضى
إنها أستانة من جديد على خط الحراك السياسي حول سورية، والزمان في منتصف شهر شباط/ فبراير الحالي، هذا ما أعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أثناء لقائه نظيره الكازاخي بيبوت أتامكولوف، لكن هذه المرة كان تفاؤل لافروف مرتفعاً، حيث اعتبر انه من الممكن أن تستخدم تركيا وسورية اتفاقية أضنة لتوفير الأمن على الحدود السورية التركية.
اللافت في إعلان موعد اجتماع أستانة، كان في كلام لافروف الذي أكد انّ تمركز جبهة النصرة في إدلب لا يتوافق مع اتفاقات موسكو وأنقرة من أجل حلّ مشكلة هذه المنطقة، وانّ الجيش السوري جاهز لإنهاء هذه البؤرة بشكل كامل. ما يعني انّ الاتفاقات التركية الروسية لم تستطع تجاوز تراكم الخلاف بين الروسي والتركي، وحتى التركي والإيراني، وأنّ ما حصل في الاتفاق حول إدلب، ما هو إلا محاولة لتبريد الجبهة. وهو أمر قابل للتكرار في كلّ اجتماع أو لقاء أو مؤتمر حول سورية، فما جدوى اجتماع أستانة إنْ كان سيعود الى هذه الآلية بتجميد المناطق، نظراً للفجوة العميقة بين الأجندات والتموضع السياسي لكلّ من أطراف أستانة، واختلاف خريطة الأولويات بين التركي والأميركي من جهة، والروسي والتركي من جهة أخرى ما يؤدّي الى تكرار المشهد السياسي في أستانة من جديد، مع انها فرصة متاحة للاستثمار في ورقة تمركز جبهة النصرة في إدلب، بعدما فرغت الجعبة التركية من أيّ أوراق، إثر الاقتتال بين المجموعات المسلحة وهيمنة النصرة على ريف حلب وإدلب وجزء من ريف حماة؟ وهذا يعني أنّ اي ترميم للصورة في تلك المناطق من قبل تركيا، ستكون باهتة وساذجة ولا ترتقي حتى للمجاملات الدبلوماسية.
هذا المشهد المعقد في شمال سورية، يأتي عشية الإعلان عن اجتماع أستانة، ويترافق مع استمرار الجانب التركي ممارسة لعبة استثمار الوقت، بالتزامن مع التزامه الضمني مع الأميركي، الذي يحاول التقريب بين الأكراد والأتراك، بهدف واضح وهو منع دخول الجيش السوري الى المناطق في شمال وشمال شرق البلاد، والمقابل ضمن البراغماتية السياسية، هو أن يدعم الأكراد التركي في الانتخابات المقبلة، ما يعني أنّ قضية إدلب، واستغلال التركي كلّ المساحات الوقتية الممكنة في العملية السياسية، من خلال العلاقات النشطة مع المجموعات الإرهابية، واستثمار قرار الانسحاب الأميركي الوهمي من الشمال، بنى عليه العديد من الافتراضات السياسية من خلال المساومة والابتزاز، حيث ركب موجة الحديث الأميركي، ودخل في بازار سياسي، مكشوف التوجه، لكن هذه المرة أضيف اليه ملف الانتخابات، لكون الوضع الداخلي لأردوغان مربك، فكان الافتراض والرهان أن لا يهاجم الأكراد في شمال سورية، مقابل أصوات المدن الكردية في جنوب تركيا. والوسيط في هذه الفرضية هو حزب الشعب الكردي في تركيا، ويأتي الترتيب مع الأميركي في هذه الفرضية، بأن يضمن وجوداً آمناً للوحدات الكردية في شرق الفرات، وتنظيف السجون من المعتقلين الأكراد، مقابل أن يضمن الأميركي وحزب الشعب الكردي عدم تقديم أيّ من المرشحين، في مدن ذات أغلبية كردية في جنوب تركيا، ومنها غازي عنتاب وأورفة وأضنة ومرسين. وما يثير الدهشة، أنّ التركي يحاول إقناع الأميركي أنّ هذه الخطوة ستساهم في إطلاق مفاوضات سياسية تحقق نتائج مهمة في سورية.
اجتماعات أستانة المقبلة والتي يعود فيها التركي من جديد بكامل بؤسه السياسي، يثير الريبة والحذر من أيّ نتائج ملموسة على الأرض، لكونه سيعيد العبارات نفسها التي ستطرح على مسامع الروسي والإيراني، ويردّد ما يريده الأميركي من جديد في ما يخص منطقة إدلب أو الانسحاب أو مناطق شمال وشمال شرق سورية، لكون التركي الذي يتحالف مع الأميركي بشكل ضمني، ويفاوض الروسي والإيراني بوجه مختلف، لا يستطيع الخروج من عباءة دعم الإرهاب، المصنوعة على مقاسه بدقة، ضمن المشهد السياسي في المنطقة، والتي فصلتها له الولايات المتحدة الأميركية، وهي ما ستساهم أيضاً بانتشاله السياسي في تركيا ضمن الانتخابات المقبلة، بالإضافة إلى فرضية التحالف مع الأكراد، وكسب أصواتهم.