kayhan.ir

رمز الخبر: 89678
تأريخ النشر : 2019January30 - 19:48

من وحي مقابلة السيد نصر الله مع "الميادين"


حميد رزق

هناك قائدان اثنان فقط في الوطن العربي، ومن يدعي غير هذه الحقيقة فهو يجافي الواقع ويقفز على المسلمة التي تعكسها تطورات الاحداث في الساحة العربية من اليمن جنوبا الى سوريا ولبنان شمالا، سماحة السيد حسن نصر الله وسماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي اعادا تذكير العالم ان في الخارطة أمة عربية لها كيان وانتماء وقضية.

في مقابلته مع الميادين انعش السيد نصر الله الامل في صدور ملايين العرب بعد سنوات من انتكاسة ما يسمى بالربيع العربي الذي تحول الى نكبات دامية وصراعات جهوية وطائفية اثر التدخل الامريكي السعودي لاختطاف الثورات الشعبية التي اندلعت قبل ثمانية اعوام.

سوريا كانت ساحة الصراع بين معسكرين الاول امريكي غربي رأس حربته النظام السعودي والمعسكر الثاني محور المقاومة رأس حربته حزب الله بقيادة السيد حسن نصر الله.

لم تكن آراء الخبراء والمراقبين تتوقع فشل الفريق الاول في اسقاط سوريا وتغيير نظامها الذي مرت به ظروف صعبة وتمت محاصرته في حيز جغرافي محدود داخل دمشق العاصمة.

كان يقين محور طهران بيروت ان سقوط نظام بشار الاسد لا يعني خسارة بالنقاط في معركتهم الطويلة مع المشروع الامريكي ولكنها خسارة تهدد ابرز اعمدة هذا المحور ممثلا في حزب الله وبيئته الاجتماعية في لبنان.

وعلى مدى ثماني سنوات شهدت سوريا اعنف مراحل الصراع واقساها خاصة بعد الزج بعشرات الاف العناصر المتطرفة للقتال الى جانب المعارضة السورية مثل جبهة النصرة وداعش وعشرات الفصائل الاسلاموية التي تولت السعودية ودول الخليج الفارسي تمويلها ودعمها.

الدبلوماسية الايرانية المعروفة بالدهاء نجحت في اشراك روسيا بالمواجهة فأسهم ذلك في تقليص الخيارات الامريكية. واليوم وبعد مرور ثمانية اعوام انتصر صاحب النفس الطويل وخرج السيد نصر الله مبتسما ومعلنا الانتصار الكبير لمحور المقاومة في الساحة السورية.

حزب الله الذي كانت له تجارب عسكرية في مساحات غير كبيرة بجنوب لبنان ضد الجيش الاسرائيلي عادت عليه الحرب السورية بمنافع كثيرة وباتت سوريا البلد الكبير ساحة مناورة حقيقية استمرت سنوات عدة وبالتالي فإن حزب الله ما بعد انتصار سوريا ليس كما قبله وبقدر تقدم محور المقاومة يتراجع محور ترامب ونتنياهو ومحمد بن سلمان.

لكن المعركة جنوبا تحديدا في اليمن لا تزال محتدمة وتوشك ان تدخل عامها الخامس بعكس كل التوقعات والسيناريوها المرسومة. والسعودية التي بذلت جهوداً مضنية لتحجز لها مساحة نفوذ وهيمنة في سوريا ولبنان وجدت نفسها تغرق في رمال جارتها اللصيقة "اليمن". وما يسمى بالتحالف العربي المدعوم امريكيا لم يفلح في منح حلف واشنطن والرياض مكسبا يعوض عن خسارتهما في سوريا. ومع مرور الشهور والسنوات في ظل الفشل العسكري للسعودية في اليمن انتقلت التهديدات الوجودية التي دهمت ظهر المقاومة اللبنانية في السنوات الماضية لتصبح تهديدا وجوديا ولكن في خاصرة النظام السعودي والفضل في ذلك للغباء السعودي الذي لم يحسن تقدير المعركة ولم يستفد من تجارب المصريين والعثمانيين في محاولاتهم غزو اليمن.

وبالتالي فالخسارة السعودية الامريكية في اليمن تشبه في خطورتها التداعيات الخطيرة التي كانت ستحل بمحور بيروت طهران فيما لو ربحت واشنطن وتل ابيب والرياض الحرب السورية.

ومن هذه الخلفية نكتشف سر اصرار امريكا والسعودية على استمرار الحرب على اليمن برغم الكارثة الانسانية الاكبر على مستوى العالم. وثمة من يرى من المراقبين ان اتفاق السويد بين حكومة صنعاء وحكومة المنفى برئاسة هادي لم تكن غير محطة هروب وتحايل امريكي تفادياً لتحمل تبعات الكارثة الانسانية في اليمن ومحاولة رمي المسؤولية على الرياض وحدها..

لكن وبمعزل عن الاضرار الكارثية والمأساة الانسانية التي ألحقتها السعوديه بالمدنيين في جارتها الجنوبية الا ان الحسم العسكري بعيد المنال والاهم من ذلك تنامي القوة العسكرية لانصار الله والجيش اليمني على نحو لم يكن حاصلاً قبل عاصفة الحزم بل وحتى ايام نظام علي عبد الله صالح. وما لم تحققه السعودية خلال اربع سنوات من الحرب والحصار لن تحصل عليه وقد اصبحت الازمات تحاصرها من كل الجهات. فمن ازمتها مع قطر الى قضية خاشقجي والأزمة مع تركيا بالاضافة الى ملفات حقوق الانسان التي غيرت مواقف عواصم عربية كثيرة ازاء الحرب على اليمن ومع مرور الوقت انفرط عقد ما يسمى بالتحالف العربي واصبح النظام السعودي وحده عالقا في الرمال اليمنية عاجزاً عن ايجاد مخرج يضمن له نصراً شكلياً يحفظ له ماء وجهه ويحول دون ارتدادات الفشل التي يمكن ان تضرب مستقبل النظام السعودي وتصيبه في مقتل.

بامكان النظام السعودي لو انه لا يزال يفكر ولو بقليل من الحكمة ان يستفيد من هامش الوقت ويسارع للاستفادة من اتفاق السويد كمخرج يحول بينه وبين ما هو اخطر على مستقبله في ظل تراجع الحضور العسكري الامريكي بالمنطقة..

وايا تكن الخيارات السعودية فقد بات اليمن وانصار الله بقيادة السيد عبد الملك الحوثي قوة عسكرية وشعبية ضاربة يستحيل القضاء عليها. ومن الخطأ الفادح ان يستمر النظام السعودي في التعامل مع انصار الله كما لو انه يتعاطى مع الشأن السوري او اللبناني لأن اليمن خاصرة السعودية ولا زال في الوقت متسع لمراجعة السياسة الخاطئة، فانصار الله عبروا في اكثر من مناسبة عن استعدادهم للحوار المباشر مع السعودية وتبديد مخاوفها غير الواقعية، وهذا لا يعني ان اليمنيين سيقبلون التخلي عن ثوابتهم فيما يخص استقلال بلدهم ومناصرة القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية .

وفي النهاية وبرغم الراهن العربي المظلم الا ان السيدين العربيين عبد الملك الحوثي وحسن نصر الله يدقان جرس العودة العربية الى الساحة الدولية، وفي تطورات الايام القادمة ما يوضح الصورة اكثر.