هل اطلق الانسحاب الاميركي يد العدوان الاسرائيلي ؟ و ما سر هذا التراخي من قبل روسيا ومحور الممانعة ؟
عبدالله الجزائري
تصاعدت وتيرة وحدّة الاعتداءات الاسرائيلية على الجغرافيا السورية بعد قرار الانسحاب الاميركي منها ، ولقد صدق ظننا في حينها من ان تل ابيب تلقت الوحي الاميركي وفهمت الرسالة على ان اعلان قرار الانسحاب يعطيها هامش حرية اكبر وحركة اوسع ويطلق يدها الآثمة للمزيد من الاعتداءات تطال مزيد من الاهداف ضمن الحدود سوريا وما حولها وما بعدها بأعتبارها تهديد لامنها القومي ، ويندرج في هذا الاطار ما لوحت به او سربته بعض المصادر الاسرائيلية والغربية من انباء باستهداف فصائل الحشد الشعبي في العراق لجس النبض وقياس وحساب رد الفعل.
بهذه الوتيرة المتصاعدة من الاعتداءات وبهذه الموجات من الهجمات وعمليات التمويه التي رافقتها وبحجم المعلومات الاستخبارية التي استحصلتها وبنك الاهداف التي استهدفتها ، نستطيع القول ان تل ابيب وجهت صفعة لروسيا وتحدت منظومة الدفاع الروسية في سوريا S300 التي ظن الجميع - عدا واشنطن وتل ابيب - انها رسمت خطوط حمراء جديدة وغيرت قواعد الاشتباك وفرضت معادلة ردع مختلفة ، الا ان هذا العدوان برهن ان ذلك الظن اثم وضلال مبين واضغاث احلام واوهام ، وان روسيا وضعت فيتو صريح او ضمني او تقني على استخدام سوريا للمنظومة ضد تل ابييب ، وان المنظومة لاتعدو كونها فزاعة.
اذا كانت العقلانية المفرطة والصبر الاستراتيجي الذي اعتمدتهما روسيا وتبعها محور المقاومة في ذلك ، اذا كانت تلك الاستراتيجية قد آتت اُكلها اثناء المراحل الاخيرة من مواجهات المجاميع الارهابية في سوريا لناحية التفرغ للعدو الارهابي وتجنب فتح جبهات اخرى ، فنجحت وحققت المنجز الميداني وفرضت الحل السياسي ، فالمطلوب امام هذا العدوان الاسرائيلي المتصاعد اعادة النظر واعادة الحسابات ، لان العدو بدء يعتبرها على انها عقيدة واولوية غير قابلة للتبدل ويفسرها انها دليل ضعف وانهاك واستنزاف ، وان اعتراف واشنطن بالهزيمة وقرار الانسحاب جاء بمثابة هبة ورحمة وفرصة لهم لالتقاط الانفاس ومعالجة الجراح وكأن ثمة هزيمة منتظرة استحالت انتصاراً.
العدو الصهيوني لا يعرف غير لغة ومنطق القوة ويحسب الف حساب لابسط الخسائر في صفوفه والرعب في سكان مستوطانته ، وقد استثمر ذلك حزب الله في لبنان وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة ، فوضعوا قواعد اشتباك صارمة ومعادلة ردع ورعب واتبعوا اسلوب الرد بالمثل اذا سولت له نفسه التمادي اكثر او اغراه التراخي من جانب المقاومة في العدوان ، ومثال آخر نضربه في اسلوب الردع وهو الاعجاز العسكري الذي يقدمه الحوثيون واللجان والجيش في الميدان اليمني الذي يشهد معركة الايمان كله ضد الكفر كله ، ورغم اختلاف وتباين موازيين القوى هناك لصالح تحالف الكفر والرجعية ، الا ان الصمود والصبر والردع اليمني اجبر العالم على ايجاد تسوية وانهاء الحرب.
ينبغي على محور المقاومة - صاحب الانتصار الحقيقي في سوريا - ، ان لا يدع نتنياهو يخرج بمكاسب سياسية وعسكرية يستفيد منها انتخابياً على حساب المنجز الميداني والسياسي في سوريا ، ولا يُسمح له باتخاذ الاعتداءات المتكررة طوق نجاة من الاتهامات والفضائح والهزائم التي مني بها ، وان لا تكون العلاقات الروسية الاسرائيلية الاستراتيجية سبباً في اضعاف العلاقات وضرب التحالفات الاستراتيجية بين اطراف محور المقاومة ، فربما توجد وجهات نظر متطابقة بين موسكو وتل ابيب في ان روسيا تتفق مع اسرائيل في ضرورة اخراج القوات الايرانية وحزب الله وفصائل اخرى من سوريا وتحاول اقناع الاسد بذلك الا انها ترى الضربات الاسرائيلية وسيلة تكفيها مؤونة الطلب وحراجة السؤال ، اللهم الا اذا كان ذلك رغبة الجميع.
وخلاصة القول يجب الحفاظ على مقومات وعوامل الانتصار بنفس الدرجة التي يجب فيها ادامة هذا المنجز وسحبه على المستوى السياسي والدبلوماسي ، وفوق ذلك كله المحافظة على الجهوزية والمبادأة وعلى معادلة الردع والرعب لانها كفيلة بحفظ حالة اللاحرب ومسار التسوية ، والقول المشهور في ذلك اذا اردت السلام فاستعد للحرب .