بومبيو يختبر العرب بانتظار مؤتمر وارسو وقنبلة هيل صوتية لإحراج لبنان
محمد الحسيني
ثماني محطات عربية كانت حصيلة جولة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو اختتمها في مسقط قبل أن يضطر للعودة إلى بلاده لمشاركة أسرته في جنازة عائلية. فالرجل حريص على القيام بواجباته الاجتماعية الخاصة حتى لو استلزم ذلك إلغاء الكويت من برنامج جولته، فقد حققت زيارته أهدافها المرسومة، وأطلق في العواصم العربية المواقف التي سبق أن أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مناسبات ومنصات ومواقع مختلفة.. وحدها بيروت لم يطأها بومبيو حيث أوفد إليها مساعده للشؤون السياسية ديفيد هيل ليطلق مواقف خاصة بلبنان تنسجم وتتكامل مع مواقف مسؤوله التي ركّزت على مهاجمة إيران واستهدافها، والمحكّ الأساسي يتمثّل في تشكيل حلف إقليمي دولي عربي لا يبتعد في شكله ومضمونه وأهدافه عن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي جهدت الإدارة الأمريكية في عهد جرج بوش الابن لتسويقه وفشلت في تنفيذه، حتى لو استلزم شن حرب طاحنة على غرار العدوان الذي استهدف لبنان في تموز عام 2006.
اختبار ميداني
بدأ بومبيو جولته من الأردن في خط بياني متعرّج، قد لا يشي – في الظاهر - بقصد محدّد في اختيار تدرّج العواصم التي زارها (الأردن والعراق ومصر والبحرين والإمارات وقطر والسعودية وعُمان)، لا تحمل – وفق التفسير العربي – تفضيلاً في الأهمية لعاصمة عربية على عاصمة أخرى، كما لا تعكس العنوان الرئيسي لجولته المتعلّق بطمأنة حلفاء واشنطن من العرب بشأن خطوة سحب القوات الأمريكية من سوريا، فهذا الأمر لا يستلزم زيارة لوزير الخارجية، فإن المواقف التي أطلقها ترامب في هذا الشأن تفي بهذا الغرض، وقد تدعمها رسائل شفوية أو مكتوبة من خلال السفراء الأمريكيين في هذه العواصم باعتبارهم مفوضين ساميين فيها، ولكن المسألة هي أن بومبيو جاء ليختبر ميدانياً وبشكل مباشر استعداد رؤساء هذه الأنظمة للمضي بمشروع ترتيب المنطقة في المرحلة المقبلة، والقاسم المشترك في كل مواقفه هو العمل على وضع حد لتنامي قوة إيران ووقف تدخّلاتها في المنطقة، وتهديدها للسلم الإقليمي والعالمي بحسب تعبيره.
عمّان وبغداد والدوحة مثلث الاهتمام
أكّد بومبيو على اعتبار الأردن أحد الشركاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة، وأن للمملكة دوراً هاماً في استقرار المنطقة وفي حل النزاع السوري بطريقة سلمية. أما بغداد فتكاد أن تكون العاصمة الوحيدة التي لم يأتِ فيها بومبيو على ذكر إيران، بل شدّد على محورية العراق بالنسبة للولايات المتحدة في إطار محاربة داعش والإرهاب، وضرورة العمل على إعادة إعمار ما دمّرته الحرب في هذا البلد باعتباره شريكاً مهماً واستراتيجياً في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، دون أن يأتي على ذكر أي شيء له علاقة بسحب قواته من بلاد الرافدين. أما الدولة الأخرى التي لم تنسجم مع الخط البياني لمحطات الزيارة الخليجية فهي قطر "الصديق الرائع للولايات المتحدة" بحسب تعبير بومبيو، التي يتواجد فيها 13 ألف جندي أمريكي متمركزين في قاعدة "العديد" الجوية. ومن المقرّر نتيجة هذه الزيارة توسيع الوجود الأمريكي فيها، مقابل وعد من واشنطن بمواصلة جهودها لحل الأزمة الخليجية خلال الأسابيع والأشهر القليلة القادمة. ومن هنا فإن زيارة بومبيو لهذين البلدين إلى جانب الأردن لم تأتِ بموجب بطاقة دعوة wild card، بل لا مبالغة في القول إن هذه الدول الثلاث كانت صلب الزيارة، أما باقي المحطات فأتت في إطار الكوكتيل الإضافي أو المقبّلات التي تزيّن المائدة حول الطبق الرئيسي.
بومبيو وسلمية الحلول
كان الغالب في مواقف بومبيو الاتجاه لتفضيل الحل السلمي لأزمات المنطقة، على الرغم من ارتفاع حرارة التصعيد ضد إيران وإطلاق الصفات والنعوت غير الدبلوماسية، وهو تماهى إلى حد بعيد مع نهج رئيسه ترامب، الذي خالف في أدائه السياسي كل أسلافه الذين تعاقبوا على الإدارة الأمريكية، فهذا الرجل يعلن صراحة ماذا يريد أن يفعل، إلى درجة يفاجئ فيها حلفاءه قبل خصومه، ولا سيما "إسرائيل" والسعودية، وآخر النماذج إعلانه سحب قواته من سوريا. ومن هنا فحين يعلن بومبيو من عمّان عن حتمية الحل السياسي في سوريا، ويشدّد من الرياض على ضرورة إنهاء الحرب في اليمن بشكل سلمي ويعلن عن تفهّمه لقلق تركيا على حدودها، فهذا يعني أنه رسم محدّدات المرحلة المقبلة، ووضع العرب الذين التقاهم أمام واجباتهم ووظائفهم المطلوبة وفق التوجه الأمريكي، على أن يتم تظهير كل التفاصيل في القمة الدولية حول الشرق الأوسط وإيران، التي أعلن بومبيو عزم واشنطن عقدها يومي 13 و14 فبراير/ شباط المقبل في بولندا.
قنبلة هيل صوتية والأنظار إلى وارسو
وتبقى بيروت محور الحدث المتحرك، ولكن لماذا لم يزرها بومبيو؟! لا شك أن وضع لبنان المهتز سياسياً الذي يعاني منذ أكثر من ثمانية أشهر تغريباً حكومياً متعمّداً، ساهم في عزوف بومبيو عن زيارتها، ولكن الأمر الأساسي هو أنه لن يتحمّل تبايناً في الموقف السياسي لدى المسؤولين اللبنانيين، لا سيما في ما يتعلّق بسوريا وإيران وحزب الله، ولذا أوفد إليها بديلا عنه مساعده للشؤون السياسية ديفيد هيل، العارف بشؤون البلد ويمتاز بوجود أصدقاء له فيها، وعليه يلفت محلّلون إلى الموقف التصعيدي الذي أطلقه هيل ضد حزب الله وإيران من السراي الحكومي بعد لقائه رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، وهو ما لم نشهده بعد لقائه الرئيسين ميشال عون ونبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل، فضلاً عن التزامه عدم التصريح بعد المأدبة التي أقامها له النائب ميشال معوّض، والتي حضرها معظم أطياف السياسة في لبنان من قوى 8 و 14 آذار، باستثناء ممثلي حزب الله بالطبع. ويضيف المحلّلون أن مواقف هيل لم تكن سوى قنبلة صوتية سياسية فجّرها لاستفزاز مواقف الأطراف اللبنانيين، ورسالة إلى من يعنيهم الأمر أن واشنطن لا تزال عند معاداتها لحزب الله، ولكن لن يكون لهذه القنبلة مفاعيل سياسية أو ميدانية ملموسة في الأمد العاجل، فالأنظار ستبقى شاخصة إلى منتصف شباط/ فبراير المقبل، وما سينتج عن المؤتمر الأمريكي – العربي، وهل سيكون شبيهاً بالمؤتمرات التي رعتها واشنطن تحت عنوان "صناعة السلام" وأعقبتها الحروب، أم أنه سيكون مؤتمر التسوية الشاملة في المنطقة.