الصراع الأميركي ـ السعودي ـ التركي على قطر قيد التسوية
د. وفيق إبراهيم
وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني استغل لقاءه مؤخراً بوزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو ليعتبر أن قمع الشعب فيها لا يزال على حاله .
فيخال للمستمع إليه أن قطر «واحة ضخمة» من واحات الديموقراطية.
ماذا أراد الوزير من هذا الإعلان؟
استجابة سريعة للمحاولات الأميركية التي تستعجل عرقلة أي تسويات في المنطقة لا تحظى مسبقاً برضى واشنطن، مستجيباً للتردّد السعودي في هذا الصدد، أو عارضاً على الأقل التنسيق معه من خلال المظلة الأميركية.
لكن التعمق في هذا الموقف يكشف وجود دوافع عثمانية تركية، لا تريد أي اتفاق عربي داخلي وفي هذه المرحلة بالذات. لذلك تبدو قطر وكأنها أصابت ثلاثة عصافير برمية حجر واحد، لكنها خسرت بالمقابل «طائر حمام» إيراني أنقذها من الحصار القاتل الذي تنصبه حولها كل من السعودية والإمارات.
فطهران هي التي فتحت لها خطين «بحرياً وجوياً»، يوفران لها مقومات الصمود الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في وجه الحصار السعودي الخانق.
للتذكير فقط فإن هذا الصراع على قطر يتجسد بقاعدة «العديد» الأميركية الموجودة على أراضيها وتضم 12 ألف جندي أميركي هم أكبر كتلة عسكرية خارج الولايات المتحدة.
هذا إلى جانب 11 الف جندي تركي ينتشرون في مواقع قطرية متعددة للردّ على التهديدات السعودية ـ الاماراتية التي كانت تهدد دائماً باقتحامها.
أما السعودية فتطوف كل الحدود القطرية من مختلف جوانبها بما فيها تلك الفواصل البرية التي كانت تربطها بدولة الإمارات واستولت عليها السعودية.
ماذا عن أهميات قطر لكل هذه القوى؟
يجد الأميركيون فيها موقعاً استراتيجياً في قلب الخليج الفارسي وعند أطرافه البحرية، ولا يتسبب بأي إزعاج لها لحاجته الدائمة إلى التغطية الأميركية، فضلاً عن أن قطر تملك ثالث الاحتياطات العالمية من الغاز، وقود العقود المقبلة.
لجهة تركيا، فتجسّد قطر بالنسبة إليها دوراً كبيراً في قلب شبه جزيرة العرب تستطيع منه منافسة السعودية على هذا بالإضافة إلى أهميتها الاقتصادية وامكان تحولها طريق تركيا إلى قلب العالمين العربي والاسلامي في مشاريعها العثمانية والاخوانية.
بالنسبة لإيران، فإنها لا تجهل التموضع القطري العميق في قلب الجيوبولتيك الأميركي والمشاريع التركية وإصرار السعودية على زعامة الخليج الفارسي من دون أي منافسة محتملة.. لكنها راهنت بفتحها الطرق للدوحة المحاصرة، تمتين قدرات قطر على مقاومة الحصار السعودي، ما يؤدي إلى بناء ثلاثة اتجاهات في الخليج الفارسي، سعودي إماراتي متطرّف، كويتي عُماني تسووي وقطري معارض بوسعه جذب دول عربية وإسلامية تناهض الإصرار السعودي على الزعامة.
يبدو أن هذه الفرضية الإيرانية تسجل تراجعاً، فواشنطن المتقهقرة في الإقليم العربي، بدأت بتبديل سياساتها القائمة على ترك الخلاف القطري ـ السعودي للاستفادة منه في إطار منعه من التفاقم مع تأمين ظروف استمراره بشكل أزمة معتدلة إنما لا أفق عسكرياً لها.
ويبدو أن آل ثاني لم يفكروا لحظة واحدة من احتمال ردود فعل إيرانية على موقفهم السلمي من سورية لأنهم يستجيبون بذلك لطلب أميركي وأيضاً لإصرار تركي.
فإذا كان الأميركيون محتاجين حالياً إلى إعادة تأزيم العلاقات العربية مع سورية للزوم تمرير استراتيجيتهم الجديدة، فإن للسياسة التركية أبعاداً مختلفة.
فالدولة التركية تستند لتبرير تدخلاتها العسكرية والسياسية في العراق وسورية إلى الصراع العربي ـ العربي، فتحاول تعميقه مذهبياً وعرقياً، لتبرير عدوانيتها وأعمالها التوسعية، فالكرد بالنسبة لها إرهابيون يسيطرون على «مناطق عربية» والنظام السوري ديكتاتوري يضرب السنة والدولية العراقية مجوسية فارسية، تعادي عرب العراق وأكراد العراق يريدون تدمير بلادهم وهكذا دواليك.
فما أن بدأ الحديث الدبلوماسي يتناول أقلها عودة السفارات العربية إلى دمشق حتى جُنّ جنون الأتراك. وعاد إعلامهم إلى التشهير بالانتماءات المذهبية والعرقية، فمن دون الخلاف الداخلي العربي، يفقد الترك شرعية تدخلهم ويصبحون قوة احتلال في سورية والعراق، وقطر، وأي مكان آخر.
يبدو بالاستنتاج أن الأميركيين طمأنوا القطريين أنهم جادون بفك الحصار عنهم، بوقت قريب جداً ومن خلال مجلس التعاون، وهذا ما سمح لهم بتلبية الطلبين المتوائمين الأميركي والتركي حول رفض عودة سورية إلى الجامعة العربية، فإذا ما أوقفت إيران خطوطها الجوية والبحرية عنها، وهي لن تفعل هذا أبداً، فإن واشنطن متعهدة بفتح خطوط أوسع من بلدان الخليج الفارسي مباشرة ومن دون أي اعتراض من سعودية تتوسل إلى واشنطن الاستمرار في تغطيتها من تداعيات جريمة قتل الإعلامي الخاشقجي المتهم بها ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وفريق عمله الأمني والسياسي.
أزمة قطر وجيرانها هي إذاً على طريق تسوية أميركية تحافظ على موازنات القوى المرتبطة بهذه الأزمة على وضعيتها، فواشنطن تحتاج إلى الفريق الخليجي بكامله، مع انحياز تركي كامل إلى مواقفها، لكن هذا الانحياز ليس سهلاً لأن السياسة التركية لم تعد تجد كل متطلباتها في الصندوق الأميركي، لذلك فهي لا تقطع بالكامل مع إحدى القوى الاساسية ولا تربط بإحكام، فتحاول الاستفادة من الأميركيين والروس والإيرانيين في وقت واحد، على أساس تحقيق مصلحتين: القضاء على المشروع الكردي، وتأمين مصالحها السياسية في سورية والعراق وقطر، فهل هذا ممكن في مرحلة باتت تتطلب حسم المواقف؟