داعش والساحة الأردنية
محمد محمود مرتضى
رغم تراجع تهديد تنظيم "داعش" في العراق والشام الا أنه لا يزال يمثل تهديدا على جيرانهما ولا سيما الأردن نظرا لما يملكه من حدود مشتركة مع العراق وسوريا.
فقد أثار التمدد السريع للتنظيم في سوريا والعراق هلع دول الجوار وعلى رأسها الأردن، لا سيما مع وجود مؤيدين لهذا التنظيم داخل حدوده، وهو ما ظهر جليًا في التظاهرات التي شهدتها مدينة "معان" في حزيران/ يونيو من العام 2014؛ حيث خرج العشرات من مؤيدي التنظيم إلى شوارع المدينة في مظاهرة أعلنوا فيها دعمهم له، مؤكدين أن معان هي "فلوجتهم الجديدة" في إشارة إلى مدينة الفلوجة العراقية ، التي كان يسيطر عليها التنظيم آنذاك.
صحيح أن أعلام "داعش" اختفت من شوارع "معان"؛ لكن الدعم الذي يتمتع به التنظيم ما زال قويًا، خصوصا ان للاردنيين حصة وازنة في شرعيي التنظيمات التكفيرية، سواء "داعش" أو غيره.
وفي هذه الاثناء يواصل "داعش" تمدده على حدود الأردن الشمالية والشرقية، في ظل الخسائر التي يتعرض لها التنظيم في سوريا والعراق.
من الواضح أن تنظيم "داعش" يسعى لتعويض انحساره الداخلي عبر تكثيف عملياته الخارجية، في محاولة لإقناع أنصاره أنه ما زال قادرًا على التوسع والمناورة والتعويض، ورغم انحسار التنظيم في العراق وسوريا، الا أن مقاتليه يسعون لإيجاد ملاذ آمن في المملكة الأردنية.
رغم أن الأردن انضم إلى الحرب الدولية ضد داعش، لكنه في الحقيقة يحارب على خطين: الأول وقوع هجمات على أهداف داخل البلاد، والثاني ضد الأفكار التي بدأت في الانتشار بين الشباب، ولعل هذه المشاركة أثارت حفيظة المتشددين في الداخل الأردني.
وكان رجل الدين الأردني محمد شلبي، المعروف بـ"أبو سياف"، قد شجع الأردنيين الشباب على التوجه إلى سوريا للقتال. ورغم أن "أبو سياف"، مقرب من "تنظيم القاعدة"، ويصر على أن "داعش" لا تمثل الإسلام، الا أن التجربة أثبتت إمكانية تحول الفرد من القاعدة الى "داعش" والعكس.
وما يزيد المخاوف من انتشار الأفكار المتطرفة في داخل الأردن، هو وجود العديد من المتغيرات التي تساعد على توغل تلك الأفكار، أبرزها: وجود أكثر من مليوني لاجئ فروا من سوريا والعراق الى الأردن، في حين يعمل "داعش" على استقطاب أعداد من هؤلاء اللاجئين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. إضافة لذلك فإن الأردن يعاني من مشكلات أخرى قد تساهم في تنامي هذه الظاهرة، أعني الجانب الاقتصادي؛ حيث يعاني الاقتصاد الأردني من التراجع بسبب التغييرات الإقليمية الكبرى، كما إن أسعار الطاقة في ارتفاع مستمر بوتيرة سريعة، كل ذلك ترك أثراً على الاقتصاد الأردني.
فقد توعد التنظيم الأردن، ودعا أنصاره لتنفيذ عمليات على غرار عملية الكرك في 18 كانون الاول/ ديسمبر 2016، ونشرت ما يُسمى بـ"ولاية الفرات" تسجيلًا يظهر أربعة من مقاتليه، الذين قال إنهم أردنيون، وهم يقومون بذبح أربعة سوريين من "الصحوات" الذين تدربوا في الأردن لقتال التنظيم، فيما أقدم خامس على ذبح عنصر في المعارضة السورية التي تلقت تدريبًا في الأردن، بحسب التسجيل.
وفي آب/ أغسطس من عام 2018، أدى هجوم إرهابي في مدينة السلط إلى مقتل 4 ضباط من الأمن الأردني وجرح 16 مدنيًا، واعتقل 5 مواطنين أردنيين ينتمون إلى "داعش" في أعقاب الهجوم. وكان لدى المهاجمين كميات كبيرة من المتفجرات المحلية الصنع وكانت مدفونة في مكان قريب، وكان الهدف منها شن هجمات في المستقبل على المدنيين والمنشآت الأمنية.
صحيح أن الأردن يمتلك خبرة كبيرة في التعامل مع مثل هذه الأنماط من التهديدات منذ عام 2005، لكن التهديدات تتعاظم اليوم، وكذلك فإن ديناميات تلك الجماعات تطورت مع اعتماد وسائل جديدة في الاستقطاب والتجنيد والانتشار.
ويشهد الأردن حملة تستهدف مؤيدي داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة، ففي الأشهر الأخيرة اعتُقل أكثر من 600 شخص، وأحيل 150 إلى القضاء بتهمة تأييدهم لداعش أو هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) وقد صدرت أحكام بحق 15 شخصًا، ووفق القوانين الأردنية فإن رسالة واحدة مؤيدة لداعش تُرسل عبر مواقع التواصل الاجتماعي كافية لسجن كاتبها لمدة قد تصل إلى خمس سنوات.
قد لا يمثل تنظيم داعش خطرًا داهماً على الأردن، لكن قرب مناطق نفوذ التنظيم جغرافيًا وتطورات ملف "صفقة القرن"، وما يحمله ذلك من مخاطر نقل الاستخبارات الاميركية لبعض مقاتلي داعش الى الاردن، على غرار عمليات النقل التي تجري الى مناطق أخرى، فان ذلك يعني أن التهديد الذي يشكله للمملكة يحتم على القوى الأمنية اتخاذ تدابير استثنائية.