kayhan.ir

رمز الخبر: 85306
تأريخ النشر : 2018November12 - 20:07

توجهات ومواقف عراقية صائبة بعيدة عن واشنطن!


عادل الجبوري

خلال الأسابيع الثلاثة الأولى لها، تبنت الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي، مواقف وخطوات، مثلت بشكل أو بآخر معالم أولية لطبيعة مساراتها وتوجهاتها في المرحلة أو المراحل القادمة، فيما يتعلق بالسياسة الداخلية، وكذلك السياسة الخارجية.

من بين تلك المواقف والخطوات اللافتة، اعلان رئيس الوزراء بشكل واضح وصريح رفض العراق للعقوبات الاقتصادية الاميركية ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية، بقوله في مؤتمره الصحفي الاسبوعي، يوم الثلاثاء الماضي، السادس من شهر تشرين الثاني-نوفمبر الجاري "إن العراق ليس جزءا من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على إيران، وهو ليس طرفا في أي نزاع بالمنطقة، وأنه سيمنح الاولوية لمصالحه الخاصة واستقلاله".

ولاشك أن مثل هذا الموقف، لا يرضي واشنطن رغم اعلانها استثناء استيرادات العراق من الطاقة الكهربائية والوقود من العقوبات المفروضة على ايران، لأن واشنطن تريد ابقاء القرار العراقي مرتهنا بها، وخصوصا فيما يرتبط بالقضايا الاستراتيجية والحساسة.

ومن غير المستبعد أن تعمد واشنطن الى وضع العصي في دواليب حكومة عبد المهدي، واختلاق المشاكل والأزمات لها، اذا بقيت تتبنى منهجاً متقاطعاً مع مصالحها وتوجهاتها وأجنداتها.

ويمكن أن تتضح وتتجلى مؤشرات ومديات التقاطع الحاد بين بغداد وواشنطن، من خلال خطوة أخرى اتخذها عبد المهدي، ألا وهي تأكيده الصريح، على أهمية الحشد الشعبي وضرورة بقائه ودعمه واسناده، خلافا لما عملت عليه واشنطن ومعها عواصم دولية واقليمية، لانهاء الحشد وتذويبه وتفكيكه.

وفضلا عن قرار مجلس الوزراء العراقي، بجلسته الأخيرة منتصف الاسبوع الماضي، القاضي بتطبيق قانون الحشد الشعبي الصادر من قبل مجلس النواب العراقي السابق، في السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني-نوفمبر من عام 2016، لاسيما الشق المتعلق بمساواة رواتب منتسبي الحشد مع رواتب منتسبي القوات الامنية الحكومية في وزارتي الدفاع والداخلية، فضلاً عن ذلك فإن ما تحدث به عبد المهدي خلال زيارته مقر هيئة الحشد الشعبي في الخامس من الشهر الجاري، يعبر عن رؤيته المستقبلية للحشد، وتقدير أهميته ومكانته، اذ قال في جمع من قيادات الحشد "ان الحشد الشعبي يعتبر إنجازاً تاريخياً للعراق، وهو أعطى قوة للجيش والشرطة وباقي الأجهزة الأمنية، وانه يمثل حقيقة كبيرة لا يمكن تجاوزها ومن واجبنا دعمه، وإن الإبقاء على الحشد من أهم واجباتنا، وسأدعم هذا الوجود بقوة".

ولايحتاج المرء الى الكثير من البحث والتقصي، للتأكد من مدى اختلاف ذلك الموقف الحكومي الوطني حيال الحشد، مع موقف واشنطن وحلفائها واتباعها منه، باعتباره يعد أحد أبرز عناوين جبهة المقاومة.

وهنا فإن رد وزارة الخارجية العراقية على بيان للسفارة الاميركية في بغداد، الاسبوع الماضي، كان حازما وقاطعا.

فما قالته السفارة الاميركية في بيانها، والذي عدته الحكومة العراقية تدخلا سافرا في الشأن الداخلي، وتجاوزاً للسياقات والأعراف الدبلوماسية، من بين اثنى عشر مطلباً أمريكياً لإيران في مقابل رفع العقوبات عنها هو أنه "يجب على النظام الإيراني احترام سيادة الحكومة العراقية، والسماح بنزع سلاح الميليشيات الطائفية وتسريحها وإعادة دمجها"، في إشارة لقوات الحشد الشعبي.

وما قالته الخارجية العراقية في ردها، هو "أن العراق يرفض التدخل في القضايا العراقية الداخلية، ولاسيما قضايا الإصلاح الأمني الداخلي ووضع القوات الأمنية العراقية التي تخضع لسلطة رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة".

وطلبت الخارجية العراقية من السفارة الاميركية "حذف التصريحات غير المتفقة مع القواعد والأعراف الدولية وتجنب تكرارها مستقبلاً، ومراعاة قواعد القانون الدولي التي تحكم عملها في العراق بوصفه الدولة المضيفة لها".

ويبدو أن الرد العراقي الرسمي كان مفاجئا وصادما للادارة الاميركية، وهو ما جعلها تلتزم الصمت، وتوجه سفارتها في بغداد، بمعالجة الامر واحتوائه بهدوء.

ولعل المواقف والخطوات العراقية المشار اليه، التي ربما تتبعها مواقف وخطوات أخرى مماثلة، ذات جنبة أمنية أو اقتصادية، تشير الى أن الحكومة العراقية تتجه الى تقنين علاقاتها مع واشنطن، في مقابل ترسيخ وتقوية علاقاتها مع طهران، وابقاء العراق في فضاء جبهة المقاومة، وفي ذات الوقت، الحرص على ابعاده عن صراعات المحاور الاقليمية بالشكل الذي يهدد ويضر بمصالحه الوطنية.

وما يمكن أن يساعد عبد المهدي على التقدم بتلك المسارات هو الكتل القوية والمؤثرة والفاعلة في مجلس النواب العراق، مثل تحالف الفتح وتحالف سائرون وائتلاف دولة القانون، التي تلتقي وتتوافق مع بعضها البعض في مواقفها وتوجهاتها حيال العلاقات مع واشنطن وطهران، علما أن نوابا منها بدأوا في التحرك لاستصدار تشريع يقضي بإخراج كافة القوات الأجنبية - وتحديداً الأميركية - من العراق، وهذا هو الآخر، يعد تطوراً مهما على صعيد المواقف الرسمية العراقية، يتطلب قراءات معمقة في دلالاته وأبعاده ونتائجه وآثاره المستقبلية.