أحمد بن عبدالعزيز وسيناريوهات حكم آل سعود
سناء إبراهيم
لا تزال السعودية تعيش على وقع أزمة هي الأكبر منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر. اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في 2 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أفرز جملة تداعيات، لعلّ عودة التيارات الأميرية التي كان ولي العهد محمد بن سلمان قد أقصاها تُعدّ أكثرها إثارة للجدل.
قبل أيام، أفيد عن عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز من منفاه الاختياري إلى الرياض بعد نحو عام من الغياب. عودة قيل إنها جاءت بضمانات أميركية وأوروبية بعدم تعرض أحمد للأذى من قبل ابن أخيه. وقد بدا لافتاً في مشهدية الرجوع استقبال ابن سلمان لعمه، وهو ما أثار تكهنات متباينة بشأن خلفيات العودة ومآلاتها المحتملة، علماً أن الأمير العائد كان قد عارض تولي ابن سلمان ولاية العهد، ورفض عام 2017 (عندما كان أحد أعضاء مجلس البيعة) تعيينه ولياً للعهد، ولم يبايعه.
احتجاج أحمد على شخص ابن سلمان دفعه إلى مغادرة السعودية نحو العاصمة البريطانية
احتجاج أحمد على شخص ابن سلمان دفعه إلى مغادرة السعودية نحو العاصمة البريطانية، التي اتخذها منفى اختيارياً العام الماضي، معلناً رفضه سياسات ابن سلمان. وخلال مكوثه هناك، وجه انتقادات للملك ونجله على خلفية الحرب على اليمن. في أيلول/ سبتمبر الماضي، تظاهر محتجون أمام منزل الأمير السعودي في لندن، مرددين "يسقط يسقط آل سعود، العائلة المجرمة"، ما دفع الأمير إلى مخاطبتهم بالقول: "لماذا تقولون ذلك؟.. وما شأن كل العائلة بهذا؟ هناك أفراد معينون هم الذين يتحملون المسؤولية"، مضيفاً إن هؤلاء هم الملك سلمان وولي عهده وآخرون لم يسمّهم، في ما اعتبر أقوى رد فعل من الأسرة الحاكمة ضد الملك سلمان ونجله منذ عام 2015.
أحمد بن عبد العزيز، أصغر السديرين السبعة، وثاني أصغر أولاد الملك المؤسس، تزايدت مع عودته التكهنات بإمكانية قيام الملك سلمان بتقليص صلاحيات نجله، وسحب عناصر القوة من يده. ويرى متابعون أنه قد يكون للأمير أحمد دور في مستقبل الحكم في السعودية، خصوصاً وأن ثمة على ما يبدو تزكية أميركية لتغييرات من هذا النوع.
من هنا، تبدو عودة أحمد في غير صالح ابن سلمان، الذي كان نجح على مرّ الفترة الماضية في شراء الصمت الأميركي والأوروبي على سياساته المتهورة، لكن اغتيال خاشقجي أثار عاصفة غير مسبوقة ضد ولي العهد، وحمل عواصم القرار العالمية على البحث في سبل يمكن من خلالها وقاية السعودية من نفسها.
هذا الحراك يدفع إلى طرح تساؤلات حول إمكانية تكرار آل سعود انقلاب القصر، الذي شهدته البلاد في العام 1964، بعدما حذر السفير البريطاني حينذاك بلاده من احتمال انهيار السلطة السعودية، وذلك بسبب سوء إدارة الملك سعود بن عبدالعزيز للحكم. ولأن المحافظة على ملك آل سعود تمثل أهمية كبرى لبريطانيا، دعمت الأخيرة ولي العهد فيصل بن عبد العزيز في تولي الملك وخلع أخيه. واليوم، تعيش السعودية أزمة كبرى غير مسبوقة تتهدد استقرارها المطلوب أميركياً. أزمة قد تسفر عن تكرار سيناريو الانقلاب مرة أخرى، خصوصاً في ظل عودة الأمير أحمد، الشخصية الأكثر قبولاً داخل الأسرة.
هل تطيح العودة بمحمد بن سلمان؟
الصحفي السعودي المقيم في واشنطن، هاني العبندي، وفي حديث خاص لموقع "العهد الإخباري"، يرى أن "عودة أحمد بن عبدالعزيز مؤشر على التدخل الغربي بهدف ضمان بقاء العائلة الحاكمة، وهذه الضمانات تعكس عمالة النظامين الأميركي والبريطاني لآل سعود"، ويضيف إن عودة أحمد بن عبدالعزيز تؤشر على انعدام الرغبة في وجود ولي العهد محمد بن سلمان في السلطة، بعد الأزمات السياسية والاقتصادية التي أنتجتها قراراته، من العدوان على اليمن واعتقال الأمراء، وأخذ أموالهم بالقوة، وصولاً إلى مقتل جمال خاشقجي".
يطرح الصحفي العبندي تساؤلات عن وصول الأمير أحمد بن عبدالعزيز إلى منصب ولاية العهد، مبينا أن الأمر ليس مستحيلاً إلا أنه غير سهل وتشوبه تعقيدات سياسية وأمنية بين مختلف الأمراء سواء كانوا معارضين لابن سلمان أو مؤيدين، إذ "سيفتح باب الصراع على كرسي الحكم بين أبناء العائلة". وينبه إلى أن الأمر الأكثر خطورة يبرز بأن الإرث السياسي لم يعد تشاركيا ولم يعد بالصورة السابقة، بل أصبح أفقيا وأصبح محصور بأولاد سلمان، الذين تحولت معهم البلاد "المملكة السعودية" إلى "المملكة السلمانية"".
يشدد العبندي على أن التحالفات التي يمكن أن يبنيها الأمير أحمد مع الأمراء أو القوى الدولية -التي أصبحت ترفض وجود ابن سلمان في السلطة بسبب تورطه بمقتل خاشقجي- من شأنها رسم الصورة المستقبلية، لتبق النتائج مرهونة بمدى نتيجة الضغوط الدولية التي تسهم بالكشف عن بعض التفاصيل الموجودة خلف كواليس القصر، ويتابع "ومن المؤكد أن التفاصيل ستظهر خلال الأيام القليلة المقبل".
"السديريون" هو لقب يطلق على سبعة من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود
الأمير أحمد هو الإبن الواحد والثلاثون من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز، وهو أصغر أبنائه من زوجته حصة بنت أحمد السديري، وهو ممَّن يطلق عليهم لقب "السديريين السبعة". شغل سابقاً منصب نائب وزير الداخلية في السعودية (1975 - 2012)، وينظر إليه كمرشّح لخلافة الملك سلمان. أُقصي من منصبه كوزير للداخلية عام 2012، بعدما كان يهيئ نفسه لولاية العهد، وتم استبداله بابن شقيقه محمد بن نايف. وسُجل للأمير أحمد رفضه حضور حفلات استقبال رسمية دعا إليها شقيقه الملك سلمان. وعندما توفي شقيقهما عبد الرحمن بن عبد العزيز لم تُرفع سوى صورتين في حفل التأبين الذي دعا إليه، واحدة لمؤسس المملكة عبد العزيز والثانية الملك الحالي سلمان، في غياب صورة ابن سلمان.
أما "السديريون"، فهذا لقب يطلق على سبعة من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود، من زوجته حصة بنت أحمد السديري، التي تنتمي إلى هذه القبيلة. وكان الملك الراحل فهد بن عبد العزيز هو أول السديريين الذين تولوا الحكم في المملكة في 13 حزيران/ يونيو 1982 بعد وفاة أخيه غير الشقيق الملك خالد، وظل في الحكم حتى وافته المنية مطلع آب/ أغسطس 2005، ليخلفه الملك عبد الله بن عبد العزيز، وهو الإبن الثاني عشر من أبناء الملك عبد العزيز الذكور، وأمه هي فهدة بنت العاصي بن شريم الشمري. وبعد وفاة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود في تشرين الثاني/ نوفمبر 1953، تعاقب على الحكم أبناؤه من 5 زوجات، حيث تولى السلطة خلفاً له نجله سعود وهو الإبن الثاني له من الذكور، ووالدته هي الأميرة ضحى بنت محمد العريعر. ولكن بتولي الملك سلمان الحكم، عاد عرش البلاد مجدداً إلى السديريين، وأصبحت الأميرة حصة بنت أحمد السديري الوحيدة من بين زوجات الملك المؤسس عبد العزيز التي تولى اثنان من أبنائها حكم السعودية.