بفعل العقوبات الأميركية.. الاقتصاد الاوروبي يتأخر والاميركي يتقدم
جورج حداد
منذ سنوات طويلة والولايات المتحدة الأميركية تعاني أزمة مالية ـ اقتصادية مستعصية. ومن أسباب هذه الأزمة:
1 ـ تضخم الالتزامات المالية الخارجية (لا سيما العسكرية) لأميركا للحفاظ على زعامتها الدولية.
2 - الانخفاض النسبي الكبير لحصة الانتاج الوطني (التصدير) في اجمالي الاقتصاد الاميركي الضخم. وما ينتج عنه من تضييق سوق العمل.
وقد بلغت الأزمة أحيانا حد وقوف الدولة الأميركية على حافة العجز عن دفع رواتب وأجور موظفيها (بما في ذلك الجيش). كما جرى في عهد أوباما.
ولمواجهة الأزمة، كانت الادارات الأميركية التي سبقت ترامب تلجأ الى قاعدة "وداوني بالتي كانت هي الداء"، أي اعتماد الحلول المالية لمواجهة الأزمة، وخاصة عن طريق رفع سقف الدين العام للدولة وطباعة كميات اضافية من الدولارات الورقية المكشوفة، وتخفيض الضرائب وتخفيض الفائدة المركزية. وكان ذلك يقلص امكانية اللجوء لمثل هذه الحلول لاحقا، وينعكس سلبا على آفاق تطور الاقتصاد الاميركي ولا سيما قطاع الانتاج.
وجاء دونالد ترامب الى البيت الابيض، صاعداً من وسط قطاع الاعمال (البيزنس)، وقلب اتجاه حل الازمة المالية ـ الاقتصادية الاميركية من الداخل الى الخارج. ورفع ترامب شعار "اميركا اولا" وبدأ يطالب جميع الدول الحليفة لاميركا ان تدفع تكاليف الحماية الاميركية لها. وحيال السعودية ومن لف لفها من دول الخليج النفطية اتخذت المطالبة الترامبية طابع الابتزاز المكشوف والاذلالي.
ليس بامكان اميركا أن تتعامل مع الدول الحليفة الأخرى مثل تعاملها مع السعودية والحكام الاتباع العرب
وطبعا انه ليس بامكان اميركا أن تتعامل مع الدول الحليفة الأخرى مثل تعاملها مع السعودية والحكام الاتباع العرب. ومن هنا كانت الخطط الاميركية لابتزاز الدول الاوروبية والاسيوية (اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان) وكندا والمكسيك وغيرها، بطرق التفافية. ومن هنا عمدت الادارة الاميركية الى نبش تراث "الحرب الباردة" وتصعيد الخطاب الحربي وسباق التسلح، كما شهرت سيف العقوبات الاقتصادية، مع كوريا الشمالية ومع روسيا والصين وايران.
الهدف الأساسي من كل هذا السيناريو الساخن من "الحرب الباردة" هو تضييق الخناق على اقتصادات جميع دول العالم، بما فيها الدول الحليفة، وانعاش الاقتصاد الاميركي. وقد انعكس ذلك بشكل خاص على الدول الاوروبية ذات العلاقات الاقتصادية الواسعة مع روسيا والصين وايران، اكثر مما لاميركا بكثير.
وتشير الاحصاءات الرسمية الاوروبية ان الناتج الداخلي القائم في منطقة اليورو قد تضاءل نموه بشكل ملحوظ في الاشهر الثلاثة قبل الاخيرة من العام الحالي. فقد نما الناتج الداخلي القائم بالكاد 0،2% على قاعدة الثلاثة اشهر و1،7% على قاعدة السنة. كما أن الناتج القائم للدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الاوروبي قد نما 0،3% على قاعدة الثلاثة اشهر و 1،9% على القاعدة السنوية. في حين أن المحللين كانوا يتوقعون لمنطقة اليورو نموًّا مقداره 0،4% على قاعدة الثلاثة أشهر. والنمو المسجل في الثلاثة أشهر الثالثة هو الأدنى منذ سنة 2014.
ويقول المحللون إن السبب الرئيسي لهذا التأخير الملحوظ في النمو يكمن في الحرب التجارية التي باشرتها اميركا والتي ستؤثر على الاقتصاد العالمي في السنوات القادمة. وهناك مخاوف أن نهاية هذه الدورة الاقتصادية ستكون قريبة وستنتهي باوروبا الى الركود الاقتصادي. في حين أن فائدة البنك المركزي الاوروبي هي الآن الأدنى تاريخياً. وبرنامج شراء السندات لم يكتمل بعد.
وكانت توقعات الخبراء الاقتصاديين الاوروبيين تفترض نمواً لمنطقة اليورو بمقدار 0،4% على قاعدة الثلاثة أشهر و 1،8% على القاعدة السنوية. وتفيد مؤشرات مؤسسة الاحصاء الاوروبي عن تضاؤل الثقة الاقتصادية، والانهيارات الأكبر تلاحظ في المانيا، فرنسا وايطاليا.
وتتناقض المؤشرات الاقتصادية الاوروبية بشدة مع تلك الاميركية. حيث تقول المعطيات كما نشرت مؤخراً أن الناتج الداخلي القائم لأميركا قد نمى 3،5% في الثلاثة اشهر الثالثة للسنة الجارية 2018. وبلغ النمو في الثلاثة أشهر الثانية من السنة نسبة 4،2%. وهو أعلى بكثير من توقعات الاقتصاديين الذين كانوا يفترضون أن النمو لن يتجاوز 3%.
ويقول الخبراء إن هذا النمو الزائد هو ناتج عن زيادة النفقات الاستهلاكية والحكومية.
وهذه الاخبار "الجيدة" هي ملائمة للحملة الانتحابية النصفية للجمهوريين ولترامب في شهر تشرين الثاني الجاري.
ويواصل الاقتصاد الاميركي النمو بنسب أكبر من توقعات الخبراء الاقتصاديين. وترى هذه التوقعات أن الناتج الداخلي القائم في اميركا سيبلغ 3% سنة 2018 وهذه هي النتيجة الأفضل في العقد الحالي.
وقد انحفضت البطالة الى مستويات قياسية. كما أن سياسات ترامب القائمة على تخفيض الضرائب وزيادة الميزانية الحربية تؤدي الى زيادة النفقات. وفي الثلاثة اشهر الثالثة من هذه السنة ارتفعت النفقات الاستهلاكية على القاعدة السنوية بنسبة 4% وكانت في الثلاثة اشهر الثانية بنسبة 3،8%.
وكان نمو التصدير قد قفز الى نسبة 13،5% في الثلاثة اشهر الثانية من السنة الا انه عاد فانخفض الى 7% في الثلاثة اشهر الثالثة.
ان الوقائع تكشف أكثر فأكثر ان الحملات الاميركية ضد روسيا والصين وايران وكوريا الشمالية ليست هدفا بحد ذاتها بقدر ما هي وسيلة للتضييق على الاقتصاد العالمي بمجمله وتحفيز الاقتصاد الاميركي على حساب جميع شعوب ودول العالم وفي طليعتها الدول الحليفة لاميركا.