إيران في مجابهة العقوبات الأميركية
غالب قنديل
ارتفعت وتائر التهديد والتهويل الأميركي الصهيوني على الاقتصاد الإيراني بناء على موجة العقوبات الجديدة التي أطلقتها حكومة الولايات المتحدة ومن الواضح ان القيادة الإيرانية اتخذت سلسلة من الخطوات والتدابير الاقتصادية لمقاومة الضغوط والعقوبات الأميركية التي أعطيت عنوانا رئيسيا وهو عزل إيران عن أسواق العالم وتصفير صادراتها النفطية.
يستمر العمل على تثبيت تفاهمات سياسية وقانونية ومصرفية مع الدول الأوربية ترعى عمليات تصدير النفط الإيراني إلى اوروبا التي تعهدت باتخاذ إجراءات مصرفية وقانونية تحمي شركاتها التي تواصل التعامل مع إيران ولابد من الإشارة إلى أن التجاوب الأوروبي الحار كلاميا لا يعكس بدقة آلية العمل التنفيذي بسبب كوابح تمليها مساحات النفوذ الأميركي والصهيوني في دوائر القرار الأوروبية رغم كمية الحوافز التي توفرها إيران بالشراكة مع روسيا والصين والهند حيث تبدي هذه الدول مرونة عالية لحث الشركاء الأوروبيين على متابعة طريق الانفصال عن النهج الأميركي منذ إعلان الرئيس ترامب عن الخروج من معاهدة الاتفاق النووي مع إيران.
كان القسط الرئيسي من الإجراءات الاحترازية الإيرانية المتخذة تحصينا للاقتصاد الوطني وللنظام المصرفي من خلال الحد من المضاربات ومنع محاولات استثمار الضغوط على حساب الاقتصاد الوطني حيث أطلقت القيادة الإيرانية حملة تعبئة شعبية واسعة قادها المرشد الإمام السيد علي الخامنئي لترسيخ الوعي الوطني لطبيعة المواجهة ضد العقوبات باستنهاض قيم الاستقلال الوطني والدفاع عنه وجرى تثبيت نزعة الاعتماد على الذات التي أشهرتها إيران منذ انتصار الثورة وعبأت بمضمونها شعبيا وهو ما مكنها من التصدي للعقوبات الأميركية الغربية بمنطق تحويل التهديد إلى فرصة وتنمية موارد الثروة الوطنية وحمايتها وهذا النهج مكن البلاد من الصمود طيلة العقود الأربعة الماضية وسمح بتطوير قطاعاتها المنتجة التي اجتازت أشواطا هائلة من التقدم تحت الحصار.
ركزت بعض مؤسسات الأبحاث الأميركية المحافظة على مخاطر انتكاس الرهان الأميركي على عقوبات وصفها ترامب بالقاتلة وهي تترنح منذ البداية وتفرض على الإدارة الأميركية اعتماد لوائح لاستثناء بعض الدول الحليفة من العقوبات بسبب حجم اعتمادها على النفط الإيراني مثل كوريا الجنوبية وتركيا واليابان ومن الواضح أيضا حسب الخبراء الأميركيين ان نجاح إيران في عقد اتفاقات ضخمة مع كل من الصين والهند لتصدير النفط واعتماد العملات الوطنية وأسلوب المقايضات من خارج نظام السويفت الأميركي سيعزز قدرة إيران على الصمود اقتصاديا.
طرح العديد من الباحثين المحافظين في واشنطن تساؤلات حول جدوى الرهان على تحريك بدائل للنفط الإيراني في السوق العالمي سواء برفع معدلات الإنتاج السعودية من جديد أو باللجوء إلى رفع معدلات عرض النفط الصخري الأميركي وتحيط شكوك جدية بجدوى هذه الخيارات ناهيك عن فرص تحققها الواقعية لأسباب سياسية واقتصادية.
المؤشرات الأولى تشير إلى تعثر أميركي واسع وخطير بسبب تلك العوامل التي أقر بها مستشار الأمن القومي جون بولتون واستعرض بعضا منها سايمون هندرسون في مقالة نشرها معهد واشنطن مؤخرا.
من الواضح أن إيران تتصدى للعقوبات الجديدة بوضع داخلي شديد الاستنفار والتماسك وعلى أهبة التصدي لموجبات معركة دفاع عن الاستقلال الوطني وهو ما سيقطع الطريق على الرهان الأميركي بشق المجتمع الإيراني نتيجة تفاعلات العقوبات وانعكاساتها الاقتصادية والمعيشية التي ستقود دينامية المواجهة الإيرانية بالمقابل إلى تضييق رقعتها والتحكم بنتائجها السياسية بحيث تبدو كلفة متوجبة في معركة استقلال وتحرر سبق أن تحملها الإيرانيون في عقود ماضية وتكيفوا معها في ظل واقع دولي اكثر اختلالا وأشد انقيادا وخضوعا خلف المشيئة الأميركية الصهيونية.
تتصدى إيران للعدوان الاقتصادي بشبكة من الشراكات والتحالفات وبتوجه دولي مرن تختبر فيه فرصا جدية لشق المعسكر الغربي باستمالة ومخاطبة كمية كبيرة من المصالح الأوربية بالتمايز لحصاد حوافز اقتصادية وسياسية تقدمها إيران مع شركائها روسيا والصين والهند بينما كانت عقوبات العقود الماضية أميركية المصدر يواكبها إذعان غربي تام وصارم وأثبتت التجربة درجة التحكم الأميركي بالنوافذ الأوروبية التي جرى إقفالها وفتحها على إيقاع التفاوض الأميركي الإيراني المباشر أم بالواسطة.
لهذه الأسباب وسواها تمتلك إيران قدرة عالية على تحويل التهديد إلى فرصة مجددا بالحد من المخاطر وعبر إحداث التمايزات الممكنة التي تضيق من جبهة الخصوم وتوسع من جبهة الشركاء والحلفاء وهذا ما سيصعب على واشنطن تحقيق النتائج التي يراهن عليها الرئيس ترامب وفريقه بلي ذراع إيران.