حصار غزة يفضح الأمن الصهيوني الهش ويزيح الستار عن أبرز المعرقلين
الوقت- إن العلاقة بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية ممثلة بالرئيس "محمود عباس" تعيش هذه الأيام في منعطفاً خطراً، خاصة عقب إعلان الحكومة الأمريكية قبل عدة أشهر تنفيذ السيناريو الصهيوني ونقل سفارة واشنطن إلى مدينة القدس الشريف، ولهذا فلقد بذلت "تل أبيب" خلال الأسابيع القليلة الماضية الكثير من الجهود بمساعدة كل من مصر وقطر لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع حركة "حماس" في قطاع غزة لكن المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية أصدر بياناً دعا فيه تعليق الاعتراف بالكيان الصهيوني، فضلاً عن طلبه أيضاً تعليق التعاون الأمني والاستخباراتي مع "تل أبيب".
إن التهديد بوقف التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني لا يُعدّ قضية جديدة، فلقد هدد الرئيس "محمود عباس" خلال السنوات الماضية ولعدة مرات المسؤولين الإسرائيليين، بأنه سوف يوقف جميع أوجه التعاون بينه وبين "تل أبيب" فيما يخص القضايا الأمنية، وقد أعرب الصحفي الإسرائيلي "خالد أبو طه" عام 2014 بأن "عباس" استخدم هذا التهديد لـ 58 مرة وهنا فإن الأسئلة التي تطرح نفسها، ما هي طبيعة التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية و"تل أبيب"؟، وما مدى تأثير هذا التعاون على أمن الكيان الصهيوني، وبعبارة أخرى، ما هي أهمية ذلك التعاون بالنسبة للقادة والسياسيين الصهاينة؟، وما هي الأهداف التي يسعى "محمود عباس" للحصول عليها من إطلاقه لمثل هذه التهديدات وهل لديه القدرة الحقيقية والرغبة في قطع هذا التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني؟.
ما هو الشيء المعرّض للخطر؟
يعود تاريخ تشكيل التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني إلى اتفاقية "أوسلو" التي تم التوقيع عليها عام 1993 وبموجب هذه الاتفاقية، تقرر إنشاء قوة شرطة قوية للحفاظ على النظام العام والأمن الداخلي للفلسطينيين، وبالفعل أنشئت "لجنة التنسيق والتعاون المشتركة المتعلقة بالأمن" لضمان الحفاظ على النظام العام والأمن الداخلي للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي عام 1994 عندما دخل الرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات" مدينة غزة، قام بالإشراف على جميع الشؤون الأمنية في هذه المدينة وفي عام 2000، ومع بداية انتفاضة الأقصى شارك العديد من أعضاء الأجهزة الأمنية الفلسطينية في تلك الانتفاضة، وقاموا باستخدام الكثير من الأسلحة ولهذا قامت قوات الجيش الإسرائيلي خلال تلك الفترة بتدمير العديد من المراكز الأمنية من أجل محاربة ومواجهة تلك الانتفاضة.
وفي عام 2003 قام القادة في "تل أبيب" وبالتخطيط مع أمريكا، بممارسة الكثير من الضغوطات على الرئيس الراحل "ياسر عرفات" للتوقيع على خطة جاءت تحت عنوان "خارطة الطريق من أجل السلام وإعادة تنظيم قوات جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني"، وفي الرابع من يناير عام 2005، أعلن الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" عن "قانون الخدمات لقوى الأمن الفلسطينية رقم 8 لعام 2005"، ولقد تضمن ذلك القانون الفروع الثلاثة التالية:
1. قوات الأمن الوطنية يجب أن تظل تحت قيادة وزير الأمن الوطني.
2. قوات الأمن الداخلية يجب أن تظل تحت قيادة وزير الداخلية وتحت قيادة المدير العام للأمن الداخلي.
3. المعلومات العامة المتعلقة بالرئيس يجب أن تظل تحت إدارة وقيادة رئيس الخدمة.
ولكن العديد من الخبراء والسياسيين الفلسطينيين أعربوا بأن تلك الاتفاقية تهدف في الأساس لخدمة الكيان الصهيوني وتأمينه وحول هذا السياق قال المتحدث باسم حركة "حماس" الأستاذ "خالد أبو حصيرة"، في 21 يناير 2016: إن القوات التابعة لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني تخدم أمن الاحتلال الصهيوني وتشن حرباً ضد الانتفاضة الفلسطينية ولفت إلى أن حماية الأراضي المحتلة جزء من أيديولوجية القوات التابعة لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني وفي مارس 2016، أفادت المنظمة العربية لحقوق الإنسان التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها، أن قوات الأمن الفلسطينية قامت في عام 2015 باعتقال ما لا يقل عن 1715 مدنياً في الضفة الغربية ولفتت تلك المنظمة إلى أن 37 من المعتقلين تعرضوا للتعذيب، وأنه تم احتجاز بعضهم في الحبس الانفرادي لعدة أشهر وبهذا يتضح بأن جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني ما هو إلا أداة لخدمة المصالح الإسرائيلية.
محمود عباس" وقضية حصار مدينة "غزة"
تشير بعض الوثائق التي تم تداولها على نطاق واسع في وسائل الإعلام الغربية والعربية إلى عمق التعاون بين "تل أبيب" والسلطة الفلسطينية، وإلى حاجة الكيان الصهيوني الملحّة لاستمرار هذا التعاون الأمني لحماية الأراضي التي تقبع تحت سيطرته من دون أن يتحمّل أي تكاليف سياسية ومادية كبيرة، ولهذا فلقد هدد الرئيس "محمود عباس" بقطع هذا التعاون مع حكومة "نتنياهو" وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكيان الصهيوني استجاب في بعض الأوقات لمطالب السلطة الفلسطينية ولذلك، وإدراكاً لحاجة الصهاينة للحفاظ على هذا التعاون الأمني، يريد الرئيس "محمود عباس" منع إنهاء الحصار المفروض على مدينة "غزة" وزيادة الضغط على حركة "حماس"، ولتحقيق هذه الأهداف الخبيثة قام "عباس" بإجراء مشاورات مع السلطات المصرية التي تسعى للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وحركة "حماس" التي تتخذ من مدينة "غزة" مقراً لها لمنع عقد مثل هذا الاتفاق.
في هذه الأثناء يرى الكثير من الخبراء والساسة في حكومة "نتنياهو"، بأن خيار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس هو الخيار الأفضل، ويرون بأن استمرار حصار غزة لن يصبّ في مصلحتهم، لذا يجب التساؤل هنا، هل ستنجح تهديدات "محمود عباس" في إرغام الكيان الصهيوني على تنفيذ مطالبه الخبيثة؟.
إن جميع الأحداث الميدانية والسياسية والتجارب السابقة تؤكد بأنه من غير المرجح أن تستجيب إسرائيل لمطالب "عباس" بمواصلة حصار قطاع "غزة".