kayhan.ir

رمز الخبر: 79022
تأريخ النشر : 2018July16 - 20:41

مصر ما بعد الثورة


إيهاب شوقي

هذه السطور ليست نقداً ولا تجريحاً ولا تتعلق بموقف شخصي - معارض بالطبع لحكومات مصر وحكامها منذ كامب ديفيد والى هذه اللحظة - وانما شهادة ورصد لرياح كثيرة تغيرت اتجاهاتها ثم سكنت وربما سكون يسبق عواصف جديدة مرتقبة.

محل الرصد هنا هو حرب تموز وانتصارات المقاومة التي تجلت منذ لحظاتها الأولى، وبالطبع لها ما يسبقها كما لها ما يتبعها.

إلا أن رصد اللحظة لا يحاول تأريخ ردود الفعل المصرية المختلفة فقط، وإنما يحاول أيضا ربطها بإرهاصات الثورة ومحاولة تحليل مدى نجاح الثورة وفشلها وفقا للتعاطي وما يعكسه من دلالات بنيوية أدت الى الفشل أو النجاح.

هذا الرصد والتحليل يتطلب جهداً بجثياً كبيراً كي يكون دقيقاً، وصفحات مطولة تتسع لا لمجرد مقال مختصر، ولكن فلتكن هذه الشهادة وهذا الرصد المختصر بمثابة دعوة لهذا الجهد البحثي، والذي يجب أن يتخطى مصر أيضا ليشمل كافة دول الإقليم.

بداية، وفي رصد للحظة الراهنة، فإن المنظور الشعبي والسياسي للمقاومة، ومخزون العداء للصهاينة وحماسة الاعلان عنه قد أصابه كثير من الوهن في مصر، لأسباب عامة وأخرى خاصة.

والأسباب العامة، يمكن أن نرصد منها ما يلي:

* التشوش والالتباسات الفكرية بحكم تشوه المفاهيم وماكينات الدعاية الموجهة من أطراف متصارعة، مما أنتج تشوها لمفاهيم لم يكن، ولا يصح أن يكون فيها مجرد التباس أو خلاف، ومنها مفهوم الثورة، ومفهوم الوطنية، وجلاء العداء مع الصهاينة بما يدحض أية مبررات لتطبيع أو مهادنة أو اصطفاف ولو بشكل غير مباشر.

مخزون العداء للصهاينة وحماسة الاعلان عنه قد أصابه كثير من الوهن في مصر

وهذا التشوش أنتج حالة من اللامبالاة والسلبية واليأس والعزوف عن المشاركة بما يطوب حتى الوجدانية في أغلب الأحيان!

* الضغوط الاقتصادية بشكل غير مسبوق، والتي خلقت توجها بالغ التركيز تجاه سداد الحاجة وملاحقة المعايش اليومية بما يحول دون الالتفات لأي قضية عامة أو إنسانية، بل وحتى مجتمعية داخل القطر المصري، وهو ما كان له انعكاسات وخيمة على السياسة والقضايا الوطنية والقومية والإسلامية.

* القمع الشديد والمناخ المصادر لحرية الرأي وجمود الحالة السياسية، أنتج مناخا بائسا، تميز باليأس من التغيير وفقدان الثقة بالنفس وفقدان الدافع، ولا سيما بعد تحركات شعبية تميزت بالكر والفر، ووصلت لمراحل قصوى من النجاح بتصورها اسقاط نظام، لم تلبث أن تكتشف أن صورا أخرى حلت محله، إلى أن التف واعاد نفسه مرة جديدة!

ربما هذه الأسباب العامة تكمن وراء هذا التراجع وهذه السلبية، وإذا ما حاولنا رصد الأسباب الخاصة، فيمكننا أن نرصد ما يلي:

* الدعاية الوهابية التي مورست ضد المقاومة الاسلامية والتي سبقت حرب تموز وتكثفت أثناءها وبعدها، وإن لم تكن قد نجحت بشكل كامل في عزل الشارع عن المقاومة، الا أنها نجحت ولو بشكل جزئي ونسب متفاوتة في وقف المد الشعبي والانخراط التام مع المقاومة.

* الخلط المتعمد بين التيارات الاسلامية ووضعها في سلة واحدة واضافة الغث بها الى الثمين وخلط التكفيريين بالمقاومة، مما أثر على بعض التيارات السياسية وليس فقط بعض القطاعات الشعبية.

* الدعاية المضادة للمقاومة بشكل عام ومحاولة تأطير حل القضية الفلسطينية وقصرها على السياسة وتحديدا الرسمية، وتزييف الوعي التاريخي بالقضية وتمييع الصراع مع العدو الصهيوني، ناهيك عن استبدال العداء معه بعداء لدول اخرى اقليمية، والتركيز على ايران بصفتها داعمة للمقاومة لضرب عدة عصافير بحجر واحد!

بعض هذه الأسباب العامة والخاصة بالمقاومة الاسلامية شكلت تراجعا في المد الثوري وجعلته مبتورا وخلقت منه مشروعا ثوريا ناقصا وبالتالي عاجزا عن اتمام التغيير اللائق بالتضحيات.

وبالتالي ليس من المستغرب ان نجد حالة خصومة بين تيارات قومية مقاومة رغم وحدة الهدف ووحدة العدو، كما أنه ليس مستغربا ان نجد تيارات شاركت بالثورة وتعاطفت مع ثورات مضادة لمحور المقاومة!

المقاومة اثبتت انها مشروع ثوري ويوما بعد يوم تثبت صحة خيارها

واذا وضعنا جانبا الاختراق الامريكي والوهابي وانتهازية بعض القوى والتي ربما ناصرت المقاومة نكاية في الانظمة فقط، فإن الأغلبية السياسية المشاركة بالثورة لم يكن مشروعها مقاوما، والاغلبية الشعبية المشاركة بالثورة لم يكن مشروعها واضحا، وتصور الجميع انه بمجرد الاطاحة برأس اي نظام وفقا لتوجه كل طرف سياسي او شعبي، فإن الأمور ستسير لصالحه، وغفل الجميع عن حقيقة مفادها، ان الثورة مشروع متكامل والتغيير الثوري هو تغيير جذري، ولا توجد ثورة على شخص بل على منظومة كاملة، ولا يوجد مخرج اقتصادي وسياسي ومجتمعي سوى بمقاومة العدو اولا والتحرر الوطني ثم اتفاق الاطراف المتحررة على عقد اجتماعي ثوري ينظم السياسة والاقتصاد وكل مناحي الحياة.

نعم خرجت تظاهرات تؤيد المقاومة ابان حرب تموز، ولكنها كانت تعكس بقايا غضب من الكيان الصهيوني تراجعت حدته مع الوقت لأنه لم يكن لب مشروع ثوري، ولم تظهر اثاره في الثورة المصرية سوى مرات قليلة حول سفارة العدو واقتحامها وكذلك رفع صور زعيم عاش ومات مناضلا ضد العدو الصهيوني وهو جمال عبد الناصر.

لكن حجم المشاركة، وجوهر المشروع المقاوم وعمقه في التحركات الثورية لم تكن كافية لانجاح مشروع ثوري سرعان ما التفت عليه واجهضته قوى تعمل لابقاء منظومة كامب ديفيد في الحكم، وساعدها على ذلك تخاذل تيارات سياسية، وانتهازية تيارات اخرى.

المقاومة اثبتت انها مشروع ثوري ويوما بعد يوم تثبت صحة خيارها، بذات الدرجة التي يثبت معها فشل التخلي عنها وعدائها.