اتفاق درعا، دليل قاطع على اجنبية الازمة السورية
ابو رضا صالح
لم يكن الارهابيون من استسلموا بالامس مقابل صمود الشعب السوري، بل ان امريكا والغرب والسعودية ومن لف لفها هي التي ارغمت على الرضوخ للهزيمة .
رضخ الارهابيون في بصرى الشام اخيرا للامر الواقع ووافقوا على تسليم السلاح ، كما ان منظمة حظر الاسلحة الكيمياوية وصفت المزاعم التي اطلقت حول استخدام الحكومة السورية للاسلحة الكيمياوية في دوما بانها لا اساس لها ، هذا فيما هاجم الكيان الصهيوني منطقة القنيطرة . هذه التطورات تأتي في الوقت الذي يتم تداول انباء عن تشكيل كيان لقيط جديد في سوريا تحت عنوان "حراس الدين" بدعم من تركيا ليحل محل جبهة "النصرة" الارهابية .
وقفة عند هذه التطورات تكشف بما لا يقبل الشك ان الازمة السورية وخلافا لما كان يزعم خلال السنوات السبع الماضية، ليست امتدادا لما عرف بـ"الربيع العربي" بل ان جذورها خارجية و جرى فرضها من خارج الحدود السورية على هذا البلد .
بعد اخذ وعطاء استغرق عدة ايام وفي الساعات الاخيرة من مساء امس رات الجماعات الارهابية نفسها مرغمة على تسليم سلاحها الثقيل والمتوسط الى الحكومة السورية وذلك بوساطة اردنية. كما انهم وجدوا انفسهم مرغمين على البقاء تحت سيادة الحكومة السورية او الرحيل الى ادلب. اتفاق بصرى الشام ينص ايضا على تسليم كافة نقاط المراقبة على الحدود مع الأردن لقوات الأمن السورية وعودة المهاجرين والمهجرين الى مناطقهم فضلا عن عودة المؤسسات الحكومية الى المناطق الجنوبية خدمة لاهالي المنطقة.
ترحيب الحكومة السورية باتفاق الجنوب جاء رغم ان الجيش السوري كانت له اليد الطولى في ساحة الحرب وان اي مقاومة كانت محكومة بالفشل. كما ان هذه الاتفاقية كشفت عن مصداقية تصريحات الرئيس السوري بشار الاسد حول ان طريق العودة لا زال مفتوحا امام المعارضين.
ولكن لماذا رجح ألد اعداء الرئيس الاسد طاولة المفاوضات على الحرب؟ الجواب واضح جدا ، ففي حين اعلنت امريكا قبل ايام وبشكل مفاجيء نهاية صلاحية الجماعات الارهابية في الجنوب السوري واكدت بانه يجب ان لا تعول الجماعات المسلحة بعد هذا على دعمها ، لم يكن من المستبعد ان يحذو السعوديون وسائر من كانو يمدون الارهابيين بالمال والسلاح حذو امريكا ويقطعون دعمهم عن هذه الجماعات . وهذه الخطوات تعني ان الحكومة السورية وخلال السنوات السبع الماضية لم تكن تحارب معارضة ومعارضين كما هو الحال بالنسبة لمعارضة الداخل في البلدان الاخرى، بل انها كانت تقاتل جماعات مدججة بالسلاح تلبس لبوس المعارضة - وهي خارجية في الحقيقة- جماعات مدعومة ماليا ولوجستيا من قبل الغرب وبعض الدول العربية في المنطقة وعلى راسها السعودية، هذا من جهة.
ومن جهة اخرى فان استسلام الارهابيين يعني ان من هزم امام الشعب والحكومة السورية ليس الارهابيين، بل في الحقيقة من هزم هي امريكا والسعودية وسائر الدول المواكبة لها ، لانه لو كان بوسع هذا الجماعات المقاومة لاستمرت في الحرب , جميع هذه المعطيات تشير الى ان الازمة التي عانت منها سوريا خلال الاعوام السبعة الماضية كان ازمة مفروضة عليها من الخارج وليست داخلية.
كما ان البيان الذي نشرته منظمة حظر الاسلحة الكيمياوية بالامس والذي نص على انها لم تجد اي مؤشرات على استخدام الاسلحة الكيمياوية في دوما، تلك المزاعم التي اطلقت قبل عدة اشهر في ذروة الانتصارات التي كانت تحققها الحكومية السورية على صعيد تطهير العاصمة من الارهابيين، الى جانب اتفاق بصرى الشام، تشكل انجازات كبيرة للحكومة السورية. الاتهامات التي جرى التخطيط لها واطلقت آنذاك بشكل ممنهج ومدروس من خارج الحدود بهدف تحريض الراي العام والتمهيد لشن هجوم واسع وشامل على النظام السوري. طبعا هذه المحاولات الغربية -العربية باءت بالفشل بعد عرض العديد من الادلة على فبركتها لاسيما شهادة الطفل الذي زعم بانه تعرض للاصابة بسبب الاستفادة من السلاح الكيمياوي.
اما الغارة الجوية التي شنها الكيان الصهيوني بالامس واستهدفت القنيطرة، فانها جاءت بالتزامن مع وضع اللمسات الاخيرة على اتفاق تسوية بصرى الشام الذي كان بمثابة رصاصة الرحمة بالنسبة للجماعات الارهابية في درعا والسويداء، ومن الطبيعي ان الكيان الصهيوني كان ينوي من خلال هجماته هذه توجيه رسالة تحذير الى الجيش السوري الذي وصل الى حدود في الجولات المحتل من جهة ودعم للمسلحين من جهة اخرى. لاشك انه سيكون من الصعب جدا ان يتحمل الكيان الاسرائيلي وجود الجيش السوري على حدوده ثانية، وفي الوقت ذاته يشهد انتعاش وازدهار الاقتصاد السوري في ظل عودة المعابر الحدودية لهذا البلد مع الاردن الى سيادة الدولة .
ختاما ما ينبغي التنويه اليه هو ولادة كيان ارهابي لقيط وجديد في ادلب تحت عنوان "حراس الدين" يجري تجهيزه من قبل تركيا . الهدف من تشكيل هذه الجماعة الارهابية المدعومة تركيا، هو الحفاظ على جبهة النصرة الارهابية تحت مسمى جديد وطبعا بنفس المآرب . وبغض النظر على التحاق الارهابيين المرحلين من الجنوب بهذه الجماعة او لا، وقبل اي استباق للاحكام بشأن احتمال موافقة جبهة "النصرة" وسائر الجماعات الارهابية على الانضواء تحت راية هذه الجماعة ام لا ، يمكن تلخيص الحقيقة في جملة واحدة وهي ان الازمة السورية هي ازمة مفروضة وان جذورها خارجية لامحالة .