تحصين ديمونا يكشف: حزب الله يملك الارادة والقدرة
جهاد حيدر
ينطوي الاعلان عن تحصين المفاعلات النووية الإسرائيلية، كما كشفت صحيفة "هآرتس"، على أكثر من رسالة للداخل والخارج. ومع أنه يندرج ضمن اطار تحصين الجبهة الداخلية، والاستعداد لسيناريوات مواجهة عسكرية شاملة، إلا أن للمفاعلات النووية خصوصية استثنائية على المستوى العسكري والردعي والسياسي. ونتيجة هذه الخصوصية يفترض – نظريا – أن يكون احتمال استهداف هذه المفاعلات في ديمونا وسوريك، في الوعي الإسرائيلي الرسمي والشعبي، الاقل احتمالا من بين كل المنشآت الإسرائيلية، باعتبار أنها الاكثر حصانة وحماية - كما يفترض أن يكون - ولكونه الأبعد مدى جغرافيا عن لبنان، كونه يقع في صحراء النقب التي تبعد مئات الكيلومترات عن أي منصة صاروخية لحزب الله. اضافة إلى أن الطابع النووي لهذه المفاعلات قد يشكل مانعا بذاته للاطراف المعادية لإسرائيل من استهدافه.
يؤكد الكشف عن اجراءات التحصين، أنهم يتعاملون بجدية تامة مع هذا التهديد الذي تشكله صواريخ حزب الله، والجمهورية الاسلامية كما تم الاعلان في إسرائيل. وعلى اقرار ضمني بأن القيادة الإسرائيلية على يقين أن كافة المنشآت الاستراتيجية في إسرائيل، الاقتصادية والصناعية والعسكرية، تحت مهداف صواريخ حزب الله، والدليل أن أهم هذه المنشآت وأكثرها خطورة تتعامل معه الاجهزة الإسرائيلية المختصة على أنه معرض لهذه الصواريخ.
يتزامن هذا الكشف مع احتدام الصراع الاقليمي، في مواجهة محور المقاومة، وبمواجهة الجمهورية الاسلامية في ايران. ومع أن هذا الاعلان لا يعني بالضرورة أن هناك تقديراً يرجح حصول مواجهة تؤدي إلى هذا الاستهداف، لكنه يعكس مستوى المخاوف الإسرائيلية من المسار الذي تسلكه التطورات الاقليمية، وحجم المخاطر التي تنطوي عليها. وكجزء من الاستعداد للسيناريو الأسوأ ذكرت "هآرتس"، بأن لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية، أجرت مؤخرا تمرينا يحاكي ضربة صاروخية على أحد المفاعلات والعمل على منع التسرب الإشعاعي الناتج. لكنهم، يدركون في "تل أبيب" أن استهداف هذه المنشآت لن يكون إلا في سياق حرب اقليمية شاملة، أو نتيجة مغامرة حمقاء يقدم عليها العدو الاسرائيلي في المنطقة.
لعل الدلالة الأهم في كل هذه القضية هو اقرار العدو بأن حزب الله يملك القدرات والارادة لاستهداف المنشآت الإسرائيلية، في حال تطلب الرد على العدوان الإسرائيلي هذا المستوى من الضربات. اما بخصوص مفاعيل هذا الاستهداف، من الطبيعي أن تؤكد لجنة الطاقة الذرية أن استهدافه لن يشكل خطرا على سكان إسرائيل، بل يمكن الجزم أنه حتى لو كانت الخلاصة غير ذلك، من غير المتوقع أن يتم الاعلان عن ذلك، تفاديا لبث الرعب بين الإسرائيليين. مع ذلك، من الجدير التذكير بما نشرته صحيفة هآرتس (6/3/2017) التي كشفت عن دراسة إسرائيلية بحثت مدى تأثر مفاعل ديمونا بسقوط صواريخ "سكاد" عليها أو بقربها. وخلصت إلى أنه في حال سقوط صاروخ بمواصفات عادية، على مسافة تقل عن 35 مترا من المفاعل فإنه سيشكل تهديدا له ويلحق أضرارا بجهاز تشغيله.
تبقى حقيقة باتت أكثر ظهورا وحضورا في المشهد الاقليمي، بأن حزب الله استطاع أن يحول المنشآت الاستراتيجية للعدو الاسرائيلي إلى قوة ردع اضافية في معادلة الردع الاستراتيجي والاقليمي. وهو انجاز يسجل لقيادة المقاومة التي بحكمتها والحزم الذي تتمتع به، استطاعت أن تحقق هذه النتيجة التي لم تكن لتخطر على بال أي قادة "إسرائيل" واصدقائها، بل وحتى الكثير من أعدائها. ومنذ رسائل ديمونا والامونيا التي وجهها أمين عام حزب الله، انقلبت الحسابات في "تل ابيب"، وبات صناع القرار مضطرون إلى أن يأخذوا بالحسبان تداعيات أي حرب تدميرية شاملة كانوا يخططون لها، وهو ما جعلها ويجعلها أكثر استبعادا من أي مرحلة سابقة.