kayhan.ir

رمز الخبر: 76795
تأريخ النشر : 2018May30 - 21:00
في ذكرى ميلاد كريم أهل البيت (ع)..

الأمام الحسن المجتبى.. إنسانية اُشربت بالخير والعدل والحق



* جميل ظاهري

الحديث عن الامام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، هو الحديث عن سر الروح في آفاقها الواسعة الصافية النقية المنفتحة على الله عزوجل ، وعمق الانسانية المتحركة بالخير والحق والعدل كله.. ومعنى الحكمة في مواجهة حركة الواقع في سلبياته وايجابياته، وشمولية العطاء في رعاية المحرومين من حوله، وسموّ الأخلاق الّتي تحتضن كل مشاعر الناس بكل اللهفة الحانية في مشاعرها، وتتحرك في مواقع العصمة في سلوكه في نفسه ومع ربه ومع الناس ومع الحياة.

هو ثاني أئمَّة أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام)، وأول السبطين، وأحد سيَّدي شباب أهل الجنَّة، وأحد ريحانتي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأحد الخمسة من أصحاب الكساء (عليهم السلام) .

أبوه أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأمُّه فاطمة الزهراء سيِّدة نساء العالمين (عليها السلام)، وجدُّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

ونعم ما قال الشاعر :

نَسَبٌ كأنَّ عليهِ مِنْ شَمسِ الضُّحَى نُوراً ومِنْ فلق الصَّباحِ عَمُودا

هو أول أهل الكساء، وأول أحفاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والذين طهرهم تطهيرا، وأذهب عنهم الرجس، وباهل أهل نجران به وأوجب الله ودهم، وهو من جملة الثقلين.

وجاء في كتب السيرة أنَّ الأمام الحسن (ع) كان أشبهَ الناس برسول الله (ص) خَلْقاً وخُلُقاً، وكان الناس إذا اشتاقوا الى رسول الله (ص) بعد غيبته، فإنَّهم كانوا ينظرون الى الحسن (ع) ليجدوا فيه شمائل رسول الله.

وتذكر كتب السيرة أن الرسول (ص) لم يفصل بينهما في الفضل والمحبة، فقد كان (ص) يقول - في ما رواه السنّة والشيعة: "الحسنُ والحسينُ سيِّدا شبابِ أهل الجنّة""- أخرجه البخاري ومسلم، و صححه الألباني في صحيح ابن ماجه: 1 ص 26، و مسند أحمد - باقي مسند المكثرين - مسند أبي سعيد الخدري 11200 و 10616و11224 و...، وكان يقول وهو يشير إليهما: "اللهمَّ أبغضْ من يبغضهما". وهكذا كان يقول:"من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني"- لسان العرب - (ج 12 / ص 522) (2) (حم) 9671، (جة) 143، انظر الصحيحة: 2895، ومجلسان من أمالي أبي محمد الجوهري – رقم 25، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي رقم 74، وفي سير أعلام النبلاء : ج 3 ص 168، والسلسلة الصحيحة " 6 / 931 :أخرجه أحمد في " المسند " (2 / 440) و في "الفضائل" (2 / 777 / 1376) ومن طريقه الحاكم (3 / 166) والبزار (3 / 227 / 2627).

جاء عن السيوطي في تدريب الراوي، إنّ المشكلة الّتي أُثيرت في عهد عمر بن الخطاب أنّه منع الناس من كتابة حديث رسول الله (ص) بحجة الخوف من الخلط بينه وبين القرآن الكر يم!!، وبذلك خسر الناس الكثير من تراث الرسول (ص) مما ضاع في صدور الناس الذين فارقوا الدنيا دون أن يُدوِّنوا ما حفظوه عنه.

ولكنَّ عليّاً وولده الحسن (ع) رأيا أنّ في ذلك خطراً على الإسلام والمسلمين، لأنّ سنّة الرسول تمثّل عِدل كتاب الله في القاعدة الإسلامية على مستوى العقيدة، ففيها تفصيل ما أجمله القرآن، وفيها توضيح ما أبهمه، لذلك كانت كتابة السنّة الثابتة عن الرسول (ص) تمثل توثيقاً للإسلام في عقيدته وشريعته، بالدرجة الّتي يمكن أن يجد فيها المسلمون ما يعينهم على حلِّ الخلافات والمنازعات الناشئة من ضياع بعض أحاديث رسول الله (ص)، وهذا هو الخط الإسلامي في حركة الثقافة في حياة الإنسان المسلم.

يسعى الإنسان إلى بلوغ مدارج الكمال، وهذا لا يتأتى إلاّ من خلال دراسة ما كانت عليه الأسوة والقدوة التي تقدم المثال والأنموذج في تشكيل عناصر الشخصية الإنسانية، وبما أن النبي (ص) والأئمة(ع)، يجسدون في أقوالهم وأفعالهم النموذج الأسمى في الاقتداء، وربما الرسالية في أرفع معانيها، كان لا بد من تتبع أثرهم، والاطلاع على منهجهم في الحياة، وهذا ما أطلعنا عليه سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، في قراءة متأنية للمنهج الذي اتّبعه الإمام الحسن(ع)، ودائماً من المصادر الأصيلة، من خلال النصوص الواردة في هذا المجال.

عاش مع أبيه عليّ(ع) ، ورأى كيف أُبْعِدَ (ع) عن موقعه الّذي جعله الله فيه، وكيف صَبَرَ صَبْرَ الأحرار من أجل قضية الإسلام والمسلمين، حيث كان يسمع أباه يقول: "لأسلمنَّ ما سلمتْ أُمور المسلمين ولم يكن فيها جَوْرٌ إلاَّ عليَّ خاصة"- نهج البلاغة (صبحي الصالح) الخطبة 74 ص 102.

فاختزن الأمام الحسن (ع) كلَّ ذلك، حتّى إذا انطلق شابّاً في خطِّ المسؤولية مع أبيه، أرسله - وهو يثق بعقله وعلمه وروحيته وإخلاصه ولباقته - إلى الكوفة من أجل أن يَحِلَّ المشاكل الّتي حدثت على أيدي بعض الناس المعارضين لعليٍّ، وقام بالمهمة خير قيام.

كان (ع) الشاهد على استشهاد جده (ص) وأستشهاد أمه وكذا أبيه أمير المؤمنين عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم، كان الشاهد على مؤامرة السقيفة واغتصاب حق أبيه في الخلافة وحق أمه في فدك فيما بعد والاستهانة بمقامها العظيم ليضرموا النار ببابها ويسقطوا جنينها، نعم هو الشاهد على إنثلام الدين وتحريفه وتزييفه وعودة الأمة الى عهد الجاهلية القبلية التي لاتزال قائمة تستبيح كل محرم بنفاق وسياسة غدر بنو امية الطلقاء وأتباعهم التكفيريين هنا وهناك لتمزيق أمة نبي الرحمة والمودة والرسالة السمحاء.

فكان لابد من التصدي لهذا الإنحراف الخطير وفق تكليف إلهي لكن كلاً على طريقته، فقد قام الامام الحسن والحسين عليهما السلام بأداء رسالة واحدة، ولكن نصفها قد أداه الإمام الحسن عليه السلام بالإعداد الكامل وتهيئة الأرضية اللازمة، ونصفها الآخر قام بأدائه سيد الشهداء عليه السلام بقيامه المقدس الدامي.

وقد سبق أن مسؤولية الامام الحسن عليه السلام كانت مهمة وصعبة جداً، ربما أصعب من مسؤولية الإمام الحسين عليه السلام، وذلك لأن مسؤولية الإعداد أصعب من تفجير النهضة والقيام المسلح، لأن الشخص الذي يريد بناء وتربية جيل على المفاهيم الصحيحة، فمن دون شك وترديد لابد من أن يلاقي صعوبات عديدة، وربما يهان، كما أنه يحتاج إلى برنامج منظم وزمان طويل ومخطط دقيق على المدى البعيد، والكوادر الصالحة والتقية والاحتياط من أجل المحافظة على هذا الجيل في حال الإعداد والبناء، وعوامل البقاء خلال عشرين أو ثلاثين سنة أو أكثر، وأخيراً فهو بحاجة للاستعداد الكامل لتحمل الكلمات الجارحة وأن يكون بعيداً عن كل مدح وثناء.

ويؤكد الرواة أن من أبرز صفات الامام الحسن (عليه السلام) التي عرف بها صفة الحلم، حيث اشتهر عنه أنه (حليم أهل البيت)- ولابد لنا أن نشير إلى أن أهل البيت (عليهم السلام) كلهم يتصفون بالحلم- إلا أن الظروف التي عاشها الإمام الحسن (ع) اقتضت وساعدت على بروز هذه الصفة في شخصيته بشكل أجلى وأوضح، فالامام كان يواجه تشنجات واستفزازات من جهتين:

الجهة الأولى: خارجية، وتتمثل في معاوية بن أبي سفيان، وجبهة الشام، حيث سعى بكل جهده وقوته، وإمكانيات سلطته وحكمه، إلى أن يشوّه سمعة الامام الحسن (ع)، لعزله شعبياً، فعمل على إثارة الدعايات والاشاعات الكاذبة والمغرضة على الامام (ع)، وعلى أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ، واستطاع نتيجةً لذلك أن يوجد تياراً في الشام يكره أهل البيت (ع)، حتى ان بعضهم صدق أن علي بن أبي طالب (ع) لم يكن يصلي!!

الجهة الثانية: داخلية، حيث إن قرار الامام الحسن (عليه السلام) بالصلح مع معاوية، والذي فرضته عليه الظروف، ورعاية لمصلحة الأمة الاسلامية، أثار مشاعر بعض المحيطين بالامام (ع)، ونظروا الى الصلح على أنه موقف ذل وخنوع واستسلام، فراحوا يوجهّون لومهم العنيف، وعتابهم الشديد، وبعبارات مسيئة وغير لائقة؛ حيث واجهها عليه السلام بسعة صدر حفاظاً لوحدة الأمة وتمهيداً لثورة عاشوراء الخالدة .