أمريكا وأسباب البقاء في سوريا
عاد إلى الواجهة الإعلامية في الأسابيع القليلة الماضية موضوع بقاء القوات الأمريكية في سوريا، والذي كان مطروحاً للنقاش في جميع اللقاءات السياسية على مستوى الرؤساء والمسؤولين الكبار الإقليميين والدوليين، خاصة الأمريكيون الذين يبحثون عن طريقة للبقاء في سوريا ولكن بأقل تكلفة ممكنة.
ولكون واشنطن تبحث عن هذه الصيغة في البقاء بدأت تعمل على إيجاد حلول لها، كان آخرها اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإرسال قوة عربية مشتركة إلى سوريا لتحلّ محل القوات الأمريكية، ولكون ترامب يعرف جيداً عجز هذه الدول عن الذهاب إلى هناك، لاعتبارات عديدة تتعلق بالسياسة والعسكر والخبرة الميدانية، صرّح أوائل الشهر الماضي: "إنه يريد الخروج من سوريا لكن إذا كانت السعودية تريد بقاء القوات الأمريكية في سوريا فعليها دفع فاتورة بقائها"، وذلك ردّاً على تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لمجلة "تايم" الأمريكية، والتي قال فيها إنه يدعم بقاء القوات الأمريكية في سوريا على المدى المتوسط، موضحاً، أن "وجود قوات أمريكية في سوريا، من شأنه الحدّ من طموحات إيران في توسيع نفوذها".
وحتى اللحظة ليس هناك أي معلومة عن هذا الحلف ولم يتحدث أحد بخصوص تشكيله، وعلى الرغم من أن الرئيس ترامب تحدّث عن عودة قوات بلاده من سوريا، يبدو أن هذا الأمر لن يتحقق بالمرحلة المقبلة، ولن تخرج القوات الأمريكية حتى نهاية الأزمة السورية على الأقل وذلك لعدة أسباب نلخصها بالتالي:
أولاً: في يوم الأربعاء " 17-01-2018 " تواجد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ريكس تيلرسون في جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا الأمريكية وألقى كلمة حينها أمام جمع من الطلاب والمهتمين ركّز فيها على خمس نقاط: 1- أن القوات الأمريكية باقية في مناطق التوتر في سوريا لأن الحرب على تنظيم داعش الإرهابي لم تنته، وأشار حينها إلى أن بلاده لن ترتكب أخطاء الماضي في سوريا وقال: "لا يمكننا أن نكرّر الأخطاء التي ارتكبناها في عام 2011 حينما أتاح انسحابنا السابق لأوانه من العراق للقاعدة فرصة للاستمرار والتحوّل في نهاية المطاف إلى داعش، لا يمكننا أن نكرّر القصة ذاتها في سوريا".
2- رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، محمّلاً الأسد مسؤولية التمهيد لظهور تنظيم "داعش" في بلده.
3- أن تكون سوريا خالية من السلاح الكيميائي.
4- الحدّ من نفوذ إيران في المنطقة.
5- إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم.
بعد تصريحات تيلرسون بحوالي 70 يوماً خرج علينا الرئيس الأمريكي من أوهايو وصرّح إن بلاده ستنسحب من سوريا قريباً جداً على حدّ تعبيره، وقال: "نحن نلحق هزيمة نكراء بداعش، سنخرج من سوريا في وقت قريب جداً، ودعوا الآخرين يهتمون بالأمر الآن".
بعد ذلك صرّح ترامب بسحب القوات من سوريا، فأسرعت بعض الدول وعلى رأسها السعودية و"إسرائيل" لإقناع ترامب بالعدول عن قراره واعتبروا القرار سيصبّ في مصلحة إيران، لذلك طالبهم ترامب على الفور بدفع تكلفة بقاء القوات هناك.
البعض يعتقد بأن ترامب لا يعي ماذا يفعل لكن الحقيقة أن الرئيس الأمريكي، يريد ابتزاز السعودية لإفراغ جيوبها من المال وملء الخزينة الأمريكية، ولكن تصريحاته هو ومسؤوليه حول داعش تثير الحيرة والاستغراب، أو مثلاً حديثهم عن إعادة الأمن إلى سوريا، علماً أن واشنطن هي أكثر دولة في العالم ألحقت الأذى بالشعب السوري ولم تقدم له سوى الدمار والقصف الصاروخي غير المبرر، وإبقاء القوات بحجة القضاء على داعش، على الرغم من أن الكثير من الوثائق أثبتت تورط أمريكا بدعم داعش والتعامل معه في أكثر من مرة، وآخر فضائح هذا الملف نشرته منذ يومين عبر موقع "بزنس إنسايدر" الأمريكي، الذي تحدّث عن عمليات قذرة قام بها "المارينز" في سوريا والعراق.
ثانياً: الأمريكي يريد البقاء من أجل النفط شرق الفرات، وسيكون واهماً من يعتقد بأنه سيبقى من أجل حماية الأكراد أو القضاء على داعش لأنه تخلّى عن الأكراد في أكثر من مناسبة في العراق ومؤخراً في سوريا، أما "داعش" فهي كذبة كبيرة تم اختراعها مثلما تم اختراع قصة "أسلحة الدمار الشامل" عند غزو العراق.
أحد الأسباب الحقيقية للبقاء تكمن في النفط الموجود شرق الفرات، حيث يسيطر حلفاء واشنطن "الأكراد" على أهم منابع النفط السورية، الموجودة في الرميلان والمالكية الواقعة في منطقة الحسكة، وكذلك آبار العمر، الجفره، التنك، العصبة، طيبة و ... والتي توجد شرق ديرالزور.
أمريكا لم تخجل في التلميح للسيطرة على هذه المنابع، وجميعنا يذكر حديث ترامب عن أن بلاده صرفت حوالي 7 تريليونات دولار في غرب آسيا دون أن تحصل على فائدة تذكر، وقبل أكثر من عام عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مجلس النواب الأمريكي مشروع "إعمار العراق مُقابل النفط"، ولا نعتقد بأن هذه المطامع ستكون سوريا بمنأى عنها، خاصة أن الرئيس الأمريكي لا يتحدث سوى عن المال والفائدة المادية في كل خطوة يخطيها.
وكتبت واشنطن بوست مقالاً عن النفط السوري في أبريل من العام الماضي تحت عنوان في سوريا "أخذنا النفط"، والآن يريد ترامب تقديمه لإيران، وتحدثت الصحيفة حينها عن أن السيطرة على النفط هو النفوذ الوحيد الذي نملكه في سوريا اليوم.
وقال ديفد آدسنيك رئيس قسم الأبحاث في مؤسسة الدفاع والديمقراطيات: "لدينا 30 % من مساحة سوريا، وهي تحوي على 90 % من إنتاج البلاد من النفط قبل الحرب".
ختاماً، بالنظر إلى أمريكا في سوريا نجدها تعاني من حالة ضعف في التأثير على ما يجري هناك، خاصة وأن روسيا، إلى جانب إيران وتركيا، تقوم بتصميم وتنظيم اجتماعات أستانا وسوتشي بالتزامن مع قمم جنيف، لذلك تحتاج واشنطن أكثر من أي وقت مضى إلى إنجاز موضوعي وميداني ليكون فعّالاً في تحديد مستقبل الأزمة السورية وقد يكون البقاء أحد أشكال ضعفها في بقية الملفات.
الوقت