التحوُّل في الإقتصاد العالمي: أولى نتائج الخروج الأمريكي!؟
بدا واضحاً بعد القرار الأمريكي بالخروج من الإتفاق النووي أن الدول الأوروبية وعلى الرغم من وقوعها ضمن الساحة السياسية لواشنطن، قرَّرت رفع الصوت فيما يخص المصالح الإقتصادية. فالأمر بات يتعلَّق بالمصالح العليا لهذه الدول، وليس بالمصالح الظرفية. هو الحال الذي ينطبق على كلٍ من فرنسا وبريطانيا. يُضاف اليهم ألمانيا الدولة المهمة عسكرياً واقتصادياً، والتي تسعى لرسم سياسة جديدة للعالم الحديث من خلال إستخدام قوّتها الاقتصادية وقدرتها على التأثير بين دول الإتحاد الأوروبي.
وهنا فإن القرار الأمريكي ومصالح الجغرافيا السياسية والإقتصادية لهذه الدول والتي باتت تُعرف بالترويكا الأوروبية (فرنسا، بريطانيا وألمانيا) وتشكيلها للثقل الأكبر من أوروبا، جعل الأرضية مُمهَّدة لإمكانية حصول تحوُّلٍ كبير في نفوذ الإقتصاد العالمي وانتقاله من الغرب الى الشرق، حيث تتشابك مصالح الترويكا مع الصين وروسيا أصحاب المساحة الأكبر في آسيا (البر الأوراسي).
ولعل التصريحات الفرنسية والألمانية المُغازلة لروسيا، كانت نتيجة لهذه القراءة. فخرج إيمانويل ماكرون للحديث عن الحاجة إلى حوار تاريخي مع موسكو. ولم تمتنع ألمانيا وعلى لسان أنجيلينا ميريكل عن طلب المساعدة الروسية لإنقاذ الإتفاق النووي. كلها علاماتٌ لتموضع جديد ستُنتجه التحركات المُقبلة على مسرح السياسة الدولية، والتي باتت تلعب فيها إيران دوراً فاعلاً.
وهنا فإن التبعية الأوروبية لواشنطن، لم تمنع المسؤوليين الأوروبيين من النظر لقرار ترامب على أنه تأجيج لحرب إقتصادية يُدرك الأمريكي فيها أن أوروبا هي أولى المتضرريين بل قد يكون يسعى ترامب لذلك ضمناً. وهو ما سيدعم التوجه الأوروبي نحو بدائل على الساحة الدولية بعد أن أثبت الرئيس الأمريكي أنه لا يحترم مصالح الحلفاء. مما يكون السبب الأساسي الحقيقي لتمسك هذه الدول بالإتفاق النووي مع إيران.
لذلك، فإن الوضع الإقتصادي الذي يحكم كل من روسيا والصين، وقدرتهما على الإستفادة من الخروج الأمريكي من الإتفاق واستثمار هذا الخروج في لعبة المصالح الإقتصادية، تجعل هذا التحوُّل أقرب الى التحقُّق. فالعلاقات الإقتصادية بين روسيا وإيران كانت قائمة وما تزال. كما أن روسيا نجحت في إدارة علاقتها مع إيران واستفادت من المشتركات التي تجمع الطرفين في عدائهما للغرب. وهو ما نتج عنه قيام الشركات الروسية باقتحام السوق الإيرانية وتحقيقها الأفضلية على حساب الشركات الأوروبية التي دخلت أيضاً السوق الإيراني. ما بات اليوم واقعاً إقتصادياً وتجارياً بين روسيا وإيران، وفي عدة قطاعات من النفط الى الطاقة الذرية فالبنية التحتية والنقل والمعادن.
من جهته يحظى التنين الصيني بفرصة كبيرة للشراكة مع إيران، كان قد شيَّدها بعد زيارة الرئيس تشي جين بينغ لإيران عام 2015. ولعل التوجه لحظر الصادرات النفطية الإيرانية، سيُساهم في استئناف الآليات المشتركة بين الصين وإيران والتي كانت قائمة خلال فترة الحظر الدولي، عبر الحصول على النفط الإيراني بعقود معزولة عن النظام المالي الأميركي، في مقابل أسعار مخفَّضة للواردات.
إذن، لن تكون نتائج القرار الأمريكي على الصعيد الإقتصادي كما يتم تداولها. فالحرب الإقتصادية لن تسير وفق ما يُخطط العقل الأمريكي. فقد دخل دونالد ترامب لعبة جديدة لا تتعلق بمصالح ظرفية بقدر ما ترتبط بمصير وجوديٍ يجمع دول الترويكا الأوروبي بعمالقة الشرق الجُدد. وهنا فإن إيران قادرة على تعويض خسائر حظر الصادرات النفطية الإيرانية من خلال ارتفاع سعر النفط المُتوقع. وهو ما سيصبُّ في مصلحة روسيا ورئيسها الذي بدأ ولاية جديدة عنوانها تعزيز القوة الإقتصادية لروسيا. هكذا تلتقي الصين معهم لتُصبح الدول الثلاث الأقوى في آسيا شركاء اقتصاديين كبار. فكيف سيكون الحال لو انتقلت الترويكا الأوروبية الى موقع التعاون معهم خصوصاً أن ما بات يُحرِّكها هو المصالح الإقتصادية؟ وهل سيشهد العالم تحولاً في مراكز النفوذ الإقتصادي؟ هذا ما ستُجيب عليه التحركات المقبلة للأطراف على مسرح السياسة الدولية.
العهد