مخاطر "صفقة القرن" وبؤس التطبيع..!
د. مصطفى البرغوتي
تُسرب الصحف العبرية من حين لآخر بعض معالم ما تسميه "صفقة القرن"، وآخر هذه التسريبات ما نشرته صحيفة "معاريف"، التي ادعت أن الإدارة الأميركية أبلغت ليبرمان وزير الجيش الإسرائيلي بأن "الصفقة" تتضمن فصل أحياء شعفاط، والمكبر، والعيسوية، وأبو ديس عن مدينة القدس.
وقبل ذلك نُشرت شائعات عن نوايا إسرائيلية لفصل منطقة كفر عقب عن بلدية القدس بهدف سحب هويات سكانها المقدسيين.
وطالما كرر ليبرمان نفسه تصريحات متكررة عن فصل الفلسطينيين بمن فيهم أهالي 1948 وسحب الهوية منهم.
الأمر الأول الجامع بين هذه الأفكار، هو الترويج لضم وتهويد القدس، والمس بحق الفلسطينيين في أن تكون عاصمتهم.
أما الأمر الثاني فهو محاولة تنفيذ عملية تطهير عرقي عنصري للقدس من خلال سحب الهويات المقدسية من حوالي 130 ألفا من لمقدسيين من سكان الأحياء المذكورة، بهدف تعديل التركيبة السكانية لمدينة القدس لصالح اليهود الإسرائيليين.
أما الأمر الثالث فهو محاولة التحضير والترويج للفكرة الخبيثة والمرفوضة بإستبدال مدينة القدس كعاصمة لفلسطين بأحياء أو بلدات في محيطها مثل بلدة أبو ديس، والعمل في نفس الوقت على اخماد المقاومة الشعبية في هذه الاحياء والتي تميزت بالتصاعد و البسالة منذ سنوات.
وإذا كانت ما تسمى "صفقة القرن" تخطط فعلا لتبني هذه الأفكار، فلا بد من القول أن ذلك يمثل إثباتا جديدا على أن خطة السلام الأميركية ليست سوى نسخة عن المطالب والمخططات الإسرائيلية، بل انها نسخة تفتقر للإبداع والتجديد، ولو على سبيل حفظ ماء الوجه.
ويترافق ذلك مع اتضاح ملامح النهج الذي يحاول الفريق الأميركي تمريره، بتكرار نمط "اتفاق أوسلو" الذي سبب للشعب الفلسطيني خسائر لا توصف بسبب طابعه الذي اتسم بالجزئية، والمرحلية، والإنتقالية، مع تأجيل القضايا الجوهرية كالقدس، واللاجئين، والحدود، والإستيطان، ودون وقف الإجراءات الإسرائيلية التي تغير معالم كل واحدة من هذه القضايا.
التجزئة والتأجيل، ليست سوى وصفة لقتل القضايا أو لشطبها، وكما أثبتت الحياة فإن اي مفاوضات ستجري في ظل الإحتلال في ميزان القوى لن تكون سوى غطاءا لعملية فرض الحقائق من جانب واحد، أي من جانب إسرائيل.
ودون الخوض في تفاصيل أكثر لعل من المفيد أن يتذكر الجميع حقيقتين أساسيتين:
الأولى، أن فكرة الحل الوسط بين الفلسطينيين والحركة الصهيونية قد فشلت، لأن هذه الحركة وحكومات إسرائيل لم، ولا، ولن تريد حلا وسطا، وكل ما أرادته من إتفاق أوسلو كان تحييد آثار الإنتفاضة الشعبية، وكسب الوقت لإستكمال عملية الضم والتهويد، وإحداث إنقسام عميق في الساحة الفلسطينية.
أما الحقيقة الثانية فهي أننا لسنا في مرحلة حل مع إسرائيل، بل في مرحلة كفاح ونضال لتغيير ميزان القوى، وكل المقدرات النضالية والسياسية والدبلوماسية الفلسطينية يجب أن توجه نحو هذا الهدف.
وإذا كانت هناك نية لتنفيذ ما أُعلن في المجلس الوطني الأخير من قرارات كإحالة مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى محكمة الجنايات الدولية، والإنضمام للمؤسسات الدولية الهامة التي لا تريد الولايات المتحدة أن ننضم لها كمنظمة الملكية الفكرية، والصحة العالمية، فإن أفضل موعد مناسب للتنفيذ سيكون يوم الرابع عشر من أيار/مايو عندما تنقل الولايات المتحدة سفارتها للقدس، وسيمثل ذلك إختبارا ملموسا لمدى الجدية في تنفيذ قرارات المجلس الوطني بهذا الشأن، ومؤشرا لما سيتم تنفيذه من قرارات أخرى.
ومن المؤسف، والمحزن، أن التسريبات الإسرائيلية حول "صفقة القرن" ترافقت مع حدث تطبيعي لا يجوز القبول به، وهو مشاركة فرق عربية، قيل أنها من البحرين والإمارات فيما يسمى "سباق طواف ايطاليا للدراجات" الذي ينظم في إسرائيل في الذكرى السبعين للنكبة المؤلمة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، وما أدت إليه من تطهير عرقي مشين.
لا أدري إن كان الذين قدموا للمشاركة في هذا السباق، يدركون مدى فداحة الجرم الذي يرتكبونه بالتطبيع مع مرتكبي جريمة فادحة بحق إخوتهم الفلسطينيين، ولكن إن كانوا لا يدركون، فقد كان من واجب مسؤولي أنديتهم وفرقهم، ردعهم عن هذه المشاركة في بؤس التطبيع المذكور.
وبغض النظر عن ذلك، وعن مساعي التطبيع الإسرائيلية التي تعثرت، فإن العامل الحاسم الذي أوقف "صفقة القرن" حتى اليوم، وأحبط توجهاتها التطبيعية، كان وما زال الموقف الفلسطيني الجماعي الرافض بحزم لها والذي يجب أن يستمر، ويتعزز، ويترجم الى قرارات جريئة بمواجهتها.